دعونا نعود قليلاً في الزمن.. إلى اليوم الذي عانت فيه السيدات العاملات من قهر وظلم وجبروت.. اليوم الذي أجبرت فيه السيدات على تحمل ظروف العمل اللاإنسانية مقابل القليل من المال.. أقل من نظرائها من الرجال بالتأكيد! إلى الزمن الذي خرجت آلاف النساء للاحتجاج في شوارع مدينة نيويورك للمطالبة بحقوق “جلية وإنسانية”.. مثل حق العمل بكرامة! لنعد إلى ذلك اليوم الذي سارت فيه 15000 امرأة في مدينة نيويورك مطالبين بحق التصويت، والحصول على ساعات عمل أقل.. إلى اليوم الذي نجحت فيه هؤلاء المناضلات في الحصول على حقٍ من حقوقهن الكثيرة. ومن هنا بدأ “يوم المرأة العالمي”.
حصل هذا المشهد يوم 8 مارس في عام 1908.. فتم تخصيص هذا اليوم “بعد سنوات عديدة”، للاحتفال بإنجازات المرأة ونضالها وقوتها. تم تخصيص هذا اليوم رمزاً لنضال المرأة ورمزاً لحقوقٍ كثيرة مضطرة هي للمطالبة بها مراراً وتكراراً.. ثم قد تحصل على هذه الحقوق أو أنها لا تحصل على شيء!
لماذا يوم “المرأة”؟
هذا الاحتفال أو هذا الرمز لم يأتي من فراغ! ولكنه نتيجة وصلات طويلة من التعنيف والتهديد والتهميش الذي يمارس على المرأة. فوفقاً لـ BBC تعرضت واحدة من كل ثلاث نساء؛ أي ثلث نساء العالم – أي نحو 736 مليون امرأة لعنف جسدي أو نفسي أو جنسي خلال حياتهن بحسب تحليل حديث أجرته منظمة الصحة العالمية للفترة ما بين 2000 – 2018.
عندما لم “تتقبل” المرأة أن تُعامل على أنها “أقل أو أضعف”.. عندما رفضت أن توصف بأنها “ناقصة عقل ودين”.. وعندما صرّحت أنها “ليست ضلع ناقص”! حقاً هي ليست كذلك!
ثم عندما وقفت المرأة مع نفسها فقط.. وخرجت تعلن عن مطالبتها بحقوقها البديهية.. حقها في التعليم والعمل والمساواة في الحقوق والواجبات والمساواة بينها وبين الرجل، وحقها في الاختيار والتفكير.. حقها بالعيش بأمان وبالتعبير عن رأيها وبالتصويت… الخ. عندما نهضتالمرأة بنفسها.. كان يوم المرأة العالمي.
مقال اليوم غير عن أي مقال، فهو غير موجه للنساء والاحتفال بهن.. بل هو موجه لأبنائنا! لن نصل مرحلة المطالبة بحقوق المرأة ما لم نبدأ نحن بأنفسنا وصناعة التغيير مع أولادنا حتى يكونوا الجزء المكمل من مجتمع المرأة. بتربية أبنائنا على أن يحترموا الأنثى سواء كانت أخت أو زوجة أو أم أو أي أنثى؛ يتحقق “حق” للمرأة.
رسالة لابني في يوم المرأة العالمي
بني.. لا تصدق من يصف النساء أنهنّ ناقصات عقل ودين! فالنساء كاملات المشاعر والعقل والرزينة.
عزيزي.. البكاء لا يخص النساء فقط، ولا عيب أن يبكي الرجل! البكاء لا يدل على الضعف.. وضعف المرأة لا يعني انكسارها.. بل يعني “أنوثتها“..
بني.. المرأة أنثى، والأنثى مخلوق كامل متكامل ليست بحاجة لمنيكملها.. لكن أنوثتها تسطع بجود رجل حقيقي إلى جانبها.
يوسف الصغير.. مطالبة المرأة بحقوقها لا يعني أنها تجردت من أنوثتها! لكن مطالبتها بحق العدل وحق التعليم وحق الاختيار وحق التنقل بأمان وحقها بالعمل؛ ما هي إلا أبسط الحقوق الإنسانية لعيش حياة كريمة! صدقني بني هذه الحقوق لا زالت تُطلب بل ونحارب من أجلها! نحارب من أجل الحصول على حقوق أساسية..
بني.. عندما تتقبل المرأة بطبيعتها المختلفة، عندما تتقبلها بأنوثتها وضعفها ومشاعرها وانكسارها وشغفها وحماسها وطاقتها.. هذا لا ينتقص من رجولتك شيئاً.. بل تقبل طبيعتها المختلفة يعني تقديرك واحترامك لذاتها.
عزيزي.. المرأة ليست منافساً لك بل هي شريكتك! فهي عندما تعمل وتجتهد وتسعى لتحقق مناصب ريادية، هذا لا يعني أنها ليست بحاجة لرجل إلى جانبها ولا يعني أنها تنافسك.. بل يعني وبكل بساطة أنها تسعى لإثبات ذاتها فقط!
أوجه رسالتي لك اليوم صغيري لأنني على ثقة أن متاعب المرأة سوف تنتهي وتختفي تدريجياً، عندما نعلم أطفالنا كيف يكونوا رجالاً يحترمون ويقدرون المرأة.
عبر هذه المنصة الرائعة.. نقدم لكل نساء العالم أينما كنتنّ.. كل الحب والتقدير والاحترام والتشجيع والفخر.. أنتنّ نصف هذا المجتمع فلا تصدقنّ ما يقال عنكنّ لإحباط عزيمتكنّ! لنمسك بأيدي بعضنا حتى ننهض بأنفسنا ونمكّن ذواتنا ونحقق أحلامنا..