هل يا تُرى سعيُّك خلف ذلك الحلم القديم قد يجعلك رائدة أعمال؟
معنا اليوم قصة أم استطاعت الموازنة بين بيتها والعائلة لتصبح رائدة أعمال، ديما العظم، تشاركنا قصتها في سعيّها لجعل اللغة العربية ثابتةً أصيلة كما اعتدنا عليها.. فمن هي ديمة وما هو مشروعها وما علاقته باللغةِ العربية وأصالتها؟
من هي ديما؟
أنا ديما العظم، سعودية من أصول سوريّة، أم لثلاثة أطفال.. بدأت مسيرتي المهنية بالعمل لدى المنظمات غير الربحية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) في مجالي التواصل والإعلام والموارد البشرية.. ثم انتقلت للعمل في إدارة العلاقات العامة والإعلام والشراكات في مؤسسة الملك فيصل الخيرية وجائزة الملك فيصل.
“عين غين” متى بدأت فكرته؟ وكيف انطلقت بالمشروع؟
بدأتُ العمل بشكلٍ فعلي على عين غين خلال كوفيد – 19، في يناير ٢٠٢١، ولكنّ الفكرة ولدت قبل ذلك بعشرة أعوام.. منذ أن رزقت بأكبر أولادي حاتم. فطوال تلك السنين كنت أفكر ببدء مشروع أساهم فيه بمحتوى عربي ممتع وترفيهي لربط أطفالي وأطفال العرب بلغتهم الأم.. مفتقدةً بشكلّ حقيقيّ الأيام التي نشأ عليها “جيل زمان” .. من أغاني فيروز ومحمد فوزي وفرقة 4M والأفلام والمسلسلات الكرتونية والعربية التي تكاد تكون اختفت أو تزاحمت عليها الصناعات الدرامية والسينمائية والعلامات التجارية اللامعة باللغات الأخر.. وقد أصبحت أغلب مصادر الفرح والمشاركة واللعب والاحتفالات بين الأطفال بلغات غربية وأبرزها الإنجليزية.
كأم عربية، مُحبة للغتها، كنت أريد لأطفالي اقتناء مستلزماتٍ وأشياءَ باللغة العربية ليعتادوا اللغة ويحبونها.. فبحثتُ عن اللغة العربية في الملابس والرسوم المتحركة وإكسسوارت الغرف وزينة الحفلات، لكن نادراً ما اجتمعت الجودة في كل تلك المنتجات مع اللغة العربية.. بعكس العلامات التجارية العالمية للملابس، مثلاً، التي تنتج مئات التصاميم ذات الجودة وبعبارات ظريفة باللغات الغربية.
انطلاقة الفكرة!
التفكير بكلّ هذه الأمور.. أوصلني أخيراً إلى إطلاق مؤسسة عين غين في أكتوبر ٢٠٢١، بحمدٍ من الله، وبإطلاق أول مجموعة ملابس عصرية بلمسة عربية للأطفال! كان مرشدي، وهو مديري السابق في الأمم المتحدة، أكبر مؤمن بقدراتي وداوم على تشجيعي على البدء في تحقيق مشروعي منذ عام ٢٠١١ عندما ولدت فكرته لدي وحتى يناير ٢٠٢١ عندما دفعني الدفعة الأخيرة التي أوصلتني إلى هنا.
اتخاذُ القرار
كانت أفكارى كثيرة ومتفرقة وكان علي اتخاذ القرار بتحديد نوع المنتج الّذي أود البدء بصناعته، فعملت مع مستشارة رائعة ساعدتني على توضيح الرؤية والمسار.. فكان خياري الأول هو تصميم ملابس ذات جودة عالية بعبارات عربية.. ليرى ويتعرف الأطفال على بعضهم وعلى ثقافتهم من خلالها. أما خياري الثاني، فهو لمشروع آخر في خدمة المحتوى الترفيهي العربي، وهو فلم قصير موسيقي عربي للأطفال من الرسوم المتحركة، خطوت فيه بعض الخطوات وآمل تحقيقه في ٢٠٢٥.
ما هي التحديات التي واجهتك بعد انتقالك للعمل من قطاع غير ربحي إلى قطاع ربحي.. كيف رأيتِ عالم ريادة الأعمال؟
العمل الحر أصعب بكثير من العمل كموظفة، ومسؤوليته كبيرة وثقيلة. كما أن العمل الربحي مختلف تماماً عن غير الربحي وخاصة في جزئية التسويق والبيع والربح الخ. عندما بدأت مشروع أزياء الأطفال.. كان ما يربطني بعالم الأزياء آنذاك هو أنني أم لصبي وابنتين، فاكتسبت بعض الخبرة حول الملابس التي تناسب الأطفال ويحبونها ويجدونها مريحة بالدرجة الأولى، أو ما يستحبّه الأمهات والآباء في ملابس أولادهم، إضافة إلى امتلاكي لذوقٍ وفكرٍ خاص لإدخال اللغة العربية في الملابس. ولتنفيذ هذه الفكرة، اخترت التعاون مع مصممات أزياء عالمياتٍ لإنجازه بأفضل وأجود طريقة.
بعد ذلك، جاء التعاون مع المصانع في مصر والهند لتصنيع الملابس وتوفير الأقمشة العضوية التي حرصت عليها لإيماني بكل ما هو صديق للبيئة، ثم التعاقد مع شركات التفتيش والجودة العالمية لضمان أعلى معايير الجودة في الملابس التي أريد أن أطرحها في السوق.. ثم شحن الملابس واستيرادها في المملكة العربية السعودية وتخليصها، إلخ. كل ذلك كان جديداً بالنسبة لي ومكلفاً ومعقّداً في كثير من المراحل وتطلّب الكثير من الجهد والوقت والمتابعة.
يعتبر الدخول إلى عالم مليء بالعلامات التجارية العالمية الدارجة والمتاحة بمختلف الأسعار والتصاميم، تحدياً كبيراً، كيف واجهتِ هذا الأمر؟
يبدأ هذا التحدي بأن العلامات التجارية العالمية بارزة ومشهورة عالمياً ومحلياً، بينما “عين غين” وكأي مشروع في بدايته.. ما زال يحتاج للوقت الذّي يسمح له بالانتشار بين الناس أكثر ليصل – بإذن الله – للعالمية. وبتوفيق من الله، تمكنت حتى اليوم من عرض وبيع التشكيلة الأولى من ملابس “عين غين” للأطفال في متجر إلكتروني خاص مقرّه الرياض ويشحن لجميع دول العالم www.ein-ghein.com، وفي متجر هارڤي نيكلز Harvey Nichols في الرياض.. وفي متجر هوم جرون Homegrown Market في جدة، وفي متجر پاتيرن Pattern في الرياض، وفي متجر تايني سوكس Tiny Socks في الكويت.
قريباً جداً.. إن شاء الله ستكون ملابس عين غين في متاجر أخرى فعلية وأونلاين في دولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، ودولة قطر، كما أعمل حالياً على الوصول لعرض الملابس في دول أخرى مثل مصر والأردن ولبنان وغيرها.
قد تواجه كُل رائدة أعمال تحديات كثيرة، ما هي التحديات التي واجهت ديمة من نواحي نفسية، أو من نواحٍ أخرى؟
واجهت تحديات نفسية كثيرة، منها مشاعر الخوف والتردد وقرب الاستسلام.. خاصةً خلال فترات الركود في السوق في أشهر الصيف. كما أنني أشعر في كثير من الأحيان بضغط هائل يعود إلى تعدد مسؤولياتي كأم وزوجة ومهامّي كموظفة في مؤسسة الملك فيصل الخيرية.. إضافة إلى إدارتي لمشروع عين غين، كل ذلك يجعلني أتساءل أحياناً عن قدرتي في تحقيق وإتقان عملي في كل تلك المجالات.
خلطة من المشاعر
مما لا شك فيه أنني ممتنّة لوجود نظام دعم كبير حولي يتكون من زوجي وعائلتي وصديقاتي ومربية أطفالي.. كان لهم دور رئيسي في تسهيل عملي في عين غين ومساعدتي في رعاية أولادي في مختلف مجالات حياتهم في البيت والمدرسة والأنشطة. لكنني كأم – كسائر الأمهات – ينتابني كثيراً الشعور بالذنب والتقصير بسبب غيابي عن بيتي وأولادي وأهلي، ولكنني أحرص دوماً على قضاءِ وقتٍ نوعيّ غنيّ معهم حتى لو كان أقصر مما أتمنّاه.
في تجربتك قلتِ أنكِ ما زلتِ مستمرة في عملك بدوامٍ كامل في مؤسسة الملك فيصل، إلى جانب عملك في عين غين بدوامٍ كامل أيضاً، كيف استطعتِ التوفيق بين العملين وما هي رسالتك للشركات والمؤسسات؟
أكنّ الكثير من الاحترام والتقدير للأمهات العاملات، واللاتي أرى بأنهن يتقنّ دورهن كأمهات ويبدعن في عملهنّ في سوق العمل، وأسعى دائماً لأن أكون كذلك.
كان وما زال لدي بعض المرونة في ساعات العمل في مؤسسة الملك فيصل.. والتي أتاحت لي إمكانية متابعة شؤون بيتي وأولادي ومدارسهم وأطبائهم بالإضافة إلى رعاية أمي وأبي عند الحاجة، مع حرصي الشديد على إتمام العمل المطلوب مني في المؤسسة على أكمل وجه. أما عملي في عين غين فهو على مدار الساعة وفي ساعات الليل وفي الإجازات، لكي أصل به إلى النتائج المرجوة.
رسالتي
رسالتي للشركات والمؤسسات هي طلب لتفعيل سياسة العمل عن بعد أحياناً طالما أنها تحقق الإنتاجية والأهداف المطلوبة.. وتحديداً للأمهات العاملات. فعين غين مثلاً قامت من خلال عمل كامل عن بعد بين مختلف الجهات والأفراد، والحمدلله النتائج مرضية حتى اليوم.
أخيراً، ذكرتِ أنك احتجتِ لمستشار شخصي، كيف أثر هذا الأمر في ديمة وهل شجعها على أخذ أولى خطواتها الأولى في عين غين؟
مرشدي هو مديري السابق في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الدكتور المصطفى بن المليح، عملتُ معه لأربع سنوات، وبقينا على تواصل بعد مغادرتي للبرنامج. كان له فضل كبير في توجيهي وإدخالي في مجالات العلاقات العامة والإعلام والتطوير المهني في إدارة شؤون الموظفين أثناء عملي معه في الأمم المتحدة. كان يعلم بحلمي بإنشاء مشروع لإثراء المحتوى العربي للأطفال وكان يؤمن بقدراتي وعزيمتي.. فاستمر بتشجيعي ودفعي للبدء خلال عشر سنوات.. حتى أخذت خطوتي الأولى الحقيقية بعد مكالمة طويلة معه.
نهايةً لمقالنا اليوم، أطلقت ديما اسم “عين غين” على علامتها التجارية، لتلفت إلى أن اللغة العربية أولى وأهم لأطفالنا من اللغات الغربية. جاءت الفكرة من مفارقة: فالحرفين (ع غ) متشابهين بفرق النقطة وومتتاليين أبجديّاً، ولكن حرف الـ”ع” يأتي قبل حرف الـ”غ”، فالرسالة هي أن “العربي” يأتي قبل “الغربي”، وهما أيضاً كلمتان متشابهتان بفرق النقطة والأولوية للعربي. بنظري تُبهرني طريقة ديما في كلّ تفصيلة.. وأسعد دوماَ في كل مرة أكتشف تفاصيلاً جديدة عن مشروعها، فخورة بديما، ككل أم في كلنا أمهات.