هل سمعت مؤخراً عن مصطلح “حب الذات”؟ وهل شعرت بأن هناك ضباب حول هذا المفهوم، وخصوصا بأن هذا المفهوم يتعارض مع الكثير من المعتقدات التي تربينا عليها؟ إذن لا ضير من أن نقوم برحلة بسيطة سوياً لنتعرف أكثر على حب الذات؛ فيصبح لدينا وضوح ونقوم بتفعيله حقيقة في حياتنا. وسوف نستوضح هنا ما هو حب الذات؟ وما لا يندرج تحت حب الذات! وسنبحر لاحقا في معرفة الكيفية التي سيؤثر بها حب الذات على حياتك! وسنعرف ما الذي سيتغير في عالمك لو أنك أحببت ذاتك؟
ماذا يعني حب الذات؟
حب الذات
هو الوقود الذي تحتاجه في رحلتك الأرضية، والذي سوف يساعدك على تحقيق إمكانياتك والاستفادة من مواهبك والقدرات التي حباك الله بها. وحب الذات يعني أن تتعاطف مع نفسك، وترحمها، وتقدرها. فإذا كان لديك قبول لنفسك ولطف بها؛ فهذا مؤشر على أنك تحب ذاتك.
حب الذات؛ يسمح لنا بأن نخلق مساحة لأنفسنا ونجعل منها أولوية لنحتضن الحياة كاملة وبإخلاص. فنستطيع حينئذ أن نقود تجاربنا في الحياة ونحن أكثر انفتاحاً ومتعة. هذا الحب يجعلك تمتد وتتوسع ويخلق بداخلك المساحة. فتصبح قادراً على أن تكون لطيفاً مع الآخرين ومحباً لهم. قادر على العطاء والإحسان، حتى حين لا تكون بأفضل حالاتك. حب الذات يعني أن تسمح لنفسك بأن تبحث بداخلك لتجد كنوزك الخاصة، وتؤمن بمواهبك وقدراتك ونقاط قوتك. وحين تفعل ذلك فإنك تستطيع أن تقود حياة أنت تستحقها.
حبك لذاتك يحميك من مقارنة نفسك بالآخرين! فأنت تعلم بأنك فريد وبأن رحلتك وتجاربك على هذه الأرض فريدة، وبأن كل ما تحتاج إليه هو تركيزك على نفسك وعلى رحلتك أنت!
أن تحب ذاتك يعني أن تضع نفسك أولاً
أن تتعلم كيف ومتى لك أن تقول لا! لكل ما لا يخدم حياتك ومحيطك ونفسك ورحلتك وحلمك. وأن تتعرف على احتياجاتك ومطالبك بالحياة. وأن تكون قادراً على تحديد رغباتك وماذا الذي تريد وما الذي لا يتوائم مع روحك. أن تحب ذاتك يعني أن تضع الحدود في التعامل معك، وألا تقبل بأن يعاملك أي أحد مهما كان بأقل مما تستحق.
حب الذات يعني أن تدعم نفسك دوماً حتى لو تخلى عنك كل من على كوكب الأرض. أن تستطيع أن تجد الحافز من الداخل دوماً؛ فتقف بعد كل سقوط، وتقوم نفسك حين تخطئ. وأن تتعلم من أخطائك دون جلد وتأنيب، فتصبح بعد كل تجربة وبعد كل خطأ أفضل وأقوى. وهذا لا يعني أن نستغني عن الآخرين؛ فنحن مخلوقات اجتماعية بطبعنا! ولكن يعني أن تكون علاقتي مع نفسي هي الأساس. فإذا صلحت؛ صلحت علاقاتي مع كل من حولي.
أمور لا تندرج تحت حب الذات
وأحيانا من أجل أن نعرف ما هو حب الذات؛ ربما يجدر بنا أن نتعرف عما لا يندرج تحت حب الذات!
حبك لذاتك لا يعنى أبدا أن تكون مثالياً، ولا يعني بأنك يجب أن تكون دوما سعيداً وإيجابياً. حب الذات ليس له علاقة بإنجازاتك وتحقيقك لأي أعمال، ولا يتعلق بنجاحاتك وقياس لأهدافك. حب الذات يعني ألا تستنفذ نفسك، في سبيل إنقاذ كل من حولك على حساب نفسك. بل هو بعيد كل البعد عن أن يكون لديك شعور بالعار تجاه أي شيء يخصك، أو أي شيء يتعلق بك!
فلا تخجل أبداً من المكان الذي جئت منه، ولا تكترث لشهاداتك ووضعك المادي ومستواك الاجتماعي، بل لا تخجل أبداً من أي شيء يتعلق بجسدك وشكلك. فأنت تحب ذاتك كما هي بكل ما فيها، يكفيك أن مخلوق قد نفخ الله فيك من روحه؛ وسخر له هذا الكون بأكمله! فكل ما ذكر قشور لا يعبر عن حقيقتك. فحبك لذاتك ليس له علاقة بالتقليل من ذاتك وعدم تقديرها، بسبب أي من هذا أو ذاك.
جلد ذاتك وتأنبيها ونقدها أبعد ما يكون عن حبها، فذلك لن يساعدك أبدا للوصول لنسخة أفضل؛ لاكتشاف حقيقتك واحتضان كينونتك والارتقاء بروحك ونفسك.
في كثير من الأحيان؛ نجد أشخاصاً يصرفون الكثير من الطاقة والجهد والوقت، يسعون ويبحثون عن مصدر خارجي ينقذهم ويوفر لهم ذلك الحب والتقبل؛ ظناً منهم أنهم سوف يجدونه! ولكن للأسف ذلك السعي لن يثمر، ولن تجد مصدر حقيقي آخر للحب إلا من أعماقك. فإذا ملئت دلوك أنت من الداخل وأحببت نفسك؛ سوف تجد حينها من يشاركك وتشاركه ذلك الحب. أما أن تحاول ملئ الفراغ من الخارج فذلك طريق لن يؤدي بك إلا للمزيد من الاحتياج والمعاناة.
ما الذي يعيقنا من البدء في رحلة حب الذات؟
حب الذات يبدو للوهلة الأولى مفهوما سهلاً؛ ولكنه في الحقيقة السهل الممتنع فهو مفهوم كثير المراوغة وخصوصا بالنسبة للأمهات.
حيث أن الأم تقدم لكل من حولها الحب والدعم والرعاية والاهتمام، وتضع دوماً نفسها في أسفل اللائحة؛ فمجرد أن تلعب دور الأم في الحياة فهي تعتقد أن ذلك يعني أنها بئراً لا ينضب من العطاء، دون أن تدرك أن ذلك البئر يحتاج لأن يمتلئ بين الحين والآخر.
هي تعتقد ذلك بسبب المعتقدات الخاطئة التي تم غرسها فينا عما هيه حب الذات؛ فحب الذات عند البعض مربوط بالأنانية أو بمعتقدات الشخص عن نفسه وعن مدى استحقاقه بالحياة. تلك المعتقدات التي جاءت نتاجاً للتربية وصدمات الطفولة والجروح والمواقف والتجارب الصعبة التي نتعرض لها ونحن صغار.
فمعظم الأمهات اللواتي لا يستطعن حب أنفسهن؛ ستجد أن صوت الناقد الداخلي لديهم عالٍ جداً وقاسٍ. فأولئك الأمهات يتحدثن لكل من على الكوكب بلطف وروية وعطف إلا أنفسهن؛ فهن دائمات النقد واللوم والانتقاد لأنفسهن، مهما قمن بمجهود ومهما قدمن يشعرن دوماً بالتقصير!
وتقوم تلك الأم عادة بالتضحية بكل احتياجاتها ورغباتها لجعل كل من حولها راض وسعيد! حتى تصل لمرحلة الإحباط والاستياء وربما الملل الشديد، وأحيانا لثورات من الغضب العارمة. وهذا سيناريو يتكرر عند معظم الأمهات؛ ففي البداية سيبدو بأن العيش بهذه الطريقة ثري بالعطاء والرعاية، ولكنها ستصل بعد فترة لمستوى الإجهاد والإعياء والمرارة وعدم الرضا، وعندها ستفقد الأم التواصل مع نفسها.
لذلك؛ يتوجب على كل أم وكل شخص في هذه الحياة، أن يقف وقفة صادقة مع نفسه، وأن يتعرف عليها ويفسح لها المجال بأن تعبر عما تريد. عليه أن يتواصل مع نفسه أكثر، وأن يبدأ رحلته في تقبل وحب ذاته؛ وسيعرف خلال الرحلة بأنه كلما أعطى نفسه استطاع أن يعطي كل من حوله بطريقة مختلفة وبطريقة أفضل.
وسوف يتبع هذا المقال مقالات أخرى تساعدك على البدء في هذه الرحلة
اقرأ أيضاً تعرفي على قائمة السعادة الحقيقية