عظيمةٌ هي الأم! بل وهي عصب الحياة وأساسها. سواء كانت أم عاملة أو أم غير عاملة، فكلتاهما جزءٌ لا يتجزأ من المجتمع. نسلك دروباً مختلفة كأمهات في هذه الحياة؛ فبعضنا اخترنّ العمل وبعضنا الآخر اخترنّ البقاء بالمنزل لتربية الأطفال أو لأي أسبابٍ أخرى. تواجه الأم غير العاملة العديد من التحديات؛ بدايةً بمحاولاتها لإيجاد المبررات لنفسها أولاً ثم للمجتمع عن سبب اختيارها البقاء بالمنزل، مرورواً بافتقادها لإعجاب أطفالها بها واضطراراها لإجابة سؤالهم “ماما لماذا لا تعملين؟”.
فنرى طفلها يتمنى أن يصبح “مهندساً مثل بابا”، حتى لو كانت هي أيضاً مهندسة. فالطفل يرى بابا يعمل فيوجه إعجابه للأب غافلاً عن تقدير أمه! نهايةً بكل الأعباء والمسؤوليات والأشغال المنزلية التي تقع على كاهلها كأم غير عاملة.
الجهد الذي تبذله الأم ربة المنزل
خلال بحثي على موقع جوجل عن إحصائيات متعلقة بالأمهات ربات البيوت ومقدار الجهد الذي يضفنه؛ صعقت بكلمات مفتاحية وعمليات بحث من أمهات تظهر “بحث الأم عن مبرر لوجودها في المنزل”. والأصعب من ذلك البحث عن موضع اكتئاب الأم ربة المنزل. كوني أم عاملة وأتمنى لو حصلت على فرصة الجلوس في المنزل مع أطفالي على الأقل أولى سنين حياتهم. كان أمراً صاعقاً لي قراءة هذه الكلمات.
وظيفتك كربة منزل وظيفة عظيمة وفيها الكثير من العطاء، وتحتاج للكثير من الصبر والتحمل والعمل، وتقودك في بعض الأحيان إلى ما يعرف ب “اكتئاب ربات البيوت”. مع ذلك ما زلتِ مستمرة بالعطاء بكل حب. لهذا كوني متأكدة من أنكِ تستحقين كل التقدير والاحترام، فأنت شمعة هذا المنزل وأساسه القوي.
عزيزتي الأم ربة المنزل
هل تعلمين: تقدر ساعات عمل المرأة في البيت بين رعاية الأطفال والمنزل بما يقارب 14 ساعة يومياً أي ما يعادل 98 ساعة في الأسبوع؛ لأنها لا تطالب حتى بعطلة نهاية الأسبوع وهذا يعادل 2.5 وظيفة بدوام كامل بحسب دراسة أجرتها شركة عصير ويلش على 2000 سيدة أمريكية. أما بالنسبة لقيمة عمل المرأة في المنزل ورعاية الأطفال؛ فهذا يقدر بما قيمته 160 ألف دولا سنوياً بحسب دراسة من موقع Salary.com. وكيف لنا ألا نشرح هذه الحقائق لأطفالنا؟
اقرأ أيضاً الأم موظفة مزدوجة فهل يتم انصافها؟
في حال سألك طفلك لماذا لا تعملين؛ أقترح عليك بعض الإجابات. وحاولي أن تستمعي لإجاباته وإعادة طرح السؤال عليه مسبقاً. ربما تتفاجئين بمعرفته الإجابة أكثر منك أو قد تصححين عنده بعض المفاهيم:
1. العمل داخل البيت مهم بنفس القدر مثل خارجه
اخترت أن أكون معلمة لك في سنواتك الأولى، وأقضي أجمل اللحظات برؤيتك تنمو أمام عيني، وأرعاك وأساعد والدك وأخفف عنه أعباء أخرى. تذكر حينما كنا نتعلم الأحرف ولعبة الأحجية، هذا يا بُني يسمى “صناعة إنسان”! أحببت أن كون الطاهي الرسمي لعائلاتنا، لأنني أعشق ابتكار حلويات صحية لنا جميعاً. أحببت أن أزرع ذكريات جميلة بيني وبينك خلال توصيلك للمدرسة صباحاً.
2. ابتعدي عن جواب “لا أحب أن أعمل”
حتى لو كان هذا صحيحاً. نعم لديك حرية الرأي ولكنك القدوة لطفلك؛ فهذا الجواب سيعطي للطفل نظرة سلبية عن العمل. فإن كانت ماما لا تحبه فهو شيء خاطئ بالتأكيد. بل أبدلي إجابتك بأنك فضلتي البقاء بالمنزل على العمل لأنك تفضلين هذا الخيار لراحتك النفسية وعائلتك. سيتفهم الطفل اختيارك بسهولة وبدون تعقيد.
3. الاختلاف أساسي لتوازن المجتمع
فالاختلافات بكل أوجهها تساعد على دوران عجلة الحياة. كما أن هناك أمهات عاملات، هناك أمهات غير عاملات بالمقابل، كل منهن حددت أولوياتها وبناءً على ذلك قامت بالاختيار الذي يتناسب مع ظروفها المختلفة. فالاختلاف بالاختيار لا ينقص من قيمة المرأة ولا يحدد قدراتها.
4. اشرحي له الأسباب المنطقية إن وجدت
يمكنك تقديم أسباب منطقية لإجابة سؤال طفلك “ماما لماذا لا تعملين؟”. كعدم حصولك على فرصة عمل مناسبة، أو عدم وجود مؤهل علمي كافي للحصول على وظيفة، أو عدم خبرتك في مجال الأعمال. أو حتى سفر بابا المتكرر، أو أنك اخترت استراحة وستعودين حين تتاح الفرصة.. الخ. كل هذه أسباب منطقية التي لا داعي للخجل منها، ستجيب الطفل عن تساؤلاته بشكل منطقي وعفوي.
5. “أبحثُ عن شغفي”
كنت أماً غير عاملة لفترة طويلة، ومع الإنقطاع المستمر عن العمل، أصبحت العودة إليه أصعب. أصبت بالإحباط والحزن ثم ماذا؟ توقفت عن ممارسة دور الضحية، ووضعت حداً لمتلازمة اكتئاب ربات البيوت التي أتقنتها! وبدأت بممارسة هواياتي وتطوير مهاراتي، بدأت برحلة البحث عن شغفي، إلى أن وجدته! إن كنتِ في مرحلة البحث عن شغفك أخبري طفلك بذلك، فإيجاده أهم من العمل في بعض الأحيان.
6. تحدثي إليه عن الأعمال المختلفة التي تقومين بها بالمنزل
فإن قام طفلك بسؤالك “ماما لماذا لا تعملين؟” في أحد الأيام، فقط أمسكي بيده واصطحبيه بجولةٍ في المنزل، ليرى كل الأعمال التي قمتي وتقومين بها خلال اليوم بشكلٍ مستمر، فأنت لست أم كسولة بسبب بقائك بالمنزل، بل أنت أم نشيطة قررت توجيه طاقاتها ونشاطها داخل المنزل لا خارجه. بهذه البساطة!
7. لا تلقي اللوم على طفلك
فنحن نعرف الكثير من الأمهات اللاتي ضحينَّ بأعمالهنَّ وفضلنَّ على ذلك البقاء بالمنزل لأجل الأطفال، وأيضاً نعرف صعوبة هذا القرار على الأم العاملة، فنجد بعض الأمهات يرددن عبارة ” قتلتم أحلامي، ضحيت بعملي لأجلكم..إلخ” لأطفالهن. فيقع الطفل ضحية الشعور بالذنب والحزن الذي يعود عليه بشكل سلبي، امتنعي عن ترديد هذه العبارة واستبدليها بأنك أجلتي العودة إلى العمل في الوقت الحالي، لأنك تشعرين أن أطفالك بحاجةٍ إليك.
8. اصنعي ذكريات العمر ولا تدعيها سنوات مضت
ذكر كتاب How not to hate your husband after kids، جملة تتردد على مسامع الأمهات ربات البيوت، بأن أطفالهم يشعرون بالحماس لقضاء وقت مع الآباء، لأن ماما دائماً مشغولة بما هو “ممل”.
أعيدي ترتيب أولوياتك، واحرصي على صناعة ذكريات العمر الجميلة معهم، لا داعي بقضاء جلّ يومك بأعمال التنظيف، بل قسمي ساعات اليوم على أعمال التنظيف، تطوير مهاراتك، ممارسة هواياتك، قضاء وقت مرح وسعيد مع أطفالك. فالأطفال لا يهتمون للنوافذ اللامعة، ولا تضيف لهم المرايا البراقة أي سعادة، بل لعبك معهم أو حديثك إليهم هو ما يصنع الفرق، فاحرصي كل الحرص أن تنجزي ما عليك دون الحاجة للمثالية لتستثمري كل الوقت المتبقي بصناعة ذكريات رائعة مع أطفالك.
9. حاوريه عن عملك قبل الأمومة
اشرحي لطفلك إنجازاتك في العمل والدارسة قبل الأمومة، وكيف تركت هذه الحياة لحياة أجمل هي الأمومة ورعاية طفلك. لا ضير في زيارة لمبنى عملك السابق، وقولي له عن الخير الذي قدمتيه للمجتمع، وأنك حرة الخيار مثلما كل إنسان على هذه الأرض.
10. اطلبي من زوجك أن يمدح جهودك أمام أطفالك
لا زلت أذكر حتى اليوم حوارات والدي وكلامه لي عن جهد ماما في العمل وفي المنزل، وأنه لولا جهدها ومساندته له لم يكن ليكون نفس الرجل اليوم، كل يوم خلال وجبة الغداء والعشاء، يتغنى قصائد بطهي أمي أمامنا أنا واخوتي، وأن أفضل مطاعم الأردن لا تطهو مثل طعامها. حين ينظر الزوج لزوجته بعين الامتنان ينعكس الأمر على الأطفال.
أتمنى أن تشاركن هذا المقال مع أزواجكن قبل أطفالكن، وعي تماماً أنك أم عظيمة وأجرك عظيم عند الله.