يعتبر التحيز من أكبر المعيقات التي تؤثر على الإنتاجية في بيئة العمل، وهو أمر غير عادل. ويقصد به الميل لصالح أو ضد شخص أو مجموعة، ويقسم التحيز إلى: تحيز واعي أنت مدرك له، ومتعمد على القيام به. أو تحيز لاواعي تقوم به دون إدراك. كيف نتحيز دون إدراك؟ يبحث عقلك اللاواعي عن الأنماط المتكررة، ويؤثر على سلوكك شئت أم أبيت ودون إدراك منك. لذا نجد أنفسنا دون وعي، نتحيز للأشخاص الذين لديهم سمات تشبه سماتنا، والذين يعيشون نمط حياة قريب من نمط حياتنا. ومن كل النواحي الأخرى؛ سواء دينية أوجنسية أو عرقية أو اجتماعية. فما أثر التحيز اللاواعي في بيئة العمل؟ وكيف نحد منه؟
هل هو حقيقي؟
تشير الأبحاث التي قامت بها أخصائية علم النفس في جامعة هارفارد “إيمي كودي”، الخبيرة في علم الانطباعات الأولى؛ إلا أننا نصنف الأشخاص والأشياء دون وعي، باستخدام معايير يمكن ملاحظتها بسهولة. مثل: العمر والجنس واللون والوزن. وأيضاً أشارت إلى أننا نصنف الأشخاص وفق أنماط وسمات أخرى؛ مثل المستوى التعليمي، والمسمى الوظيفي، والحالة الاجتماعية، والإعاقة –إن وجدت- ولكنة الكلام. ثم نقوم تلقائياً بتشكيل المعتقدات عنهم، والمرتبطة بشكل نمطي بسماتهم الخارجية، التي لاحظناها في اللقاء الأول.
وأرجعت سبب هذا التحيز اللاواعي الفوري المعتمد على المعايير الخارجية للشخص “المظهر العام”؛ إلى وسائل الإعلام بنسبة كبيرة. فعلى سبيل المثال، طبع في أذهاننا شكل محدد للشخص الشرير، وهذا الشكل المحدد يظهر على التلفاز من خلال الأفلام طوال الوقت. الأمر الذي أدى إلى إنشاء قوالب نمطية، جعلتنا نعتقد أن الشخص الوسيم أكثر جدارة، وبالتالي أكبر قيمة. المصدر
ما هو مصدر التحيز اللاواعي؟
بالإضافة إلى الدراسة السابقة التي قامت بها أخصائية علم النفس إيمي كودي؛ أشارت دراسة أخرى قام بها عالم النفس كينيث كلارك، بمساعدة زوجته “مامي” تحت مسمى “تجربة دمية كلارك”؛ أن العديد من هذه التحيزات اللاواعية تشكلت في عقلنا الباطن منذ الطفولة المبكرة. المصدر
كما أشارت دراسة أخرى إلى أن زرع أفكاراً متحيزة في عقول الأطفال -حتى لو كانت دون قصد- أدى إلى اتخاذهم موقفاً سلبياً تجاه المجموعات والفئات الأخرى؛ حتى لو كانت تجربتهم مع هذه الفئات إيجابية! المصدر
ثم يأتي المنطق بحد ذاته ليحدثنا عن مصدر التحيز اللاواعي. فخلال فترة حياتنا تكونت لدينا العديد من القوالب النمطية، والتي ساعد في تكونها وسائل الإعلام بالدرجة الأولى، والكتب وآراء المحيطين بنا والمقولات الشعبية التي نشأنا عليها، والعديد من المؤثرات الأخرى.
أمثلة على التحيز اللاواعي في بيئة العمل
- تفضيل أسماء معينة.
وجدت دراسة أن المرشحين لوظيفة معينة من ذوي الأسماء الأجنبية، كانوا أقل قبولاً بنسبة 28% من المرشحين ذوي الأسماء الإنجليزية مثل “جون سميث، جوليا ثوماس”. المصدر
- التحيز الجنساني.
في المكتب قد ينظر إلى المرأة الحازمة على أنها “عدوانية”، بينما ينظر إلى الرجل الحازم على أنه “واثق”! هذه الصورة النمطية منتشرة بشكل كبير في بيئات الأعمال. وأيضاً وفقاً لدراسة حديثة؛ أشارت النتائج أن العلماء الذكور يولون إهتماماً أكبر لآراء زملائهم الذكور من زميلاتهم الإناث، مما يؤدي إلى تفويت هذه الشركات للعديد من الأفكار الرائعة. المصدر
اقرأ أيضاً المرأة العاملة كيف لا تأخذ الأمور بشكل شخصي
- التحيز بسبب الطول.
أيضاً أظهرت دراسة حديثة، ميل الشركات لترقية الأشخاص طوال القامة -ولا سيما الرجال- في مناصب عليا! وأشارت إلى أن طول الرئيس التنفيذي الذكر، يبلغ 3 بوصات أكثر من متوسط طول الرجل. وبينت أن طوال القامة يحصلون على مرتب أكثر بنسبة 9-15% من زملائهم. المصدر
أثر التحيز اللاواعي على بيئة العمل
وضح الأستاذ د. عبدالله البريدي، بعض الآثار السلبية التي تنتج عن التحيز في بيئة العمل؛ ضمن مقال يتحدث عن السلوك التنظيمي لمجلة التدريب والتقنية. منها:
- تفجر الخلافات والمنازعات بين الزملاء في بيئة العمل وفي الفريق الواحد، والتي قد تأخذ ألواناً متعددة. وقد تتفاقم وتصل في بعض الأحيان إلى ترك العمل، أو التغيب المتكرر هرباً من الأثر السلبي لهذا التحيز.
- يؤثر التحيز اللاواعي سلباً على المسار الوظيفي لبعض الأفراد؛ فيؤخرهم عن الصعود ضمن التسلسل الوظيفي، وقد يمنعهم من الترقية أو العلاوة أو حتى التعيين في وظيفة معينة، رغم تمتعهم بجميع المؤهلات اللازمة.
- شعور الموظف بالظلم؛ وهذا أثر خطير ومدمر للنفسية، وينتج عنه قلة الإنتاجية.
- الضغوط النفسية الكبيرة التي تنتج عن هذا التحيز؛ والتي قد تتحول إلى “الاحتراق النفسي”، والذي قد يحصل نتيجة لتعرض الفرد لضغوطات معينة ومستمرة لفترة زمنية طويلة. اقرأ أيضاً عن الاحتراق النفسي
- افتقار بيئة العمل للأفكار الخلاقة التي قد تؤثر على المنتج؛ وبالتالي على رضا العملاء.
- توظيف المرشح غير المناسب؛ والذي سيؤثر على فاعلية الفريق بشكل مباشر، وعلى انتاجية الشركة وسمعتها.
- سوء فهم الزبائن؛ وبالتالي عدم حل مشكلتهم أو عدم تنفيذ رغباتهم، مما يؤدي إلى خسارة العديد من العملاء.
أثر التحيز اللاواعي على المنتج
- نقص التنوع ضمن الفريق الواحد.
يميل القادة والمدراء الذين يسمحون للتحيز اللاواعي؛ على التأثير على قراراتهم بتوظيف أشخاص متشابهين ومشابهين لهم. وبالتالي تقليل التنويع ضمن الفريق الواحد.
- أفكار غير خلاقة.
نتيجة لافتقار هذا الفريق إلى التنوع؛ فإن الأفكار المتعلقة بالمنتج ستكون محدودة خالية من أي ابداع. نتيجة لذلك؛ قد يفتقر فريقك للخروج بأي منتج متطابق مع رغبة العميل، وبالتالي قد تجد نفسك متقبلاً لهذا المنتج الذي لن ينال رضا عميلك.
- عدم القدرة على حل مشكلة العميل.
عند اضطرارك لقبول منتج غير مناسب للعميل؛ فأنت هنا لم تقم بحل مشكلته! بل قد قمت بإنشاء منتج غير مستخدم فعلياً، وقد تكون خسرت أحد عملائك.
كيف نتجنب التحيز اللاواعي في بيئة العمل وخارجها
إليك بعض النصائح التي تساعدك في تجنب التحيز في بيئة العمل
- العمل مع فريق متنوع الشخصيات، الذي يمكنه التفكير بشكل مختلف، ويمكنه أيضاً تقديم مجموعة واسعة من الأفكار.
- زد من احتكاكك بالأشخاص الذين لديك تحيز تجاههم، حيث يساعد احتكاكك بهم على تقليص التحيز واستبداله بالتقبل والانفتاح.
- أغمض عينيك عن أي عوامل أو معلومات قد تدفعك للتحيز، خصوصاً إن كنت مقبلاً على اتخاذ قرار مهم.
- ضع هيكيلية ثابتة لعملية اتخاذ القرار، وقم بتحديد المعايير التي ستتخذ قراراتك بناءً عليها، ثم قدم لنفسك دليلاً عن سبب اتخاذك لهذا القرار، واحرص على تجنب اختلاق تبريرات تبدو عقلانية لتبرر اتخاذ قرار متحيز.
- واجه القوالب النمطية، فعلى سبيل المثال: لو كنت متحيزاً ضد وجود المرأة في بيئة العمل، حاول مشاهدة أفلام أو قراءة مقالات وكتب تبرز صورة المرأة الناجحة ودورها الفعال في بيئة العمل والمجتمع، بل وأرفق صورة المرأة في وعيك بكلمات وصور إيجابية.
إليك بعض النصائح التي تساعدك في تجنب التحيز على المستوى الشخصي
- اقرأ عن التحيز اللاواعي وتعرف عليه وتقبله.
- ثقف نفسك من خلال القراءة والمناقشة مع أشخاص من خلفيات مختلفة، وذوي أفكار متنوعة.
- حدد التحيزات التي قد تؤثر عليك كإنسان، من خلال عمل اختبار التحيز الضمني، حتى تتمكن من معرفة التصورات الفردية التي قد تتأثر بالتحيز اللاواعي لديك. تسلح بهذه المعلومات حتى تتمكن من التصدي لها، والعمل على معالجتها.
- أيقظ وعيك بالتحيزات الموجودة لديك، وفكر بالتأثيرات المحتملة لهذه التحيزات، حاول تقييم سلوكك، واسأل نفسك في كل مرة عمّا إذا كان تحيزك يؤثر على تعاملك مع هذا الشخص، أو على قرارك في هذا الموضوع.
- ذكر نفسك بأنك عرضة لهذا التحيز، وفكر بأثره السلبي والسيء عليك وعلى مشاعرك، وضع نفسك مكان الآخرين قبل أن تحكم عليهم أو تتحيز ضدهم.
مخطوطة التحيز المعرفي
إليك بعض الأخطاء المعرفية المقسمة في الذاكرة، ضمن هذا الرسم البياني الذي يعبر عن مخطوطة التحيز المعرفي.
- نلاحظ الأشياء الموجودة مسبقاً في الذاكرة، أو تلك المتكررة بصورة دائمة.
- نلاحظ الأشياء الغريبة أو المضحكة أو البارزة، بشكل أكبر من الأشياء العادية غير العجيبة.
- لدينا القدرة على ملاحظة أي تغيير يحصل.
- نغرق بالتفاصيل التي تتوافق مع معتقداتنا الحالية.
- ندقق في العيوب الموجودة بالآخرين أكثر من العيوب الموجودة فينا.
- نميل لإيجاد قصص وأنماط متشابهة، حتى لو بحثنا في بيانات متفرقة ومختلفة.
- نحدد الصفات الشخصية للآخرين بناءً على الصور النمطية الموجودة لدينا، والتاريخ المسبق لهم.
- نبني الصورة النمطية عن الأشخاص المقربين والأشياء المألوفة لنا، بصورة أفضل عن حقيقتهم.
- نعتقد أننا نعلم ما يفكر به الآخرون.
- نسقط أفكارنا وافتراضاتنا الحالية على الماضي والمستقبل.
- للبقاء مركزين؛ فإننا نفضل الشيء الفوري القابل للتحقيق أمامنا.