لكل منا أفكاره الخاصة وأيديولوجيته المختلفة، التي يعبر عنها من خلال دعمه للقضايا المختلفة، نغضب ونثور ونستنكر، نقف ونتحد ونقاوم. مهما اختلفت أفكارنا وخلفياتنا وجنسياتنا وقوميتنا، تبقى القضية الفلسطينية متربعة على قلب كل عربي وكل إنسان حر. فكيف ندعم القضية الفلسطينية أو أي قضية أخرى دون الوقوع بالاحتراق النفسي؟
في الأيام الماضية رأينا اشتعالاً في قضيتنا الفلسطينية، وأصبحنا نعرف أن هناك بقعة طاهرة متمثلة في حي صغير دافئ، حي الشيخ جراح، الذي تسكنه عشرات العائلات. ورأينا كيف تم الاعتداء عليهم من قبل المستوطنين، الذي قاموا بسرقة منازل الفلسطينيين القانطين بها، دون وجه حق!
كما ورأينا أهوال يوم القيامة التي تحدث في غزة، من قتل وتدمير وتنكيل وإبادة جماعية، حصلت خلال أيام عيد الفطر. أطفالٌ حرموا من فرحة العيد، وأمهاتٌ قدمت أبنائها فداءً للوطن، رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ومئات الشهداء حتى هذه اللحظة.
إنسانيتنا أولاً وعروبتنا ثانياً وهول ما رأينا أخيراً؛ جعلت منا غير قادرين على الوقوف في طرف الحياد أمام كل هذا الظلم، بل ها نحن نثور ونتظاهر ونصلي لهم ونستنكر ونتألم، فالمصاب واحد.
وكي تظل القضية حية، يجب أن يظل المناضلون أحياء، وكي نستطيع تقديم كامل دعمنا المعنوي لهم، الذي هو من أضعف الإيمان، يجب أن نظل قادرين على العطاء. لذا؛ قدمت لنا المعالجة النفسية ياسمين مدكور، بعض النصائح القيمة، التي تساعدنا على تجنب الاحتراق النفسي أثناء دعم أي قضية إنسانية ووطنية.
في البداية لنتعرف على الاحتراق النفسي
الاحتراق النفسي
- هو متلازمة تتميز بالإرهاق العاطفي الشديد، يرافقه إجهاد عقلي وجسدي. ينجم الاحتراق النفسي عن التعرض للضغط العاطفي والجسدي والعقلي المفرط والمستمر لفترات طويلة، وينتج عن هذا الشعور عجز الشخص عن أداء المهام المطلوبة منه.
- قد يعاني الشخص الذي يشعر بالاحتراق النفسي من أعراض مختلفة، مثل: فقدان الاهتمام والدافع بكل ما حوله، قلة الإنتاجية وهبوط الطاقة، عدم القدرة على العطاء، الشعور بالحزن والضيق والاكتئاب، التزام الصمت وعدم الرغبة بالحديث.
- الاحتراق النفسي هو متلازمة بحاجة للمراقبة، وبحاجةٍ أيضاً للقضاء عليها وتجنب الوقوع بها، وقد نحتاج في بعض الأحيان للجوء إلى المختصين لمساعدتنا على التخلص من هذا الشعور القاتل.
- آثار الاحتراق النفسي السلبية كثيرة وقد تمتد لكل مجالات الحياة، من العائلة والعمل والعلاقات الاجتماعية، وصولاً إلى الصحة الجسدية والنفسية للشخص المصاب بها.
اقرأ أيضاً نصائح للأم لتجنب الوقوع في الاحتراق النفسي
لنتحدث الآن عن الاحتراق النفسي الذي قد نشعر به أثناء دعم قضية ما، ولنتعرف كيف نتجنب الوقوع به
شهدتُ أحداث الانتفاضة الثانية أثناء طفولتي عبر التلفاز والراديو، وهو ما كان مصدراً موثوقاً لنقل الأخبار آنذاك. أتذكر العديد من المشاهد المؤلمة والدموع الحارقة، أتذكر خوفي من وقت عرض الأخبار، وأتذكر بحث أذناي عن أي كلمة مطمئنة لأستأنس بها.
ولكن أكثر شيء أتذكره بوضوح تام، هو انهيار أمي في بعض الأحيان، وعدم رغبتها بالحديث، أتذكر شعورها الدائم بالإرهاق الذي عبرت عنه مستخدمة عبارة “قلبي انطفأ”، والآن بعد 21 عاماً أستطيع تمييز أن أمي كانت تتعرض للاحتراق النفسي دون أن تدري!
ولأن أغلبنا الآن وخلال هذه الأحداث الأخيرة المؤلمة، يشعر تماماً كما شعرت أمي آنذاك، ويتألم من شعور العجز الذي يتملّكه. لذا بادرت المعالجة النفسية ياسمين مدكور، بتقديم بعض النصائح القيمة عبر منصتها على انستغرام، التي من شأنها مساعدتنا على تجنب الوقوع بالاحتراق النفسي أثناء دعمنا لإخواننا في فلسطين المحتلة.
نصائح لتجنب الوقوع بالاحتراق النفسي أثناء دعمك لقضية ما
1. تابع الأخبار على مراحل
- قلل تعرضك للأخبار المتتالية بنفس سرعة حدوثها.
- تابع الأخبار من مصادر معينة ومحدودة، حتى تتجنب تكرار تعرضك لنفس المشاهد والأخبار مجددًا.
- حاول قدر الإمكان ألا تعرض نفسك لمشاهد العنف بشكل متكرر متتالي. أيضاً لا عيب من أن تشاهد المقاطع على مراحل متقطعة إن كانت أكبر من قدرتك على التحمل.
2. استغل تنوع سبل الدعم
تذكر؛ لا يستدعي كل الدعم أن تظل طوال اليوم متابعًا للأحداث لحظة بلحظة. بل هنالك أشكال مختلفة من الدعم على نفس الدرجة من الأهمية. كأن تفتح حوارًا مع صديق لا يعرف مستجدات القضية، أو أن تتبرع للمصابين والأطفال والذين فقدوا ذويهم، بالإضافة لأن تكون حاضرًا وموجودًا مع أصحاب القضية أنفسهم وتدعمهم بشكل شخصي عن قرب، متى كان ذلك يحترم مساحتهم وطاقتك.
3. راقب جسدك واقبل ردود أفعاله
- إن ما يحدث سريع وكثير، وتطوراته غير متوقعة، وأكثر من قدرتنا على الاحتمال؛ مما قد يجعل أجهزتنا العصبية متأهبة من ضغط الموقف وخطورته.
- اقبل ما يفعله جسدك للتأقلم مع صعوبة الموقف. قد تحتاج للراحة من وقت لآخر، إلى قيلولة قصيرة، أو حتى أن تمارس نشاط آخر غير متابعة الأخبار باستمرار.
- راقب ردود أفعالك أثناء مشاهدة أي مشاهد حية، ولا تنسى أن تحترم قرارات جسدك بالتوقف أو التسريع أو حتى تجنب المشاهدة، ولا عار في ذلك أبدًا.
4. تذكر أن النضال مستمر
- لضمان استمرارية مشاركتك ودعمك، عليك أن تقوم بما هو في مقدرتك. ولا تقم بما هو أكثر مهما بدا ذلك ضروريًا.
- ولا تنس أنك لست وحدك في النضال والمقاومة؛ مهما اختلفت أشكال هذه المقاومة.
- وحتى تكون قادراً على القيام بدورك بتقديم الدعم؛ تذكر أن الراحة والتواصل مع مصادر دعمك الشخصية، على نفس القدر من الأهمية من متابعتك للأخبار ومشاركتها.
5. سامح نفسك
الشعور بالتقصير والعجز والذنب والخوف؛ كلها مشاعر طبيعية ومتكررة في هذه المواقف. اسأل نفسك هذه الأسئلة:
- ما هي طاقتك الحقيقية؟
- ما الذي أقدر على فعله صدقًا دون أن يؤدي لاحتراقي نفسيًا؟
- هل أقوم بأشياء ضمن حدود مقدرتي، طاقتي، ووقتي؟
وتذكر أن بجانب النضال نحتاج للراحة لشحن طاقتنا من جديد، وحتى إن توقفت لبعض الوقت فهذا حقك الإنساني.
6. عبر عن مشاعرك كما تعبر عن أفكارك
شارك غضبك وقلبك مع المقربين منك. سيساعدك ذلك على تنظيم مشاعرك سويًا. وأيضاً يخفف من وطأة الأثر النفسي للتعرض للأخبار وتسارع الأحداث، وأيضاً قد يساهم ذلك بشكل كبير في حمايتك من الإصابة بالصدمة النفسية الثانوية.
7. إن كنت في قلب الأحداث
- اقبل مشاعر الخوف، ولا تحاول اخفاءها.
- ابحث عن أكثر مكان آمن في منزلك واحتمي به، حتى وإن زال الخطر. في غضون ذلك، اترك جسدك يرتعش، ينكمش، يبحث عن الأمان بطريقته.
- عند زوال الخطر، اسمح لنفسك أن تتحرك أولاً، وأن تنفض الخوف والتجمد من جسدك ثانياً.
8. لا تنجر لمعارك جانبية
- حالة التأهب الشديدة والخوف، قد تسهل وتزيد من استثارة غضبك. على تفاصيل لا تهمك بالأساس!
- حاول أن تركز طاقتك فيما ينفعك وينفع قضيتك. وأيضاً لا تنجر لمعارك جانبية قد تزيد من احتقان مشاعرك دون تفريغ حقيقي للغضب.
- قدر طاقتك واستثمرها في مكانها الصحيح، سواء بالتوعية أو النشر، أو المساندة بأي شكل.
9. شارك هذه المعلومات مع من يحتاجها
- ففي حالة التأهب؛ ننسى جميعًا أننا بشر طاقتنا محدودة، لكن ولكي نستمر بالنضال، نحتاج للراحة، حتى ولو لبعض الوقت.
- صحيح أن هنالك من لا تسمح لهم الظروف بأخذ هذا القسط من الراحة والشحن، لكن إن كانت متاحة هي هامة وضرورية مهما كانت بسيطة.
أصدقائي؛ لا تنسوا فلسطين وأهلها وأهل غزة من دعائكم، فهم بأمس الحاجة له الآن. وتذكروا أن القضية ستبقى حية بأصحابها، وطاقتهم. وإن استمرارية طاقتهم ونضالهم يضمن استمرارها.
حمى الله أقصانا وحمى الشعب الفلسطيني، برداً وسلاماً يا الله على حبيبتنا غزة وعلى أهلها الجبارين.
نتقدم بالشكر الخاص للأستاذة والمعالجة النفسية ياسمين مدكور، التي شاركت هذه المعلومات القيمة، بل وأتاحتها للاستخدام المجاني اللامشروط لجميع الأفراد، بغية نشر الفائدة والمساهمة بنشر الوعي في هذا الوقت الصعب.