هل شعرتِ يوماً أنكِ ستصبحين غنية، لو وضعت درهماً في كل مرة يأتي إليكِ طفلكِ ليقول لكِ أنه يشعر بالملل؟ حسناً أنا فعلت! في عالم اليوم سريع الوتيرة؛ قد نعتقد أن علاقة الطفل والملل أمرٌ سيء! مع ذلك؛ بعض الآباء يوافقون على أنه من الجيد أن يشعر الطفل بالملل، حسب دراسة قامت بها شركة تصنيع الألعاب “ميليسيا آند دوغ” البريطانية. فحاجة الأطفال إلى الإشباع الفوري في هذا الزمن، بل وذعر البعض منهم إن لم يجدوا شيئاً يفعلونه؛ فرض علينا أن نأخذ استراحة مع أطفالنا، وأن نرجع خطوة للوراء حتى لا يتفاقم الوضع أكثر، فالأطفال بحاجة إلى الملل!
جداولنا الأسبوعية المزدحمة، المليئة بالنشاطات المختلفة الخاصة بالأطفال؛ فاليوم درس السباحة، وغداً درس الجمباز. ثم يأتي درس كرة القدم ودرس الموسيقى وما إلى ذلك. إن محاولاتنا لملئ فراغ أطفالنا شيءٌ رائعٌ وصحي وممتاز. ولكن؛ هل سألنا أنفسنا يوماً ما أثر الملل والفراغ على الإبداع لدى أطفالنا؟ ولماذا لا يستطيع أطفال اليوم التعامل مع شعور الملل؟ لنربط سوياً الطفل والملل والإبداع الناتج عن اجتماع هذه العناصر.
لماذا لا يستطيع الطفل اليوم التعامل مع مشاعر الملل؟
أدت التكنولوجيا والنزعة الاستهلاكية، والظهور الهائل للنشاطات اللامنهجية الخاصة بالأطفال؛إلى خلق عالم يعيش فيه الأطفال حياة منظمة ومرتبة للغاية. مما أدى إلى تبقي وقت قليل جداً، يسمح لهم بأن يكونوا على سجيتهم كأطفال!
كما أن زيادة العائلات التي يعمل بها كلا الوالدين في وظيفة بدوام كامل، أدى إلى قضاء الأطفال وقتاً أطول في دور الحضانة المليئة بالنشاطات التي أدت أيضاً إلى تضاؤل فترات الملل التي قد يواجهها أطفالنا، وفقاً للدكتورة تيريزا بيلتون مؤلفة كتاب “Happier People Healthier Plant“.
كما أن رؤيتنا لحياة العائلات الأخرى عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ خلقت في داخلنا كآباء شعوراً بالتقصير تجاه أطفالنا! وظننا بأن التخلص من هذا الشعور، يكون من خلال جلب المزيد من الألعاب، والذهاب في المزيد من العطلات، وملئ يوم الطفل بالعديد من النشاطات والفعاليات! مما أدى إلى قتل أي فرصة قد يشعر الطفل فيها بالملل. وذلك يعني أن الطفل لن يستطيع التصرف بشكلٍ صحيح فيما لو واجه أوقات الملل.
هل شعور الطفل بالملل أمرٌ سيء أم جيد؟
نعم؛ شعور الطفل بالملل والفراغ دون ملئ هذا الفراغ بأمر ما شيء سيء. ولكن؛ ليس من الضروري ملئ فراغ الطفل بالأنشطة التي يمليها عليه الآباء فقط، بل أن فترات الملل؛ حيث يتعين على الطفل الاعتماد على ذاته وأفكاره وخياله للترفيه والترويح عن نفسه، أمر ضروري لطفولة صحية!
لنلقِ نظرة كيف سيستفيد أطفالنا من الشعور بالملل!
فترات الملل تشجع الخيال والإبداع لدى الطفل
عندما يترك الطفل جهازه اللوحي، الذي يحتوي على إشباع فوري لمعظم حاجاته؛ يضطر لأن يفكر بطرق مبدعة لتسلية نفسه. جربي عزيزتي الأم أن تمنعي أطفالك من استخدام أي جهاز لوحي، دون أن تملي عليهم طرق لإشغال أنفسهم، ودون أن تعوضي ذلك بالذهاب إلى أحد الأماكن الترفيهية وسجلي النتائج!
قمت بعمل هذه التجربة مع أطفالي الذين استنكروا الأمر في البداية! ولكن مع إصراري على ذلك؛ وجدت ابنتي الكبرى قد أنشأت مكتبة باستخدام طاولة بلاستيكية وبعض الوسائد، وأيضاً قامت بصنع نقود ورقية باستخدام أوراق الطباعة وأقلام التلوين فقط! وبدأت مشروعها في مكتبتها كبائعة كتب وأمينة مكتبة. بل وأمضت الساعات والساعات في ممارسة هذه اللعبة مع أخوتها.
منح الأطفال فرصة لتجربة الأشياء دون مساعدة منا وبمحض إرادتهم؛ يخلق لديهم إحساساً بحب الاكتشاف والفضول. مما يؤدي إلى معرفتهم بذواتهم بصورة أفضل، وبمعرفتهم ما الذي يجلب لهم السعادة الحقيقية، مما يحفز الخيال والإبداع لديهم.
الملل يحسن الصحة العقلية
يميل أطفال اليوم (والكبار أيضاً) إلى شغل أنفسهم للغاية؛ بحيث لا يتبقى سوى القليل من الوقت للتفكُّر وإراحة العقل. زيادة وقت التفكُّر لدى الأطفال؛ يمنحهم فرصة عظيمة للتعرف على أفكارهم وتطويرها، وللتعرف على ذواتهم وشخصياتهم بشكل أفضل!
كما أن هناك العديد من الأبحاث التي أظهرت نتائجها، أن إتاحة الوقت للعقل ليتفكر بدلاً من التركيز على الأنشطة طوال الوقت مهم جداً للصحة العقلية
الملل يطور مهارة “حل المشكلات”
عندما يبدأ الطفل بالاعتماد على نفسه لمعالجة مشاعر الملل التي يشعر بها عبر ابتكار الأنشطة والحلول التي تشعره بالسعادة؛ سيؤدي ذلك إلى تطوير مهارة حل المشكلات تلقائياً لديه. فكما وجد حلاً لمشكلة الشعور بالملل، سيبدأ بإيجاد حلول مناسبة لكل المشكلات الأخرى. وجود حل جاهز دائماً – من قِبَل الآباء – لكل مشكلة قد يتعرض لها الأطفال؛ سيخلق منهم أطفالاً اتكاليين غير قادرين على حل مشكلاتهم الخاصة، وغير مستعدين للخوض في الحياة الفعلية.
الشعور بالملل يبني الثقة بالنفس
فكما ذكرنا سابقاً؛ الشعور بالملل يدفع الأطفال لتجربة نشاطات جديدة، ويخلق لديهم فرصاً متعددة لشغل أنفسهم. وعند تمكنهم من القيام بتسلية أنفسهم بنجاح، وإحساسهم بتحمل مسؤولية ذواتهم الناتج عن ذلك؛ يعطيهم هذا الإحساس دفعة قوية لتقدير ذواتهم والإعجاب بقدراتهم.
وأيضاً عند قيام الطفل بتجربة أشياء جديدة تحتوي على بعض المجازفة في وقت الفراغ الخاص به؛ سيساعده ذلك في عملية تطوير ثقته بنفسه.
الملل يجعل فترة الطفولة أكثر سعادة
لنحاول كبالغين تذكر لحظات سعيدة من طفولتنا! الضحك مع الأصدقاء، الركض بين المنازل، الزيارات العائلية، تسلق الأشجار. أذكر أني اخترعت آلة لتنقية الرمل من الشوائب في طفولتي، من أدوات بدائية. وإلى الآن هذه الذكرى تجلب لي السعادة!
هل تلاحظون أن ذكرياتنا خالية من الأشياء المادية؟
نحن نتذكر دائماً الأشياء البسيطة؛ كالروابط العائلية، والصداقات، والضحك. والطبيعة والقفز تحت المطر وما إلى ذلك. شغل حياة الطفل بالعديد من الأنشطة بهدف التخلص من الملل لديه، لن تجعل طفولته أكثر ثراءً.
الحياة البسيطة والطفولة البسيطة؛ عوامل مهمة وأساسية لعيش حياة أكثر ثراءً ومتعة.
كيف نشجع أطفالنا على تحقيق أقصى استفادة من فترات الملل؟
قد يكون الأمر صعباً في البداية، خصوصاً مع أطفال اليوم الذين تربوا في كنف التكنولوجيا! فهم لا يعرفون كيفية القيام بذلك، بل هم معتمدون علينا كآباء أو على أجهزهم اللوحية للقيام بهذه المهمة.
مع ذلك؛ فإن الأمر يستحق العناء! بل بمجرد أن تندلع الشرارة الأولى ستبدأ الأمور بالتحسن بشكل سريع.
جربي بعض هذه الأساليب لتشجيع طفلك على استثمار الملل والاستفادة منه بالترفيه عن نفسه:
1. امنحيهم مهمة إبداعية مفتوحة النهاية
كلعبة البحث عن الكنز مثلاً. حيث يتعين عليهم تحديد الكنز وإخفائه وكتابة بعض التعليمات لمساعدتك على إيجاده. وراقبي الإبداع!
2. اسمحي لهم باللعب بعناصر منزلية بسيطة
مثل لفة الصوف والكرات القطنية وحتى الملابس القديمة. بدلاً من التخلص من هذه العناصر؛ ضعيها أمام أعين أطفالك لتمنحيهم فرصاً لا حصر لها من اللعب والإبداع.
3. لا تمانعي الفوضى!
فالمنزل سيترتب في أقل من ساعة. بل وأن هذه الفوضى تشير إلى الوقت الرائع الذي قضاه أطفالك باللعب! يمكنكِ أن تعقدي إتفاقية مع الأطفال قبل البدء باللعب؛ تلزمهم بمساعدتكِ في أعمال الترتيب بعد الانتهاء.
4. اخرجي مع أطفالك في الهواء الطلق
وقاومي رغبة القفز إليهم لحمايتهم! اسمحي لهم بتسلق القضبان وبقيادة الدراجة وباللعب بالرمال. شجعيهم على هذه المخاطرة ضمن حدود تحميهم من الأذى، وفي الوقت ذاته لا تمنعهم من المتعة والتجربة.
5. إذا كنتم تعيشون في منطقة سكنية حيث من الآمن للأطفال اللعب بالخارج، تعاوني مع باقي الأمهات للإهتمام بالأطفال ككل
فاليوم أنتِ تقومين بمهمة مراقبة الأطفال بينما يلعبون بالخارج، وغداً جارتك وهكذا. هذا ما اعتاد عليه جيلنا وهذا ما ساعد في خلق شعور الانتماء لدينا.
أطفال مخترعين عرب..أجسام صغيرة بعقول كبيرة - كلنا أمهات
مايو 2, 2021 في 11:59 م[…] اقرأ أيضًا تأثير الملل على الإبداع لدى الطفل […]