كم من محنة لم يدم ظلامها، فشهدت ولادة فجرٍ مشرق. وكم من تألّقٍ ونجاح ولد من رحم الآلام والمعاناة. قد تضيق بنا الحياة وتنهال علينا بالصدمات والابتلاءات، ولكنّ المنتصر من يراها على أنّها فرصٌ تخدم رسالتنا على هذه الأرض. فكم من أمٍّ ذاقت ألمًا من تجربة سرطان الأطفال، ثم صبرت ونظرت إلى الشدّة بعين البصيرة لتلهم ذاتها وتلهمنا، فتكون مثالاً يحتذى به. وأيقونةً أظهرت للعالم الوجه الآخر للألم، ألا وهو: قوّة ورسالة لا بدّ منه للارتقاء ونشر الوعي في مجتمعاتنا.
في هذا المقال، قصة امرأة حديدية، استطاعت أن تتغلّب على المحنة التي اختارت من هو الأحب والعزيز على قلب كل أم، ألا وهو فلذة كبدها، ابنها. لم يحبط عزيمتها مرض السرطان ولا حتّى إيمانها. بل تسلّحت بالمعرفة والقوة والعزيمة والإرادة لتحارب معه ذاك المرض الخبيث. لتكون أماًّ ملهمة لكلّ من مرّ أو لا قدّر الله قد يسير في هذا المنعطف. فأسّست كتاباً توعوياًsuper kids لنشر الوعي والثقافة الكاملة حول سرطان الأطفال. ثم بعد ذلك أسّست مؤسسة: أبطالنا لداعمي أهالي مرضى السرطان.
عرّفينا بنفسك
لمى عنداري، أمٌّ لطفلين. خبيرة علاقات عامة وإدارة مشاريع. مقيمة في دبي. أنشأت مؤسّسة أبطالنا.
أخبرينا قصتك مع مبادرة أبطالنا
برزت مبادرة أبطالنا بعد عام من اكتشاف مرض السرطان لدى سام ابني، في البداية ألّفت كتابSuper kids باللغة الإنجليزية. وهو كتاب توعوي عن سرطان الأطفال بطريقة مرحة وتفاعلية. وما هو متميز في هذا الكتاب أن كل الصور الإيضاحية نفّذت من قبل طفلة بعمر 12 عاماً.
يتبنّى الكتاب، فكرة نشر الوعي حول مرض سرطان الأطفال بدايةً؛ بهدف بث روح التفاؤل والأمل والطمأنينة لدى الأهل أيضاً. فما هو متعارفٌ عليه في مجتمعاتنا حول مرض السرطان أنّه خبيث وينهك الجسد، فكيف لو ارتبط بالأطفال!. ممّا يسبب القلق والحذر لدى الأهل، وبالتالي عدم الاكتراث للاطلاع عليه وجمع المعلومات ظنًاً منهم أنًه بعيدُ عن التاريخ المرضي للعائلة ولم يحدث وجوده سابقاً.
علماً أنّ الدّراسات أثبتت أنّ ما نسبته 90% من المصابين، لم تُعرف أو تحدد أسباب إصابتهم. بينما تشكل الأسباب الواضحة للإصابة مثل التاريخ العائلي ما نسبته 10%. ممّا ولّد لدي الشغف لنشر الوعي حول سرطان الأطفال وتوعية المجتمع.
بدايةً، عن طريق الكتاب، استطعت أن أسلّط الضوء حول هذا المرض. أما الخطوة الثانية كانت قرار تسجيل مؤسسة أبطالنا في دبي. أبطالنا لا تعدّ جمعية خيرية، بل كملتقى للأهالي. وهي مؤسسة اجتماعية، لا تبغي الربح؛ بل ثمة شركات تؤمن الدعم الاجتماعي للعائلات والهدف منها إقامة الفعاليات في المجتمع الإماراتي، ونشر الوعي وإمداد الأطفال وعائلاتهم بالدعم اللازم لاجتياز هذه الأزمة الصُّحيّة.
كيف تصفين رحلتك مع ابنك سام خلال محاربة سرطان الأطفال ؟
رحلتي مع سام، كانت شاقة. كنت حاملاً بطفلي الثاني حين علمنا بمرضه. فكان من الصّعب الإقامة في المستشفى طوال فترة العلاج في ظل هذه الظروف. فترة العلاج كانت صعبة على سام، طفلٌ للتوّ تفتّحت عيناه على هذا العالم ولكنّه كان صبوراً ومتفّهماً لكل ما يمرُّ به، فكان الملهم بالنسبة لنا كعائلة، ومن يعكس من ذاته العزيمة والقوة رغم معاناته مع المرض.
لا يسعني وصف كيف تحوّلت المستشفى إلى دار حضانة بالنسبة له، وبدل أن يستمتع بأجمل لحظات طفولته كأي طفل ذو العامين من عمره ويعيش عالم المرح واللّعب كان يحارب مرض السرطان، ويتلقّى الرعاية من الأطباء والممرضات. والأصعب من ذلك، أن هذه الأزمة الصّحية حدثت خلال فترة انتشار فايروس كورونا؛ فحتّى الانخراط مع الأطفال في نفس القسم الذي تواجد فيه كان محظوراً عليه. ولكن استطعنا كعائلة واحدة أن نتحدّى هذه الظروف القاسية حتى وصلنا مرحلة تحسن ابني.
هل تلقّيت الدعم النفسي خلال رحلتك مع مكافحة السرطان؟
تلقّيت الدعم من عائلتي وأصدقائي. ثم من خلال تجربتي مع أبطالنا تعاونت مع جهات داعمة وشركات. وأخصُّ بالذّكر شركة LIGHT HOUSE ARABIA التي سمحت بتوفير الدعم النفسي للعائلات.
كيف تساعدين الأمهات التي تمرّ بتجربة مع سرطان الأطفال؟
نحن كأمّهات، مررنا بالتجربة نفسها، نتبادل المشاعر عينها، نتفّهم بعضنا البعض. لغتنا واحدة ومتعلّقة بسرطان الأطفال. ومن خلال التواجد إلى جانب بعضنا البعض، واستشعار ظروفنا نتبادل النصائح فتجربتنا واحدة.
بالإضافة إلى الدّعم المقدّم من الشركات وتضافر جهود المؤسّسات الداعمة. كل ذلك يساعد في تقبل المحنة والقدرة على تجاوزها.
هل ممكن تقديم نصيحة للأمّهات اليوم ممن اكتشفت تشخيص حديث لابنها وابنتها بسرطان الأطفال؟
- نصيحتي الأولى ؛ مراحل العلاج مختلفة عن الأخرى. علينا تقبّل الأمر والتّماثل لمراحل العلاج كلُّ يومٍ بيومه
- بالإضافة إلى أهميّة صقل النفس بالصبر والإيمان لتخطّي هذه المرحلة. كما أنّني مؤمنة أنّ كل شخص على هذه الأرض لابدّ أن يمرَّ بتجارب صعبة ولكن علينا الاستفادة منها لتتحوّل من عامل مهدّد للراحة النفسية إلى مصدر قوة وإلهام، بمعنى آخر أن نخلق هدفاً لنا من عمق الألم.
- نحن من نمدّ أطفالنا بالقوة، لذلك أنصح الأمّهات بالتحدث مع أطفالهم حول هذا المرض بكل شفافية وأن يقدّموا الوصف والتوضيح الكافي لما يمرّون به.
- أنصح الأمهات أيضاً بضرورة الانفتاح وتحصيل المعرفة اللازمة. بالإضافة إلى أهميّة التشخيص المبكّر والتي يمكن الاطلاع عليها من خلال الموقع الإلكتروني لمؤسّسة أبطالنا.
- كما وأؤكّد على دور المعلّمين والمعلّمات في المدارس في نشر الوعي حول سرطان الأطفال. وجعله محط اهتمام ونقاش مثله مثل سرطان الثدي؛ كونهم الفئة الأكثر احتكاكاً بأطفالنا.
ما هو سرُّ قوّتك؟
حبّ الحياة، والقناعة بأنّ مراحل الحياة متقلّبة، لا تحوي على السعادة المطلقة ولا حتّى الحزن الدّائم، لكنّ التركيز على أهدافنا هو مفتاح التقبّل لكافة المراحل. نحن متواجدون على الأرض نفسها. وبالنسبة لي أن يكون هدفنا تقديم الخدمات والمساعدة لدعم بعضنا البعض، وأن يكون العطاء نابعٌ من القلب وبكلّ حب وشغف.
ولابدّ أن أثني على الدعم المقدّم من المجتمع الإماراتي الذي لم يتردد بتقديم هذا الكمّ من التّفاعل والمساندة. ويعود الفضل للأشخاص، والشركات والمؤسّسات الحكومية والخاصة التي قدّمت المساعدات.
نهايةً. أودُّ أن أنوّه على أهمّية خلق مساحة للأطفال لكي يعبّروا عن أنفسهم وينقلوا الصّورة الحقيقة لما يمرّون به.
وهكذا قصّت علينا لمى عنداري أحداث التجربة الأليمة ورحلة ابنها مع سرطان الأطفال الذي لم ينل لا من عزيمتها ولا من قوّة وصمود ابنها ذو العامين. بل على العكس. تمكنت عائلتهم المتماسكة من العبور نحو برّ التشافي، وهم يفتحون آفاق الإلهام أمام العالم ويعزّزون مشاعر التّفاؤل، هم فعلاً أبطالنا!
هذا المقال بقلم أماني سرور
يتقدم فريق كلنا أمهات بالشكر للأستاذة أماني سرور لتقديمها هذا المقال القيم المليء بالفائدة