الأمومة في الغربة تمثل تحديًا كبيرًا للأمهات اللاتي يسعين لتربية أبنائهن في بيئة جديدة بعدياً عن العائلة ودعمهم. وفي بيئة تتطلب التأقلم مع ثقافة مغايرة وأساليب تربوية مختلفة. فقد يكون ذلك للبعض صعبًا، ولكنه أيضًا يوفر فرصًا لتعزيز القيم وتنمية مهارات الأطفال بطرق متنوعة.
محتويات المقال
أبرز التحديات التي تواجهها الأمهات في الغربة
التحديات النفسية والاجتماعية للأمهات في الغربة
تواجه الأمهات المغتربات العديد من التحديات النفسية والاجتماعية التي تؤثر على حياتهن وعائلاتهن في بيئة جديدة وأبرزها:
- العزلة الاجتماعية: تشعر الأمهات في الغربة غالبًا بالعزلة الاجتماعية، حيث يفتقدن شبكة الأصدقاء والعائلة التي كانت توفر لهن الدعم في الوطن. هذه العزلة قد تؤثر على صحتهن النفسية وتزيد من شعورهن بالوحدة.
- صعوبة التكيف الثقافي: يتطلب التأقلم مع ثقافة جديدة جهدًا فعليًا، حيث قد تواجه الأمهات صعوبات في فهم العادات والتقاليد المحلية. علاوة على ذلك، فإن التواصل مع الناس بلغة جديدة يمكن أن يؤثر سلبًا على ثقتهن بأنفسهن ويزيد من شعور الغربة.
- الضغوط النفسية المتزايدة: تتضافر الضغوط النفسية نتيجة لتربية الأطفال، والمسؤوليات العائلية، بالإضافة إلى الاحتياجات النفسية والشخصية للأمهات. هذه العوامل تشكل عبئًا إضافيًا . مما يستدعي البحث عن وسائل دعم وراحة للتعامل مع هذه الضغوط.
التحديات اللوجستية للأمومة في الغربة
تواجه الأمهات المغتربات مجموعة من التحديات اللوجستية التي تؤثر على حياتهن اليومية، مما يتطلب منهن التكيف مع متطلبات جديدة في العمل والتعليم والرعاية الصحية. إليك أبرز هذه التحديات:
- البحث عن عمل: تواجه الأمهات المغتربات صعوبات كبيرة في العثور على وظائف تتناسب مع خبراتهن، خصوصًا في ظل الاختلافات في متطلبات سوق العمل في بلد الاغتراب. لذلك يتعين على الأم أن تكون مرنة ومبتكرة، حيث يمكنها الاستفادة من شبكة معارفها، أو البحث عن دورات تدريبية لتحسين مهاراتها والتكيف مع السوق الجديد.
- التعليم: عندما يتعلق الأمر باختيار المدرسة المناسبة لأطفالهن، قد تجد الأمهات المغتربات صعوبة في التأكد من حصولهم على تعليم جيد يلبي احتياجاتهم الثقافية واللغوية. حيث تلعب الأم دورًا حاسمًا في البحث عن الخيارات التعليمية المناسبة والتواصل مع المدارس لضمان بيئة تعليمية تدعم تكامل أطفالها في المجتمع الجديد.
- الصحة: تواجه الأمهات تحديات في الوصول إلى رعاية صحية مناسبة لأطفالهن، نتيجة للحواجز اللغوية بالإضافة إلى الاختلافات في الأنظمة الصحية. لذلك المهم أن تتواصل الأم مع مقدمي الرعاية الصحية، وتبحث عما يناسبها وأطفالها.
التأثير على الأطفال وتأقلمهم
تترك تجربة الغربة أثرها على أفراد العائلة جميعا ومنهم الأطفال، وتالياً أبرز الجوانب التي يمكن أن يواجهها الأطفال في الغربة وتتطلب دوراً رئيسياً للأم في مواجهتها والعمل على تبسيطها :
- التأقلم مع ثقافة جديدة: عند الانتقال إلى بيئة جديدة، يواجه الأطفال تحديات في فهم الثقافة المحيطة. تلعب الأم دورًا مهمًا في مساعدتهم على التأقلم، من خلال توضيح العادات الجديدة ودعمهم عاطفيًا للتغلب على الشعور بالغربة.
- الحفاظ على الهوية الثقافية: في الغربة، قد يبتعد الأطفال عن جذورهم. يمكن للأم تعزيز هويتهم الثقافية عبر الاحتفال بالمناسبات الخاصة وتعليمهم اللغة الأم، مما يمنحهم شعورًا بالانتماء والثقة بالنفس
- بناء روابط اجتماعية جديدة: في بيئة الغربة، قد يجد الأطفال صعوبة في تكوين صداقات بسبب الاختلافات الثقافية واللغوية. هنا، يمكن للأم مساعدة أطفالها على بناء روابط اجتماعية جديدة من خلال تشجيعهم على المشاركة في الأنشطة المجتمعية والرياضية أو المدرسية، مما يعزز شعورهم بالاندماج والانتماء.
قصة الأم والمدونة المغتربة”حنين”
في خضم تحديات الغربة ومسؤوليات التربية والتأقلم مع حياة جديدة، تبرز قصة “حنين”، صاحبة مدونة working_mother_of_2 . وهي الأم الشجاعة التي حولت تحدياتها إلى إنجازات ملهمة. بالرغم من بعدها عن الوطن وأهلها، إلا أنها تمكنت من بناء أسرة سعيدة في بيئة جديدة. في هذه القصة المشوقة، تشاركنا “حنين” تجربتها الغنية، وكذلك النصائح القيمة التي تقدمها للأمهات المغتربات.
ما أصعب موقف واجهك في الغربة وكيف تغلبت عليه؟
قرار الاغتراب بحد ذاته تحدٍ. لكن عشت بعض المواقف التي لن أنساها أبداً وأثرت بشخصيتي كثيراً. تجربتي الأولى كانت ولادة ابنتي في أمريكا وكان الشخص الوحيد الذي أعرفه هي قريبة زوجي. قابلتها لأول مرة في حياتي يوم الولادة. فعادةً كل الأمهات يحتفلن بولادتهن الأولى مع الأهل والعائلة بينما أنا دموعي تنهال. إلا أنني قررت أنه لا ذنب لابنتي بتلك المشاعر والموقف هذا وقررت أن أكون سعيدة وقوية لأجلها فهي وأنا نستحق ذلك.
أما الموقف الثاني،فكان سفر زوجي واحتياجنا له أنا وأولادي، حيث كنا مرضى لحد الضرورة للذهاب للإسعاف؛ولم يكن هناك خيار سوى “القوة الخارقة للأم ؟”. قد يبدو فيلم سوبر مان ترجمة حرفية لقوى الأمهات الخارقة. كنت أرتعش من الحرارة والسخونة لكن قلبي كان قوياً لأتمالك نفسي وأنطلق بهم للإسعاف.
وأما الموقف الأخير والصعب فهو إصابة ابني الأصغر بالتهاب رئوي، حيث اضطررنا للإقامة في المستشفى لمدة أسبوع أجرى فيها العديد من الفحوصات والتحاليل. لم يكن موقفاً سهلاً. هذا الموقف جعلني أفكر كثيراً بإعادة حساباتي بقرار الغربة..ماذا بعد ذلك؟
ما أهم درس تعلمتيه في الغربة؟
تُعتبر الغربة تجربة حياة قاسية تغير معاييرنا ومفاهيمنا بشكل جذري. ومع ذلك، تعلمت منها الكثير عن التحمل والصمود. من أبرز الدروس التي استفدت منها:
- تقدير كل ما أملك: أدركت أهمية تقدير كل ما حولي، حتى الأمور البديهية. تعلمت أن أركز على الإيجابيات وأن أنظر إلى النصف الممتلئ من الكأس.
- استكشاف الذات: اكتشفت طاقاتي الكامنة وثقت بنفسي وبزوجي أكثر، ونجحنا في تأسيس نمط حياة مختلف عن النمط التقليدي الذي كنا نعرفه.
- حب الوطن والعائلة والأصدقاء: الأهم من ذلك، تعلمت أن حب الوطن والعائلة والأصدقاء لا يعوضه شيء، فهذه الكنوز هي الأساس الذي يعزز الصمود في الغربة.
نصيحة تقدمينها للمغتربات حديثاً
- تأقلمي مع التغييرات: الغربة تتطلب منكِ الانفتاح على التغييرات وعدم مقاومة الأمور الجديدة، مما يساعدك في السير بسلاسة في رحلة الحياة.
- لا تقارني حياتك في الغربة بوطنك: المقارنة مع حياتك في الوطن ليست عادلة، فكل بيئة لها خصوصياتها وتحدياتها، وعلينا أن نركز على التأقلم مع الواقع الجديد.
- احفظي ذكرياتك الجميلة: رغم جمال الذكريات التي تحملينها من وطنك، لا تدعيها تعيقك عن الاستمتاع بالحياة الجديدة، فالتربية في الغربة تقدم لك فرصًا جديدة لصنع ذكريات جديدة.
- اهتمي بعائلتك: ركزي على الأسرة التي أسستِها، احتفلي بلحظاتكم معًا، وتناولوا العشاء سوياً. هذه الأنشطة تعزز شعور الانتماء لدى أطفالك وتساعدهم على التأقلم مع بيئتهم الجديدة
في ختام هذا المقال، تظهر أهمية دور الأم في مواجهة تحديات الغربة والتأقلم مع بيئة جديدة. من خلال الدعم العاطفي والتوجيه، تستطيع الأم تعزيز قيم الانتماء والثقة بالنفس لدى أطفالها. على الرغم من الصعوبات، تبقى الأمومة في الغربة فرصة لتطوير أساليب تربوية مبتكرة وتنمية مهارات جديدة تعزز من تجارب العائلة.