قصة نجاح أب عظيم
رزقه الله ب “عبود”؛ فحمد وشكر. وميز الله “عبود” عن بقية الأطفال بكروموسومٍ إضافي؛ أضفى على عبود المزيد من الحب والطيبة والحنان. احتضنته عائلته – التي لم تكن تعلم معنى متلازمة داون آنذاك – بكل حب ورضا. ولكن علاقة مميزة قوية روحية خُلقت دون سابق إنذار، ونمت دون استئذان بين الأستاذ ناصر الشيخ ذيب وابنه عبود منذ لحظة لقائهما الأولى! ليصبحا منذ ذلك الوقت وحتى الآن من أفضل وأوفى الأصدقاء.
لم يتوانى السيد ناصر يوماً عن البحث عن أفضل الخيارات لابنه الصغير، ولم يستسلم يوماً لنظرات الإستغراب التي بانت على محيّا البعض؛ بل آمن بطفله وقدم له كل الدعم الذي يحتاجه، وغمره بحبه وحنانه. ليصبح اليوم “عبود” بسن الخمسة عشر شاباً مهذباً محباً وذكياً.
لنتعرف على قصة نجاح أب عظيم الأستاذ ناصر وطفله أكثر، ولنتعلم منهما الإصرار والقوة والإيمان.
عرفنا عن نفسك
اسمي ناصر الشيخ ذيب، أعمل كمشرف على شبكة الإنترنت في الجامعة الأردنية في عمان. أب فخور لشاب مصاب بمتلازمة داون، أكرمني الله بعبود وبإخوته وكلي فخر بكوني والدهم. أيضاً أنا مؤسس صفحة محبي الداون سندروم على منصة الفيس بوك، وهي من أقدم الصفحات التي تتحدث عن أبنائنا المصابين بهذه المتلازمة.
سابقاً كنت من صناع محتوى “منتدى الوراثة الطبية”، ومشرف على “منتدى الكويت داون سندروم”. والآن أحاول أن أقدم الدعم لأهالي أطفال متلازمة داون عن طريق المحاضرات والمقابلات التي تتحدث عن هذه الفئة، والتي تهدف لتقديم العون والفائدة لعائلات الأطفال المصابين بمتلازمة داون. يرى البعض قصتي كقصة نجاح أب؛ ولكني أراها رحلة أتطور من خلالها مع طفلي وعائلتي.
ارْوِ لنا قصة ولادة عبود
في عام 2005 ذهبت وزوجتي إلى المستشفى؛ فقد حان موعد الولادة. وبعد ثلاث ساعات من الترقب والانتظار رزقنا الله ب “عبدالله”. خرج الطبيب من غرفة العمليات فهرعت إليه لأطمئن على زوجتي وطفلي؛ فطمأنني عليها ثم طلب مني مقابلة طبيب الأطفال.
كشف لي طبيب الأطفال عن وجه عبدالله؛ فتبين له أنني لم ألاحظ اختلاف عبود عن بقية الرضع، خصوصاً أننا لم نكن نعرف عن تميز عبود مسبقاً. طلب مني هذا الطبيب بل واستحلفني أن أسمي طفلي في نفس اللحظة، واستغربت من سؤاله! ولكن وسط استغرابي أطلقت عليه إسم “عبدالله”.
بعد ذلك وصلت البروفيسورة المختصة، وقامت بفحص الرضيع بطريقة جعلتي أشعر بأن هناك خطباً ما. فسألتها إن كان طفلي يعاني من أية مشاكل، وقلت لها: “قولي لي أنا والحمد لله صابر ولا اعتراض على حكم الله”! لتخبرني بعد هذا الكلام أن عبود مصاب بمتلازمة داون.
فجأة غابت من عقلي هذه الكلمة ومعانيها؛ مع أنها تتكرر في منزلنا عشرات بل مئات المرات! حيث أن العديد من إخوتي تخصصوا في هذا المجال، سواء بالعمل أو الدراسة. ولكن في تلك اللحظة غيب الله عني هذه الكلمة!
في هذه الساعات الصعبة
حاولت استشارة معارفي وأقاربي من أطباء وممرضين، وحتى الآن لم تكن زوجتي تعلم شيئاَ. ذهبت إلى غرفتها وأنا غارق في حيرتي وشرودي، أحست زوجتي أن شيئاً سيئاً قد حصل، واستحلفتني أن أطمئنها على عبدالله الذي لم تكن قد رأته بعد.
أذكر قولها حرفياً عندما قالت: “أنا أريد إبني حتى لو كان قطعة لحم فأنا مؤمنة بقضاء الله”. ثم وبعد أن أخبرتها بإصابته؛ استحمدت الله كثيراً وبكت وعاهدت نفسها أمام الله أن تبذل كل جهدها في تربيته. واتفقنا في تلك اللحظة ألاّ نتقبل أي نظرة حزن من أحد، بل أصبحنا نرد على هذه النظرات بعبارة “نحن سعداء به لا تحزنوا علينا ولا عليه!“، ونرد على من يقول يا حرام ب “لاء يا حلال”.
هل واجهت مشاكل لدمج عبود في المجتمع والمدرسة؟
طبعاً واجهنا العديد من العقبات التي تخطيناها منذ اليوم الأول، الذي تقبلنا فيه تميز واختلاف عبود كأسرة. فقد اتفقت وزوجتي منذ أن كان عمر عبود 3 أيام فقط؛ ألاّ نقبل من لا يقبل إبننا مهما كان من المقربين.
ثم عملت زوجتي على أخذ دورات في “التدخل المبكر”، التي تعلمت من خلالها أهمية توزيع المهام المتعلقة بعبود؛ من تعليم وتطوير في مهاراته على جميع أفراد الأسرة. الأمر الذي أدى لزيادة تقبل اختلافه، والذي أدى لاحقاً إلى تخطي العقبات المتعلقة بدمجه من خلال تعاوننا كأسرة.
تعاملنا مع عبود أمام الآخرين باحترامٍ كبير، وجمعتنا به علاقة مميزة؛ فأصبح الآخرين يتعلمون منا تقبل الاختلاف. ومنها حاولنا تقديم عبود إلى المجتمع بأجمل صورة. مع ذلك واجهنا العديد من النظرات والتصرفات غير المقبولة من قبل بعض الأشخاص، ولكننا دائماً نسعى لنشر حقيقة أن عبود لم يخلق نفسه بل هو نعمة كبيرة من الله.
أما في المدرسة؛ فقد تم تسجيل عبود وبعد العديد من العقبات في مدرسة عادية. وأقوم كأب بنشاط شهري، وهو أن أذهب إلى مدرسة عبود وأجلس مع أصدقائه وأجيب عن أي أسئلة متعلقة باختلافه بطريقة منطقية! فمثلاً عبود يخرج لسانه من فمه بسبب تجويف فمه الصغير من الداخل. وهكذا مرة بعد مرة أحدثنا فرقاً فعلياً، وساهمنا بزيادة تقبل أصدقاء عبود له.
تابعوا المزيد ضمن هذا المقال.. قصة نجاح أب فاضل لطفل ملائكي
ما هي رسالتك لتعزيز دمج الأطفال من ذوي الهمم في المجتمع؟
رسالتي أوجهها للأم والأب أو القائم على تربية الطفل؛ أن ربوا أطفالكم على تقبل الاختلاف في كل الأمور، فهذا الشيء سيفيدهم حقاً في حياتهم. بل وحاولوا أن تزيدوا من احتكاك أطفالكم بالأطفال من ذوي الهمم.
عندما دمجنا عبود في مدرسة عادية ومع أطفال عاديين لاحظ الجميع الفرق الذي أحدثه عبود في صفه وعلى أقرانه الذين تعلموا الصبر وتقبل الاختلاف بكل سلاسة.
نلاحظ شح المصادر الموثوقة والمواقع الطبية التي تتحدث عن أطفال متلازمة داون، فمن أين تحصل على المعلومات التي تتعلق بهذا الموضوع؟
عند معرفتي بحالة عبود؛ توجهت مباشرة لشراء الكتب العلمية الموثوقة التي تتحدث عن حالته. وكنت أتناقش مع الطبيب الخاص بعبود عن أي أمر أعجز عن فهمه؛ فكانت الكتب العلمية والطبيب هما المصدر الأساسي.
وكما ذكرت سابقاً؛ العديد من إخوتي يعمل أو يدرس في مجال التربية الخاصة، فكنت أطرح عليهم بعض الأسئلة أيضاً. حرصت على عدم قراءة أي معلومة دون مصدر موثوق عبر الإنترنت، كما أنني أحاول أن أساعد أهالي أطفال الداون من خلال خبرتي مع طفلي في الأمور غير الطبية فقط، ومن خلال رواية قصتي كقصة أب ناجح في بناء علاقة رائعة مع طفله الملائكي لهم؛ كنموذج يساعدهم في بناء قصص نجاهم الخاصة مع أطفالهم الملائكيين!
حدثنا عن علاقتك مع عبود
لن تفي كلمات الدنيا لإعطاء العلاقة التي تجمعني بعبود حقها! أعترف أمام الجميع أن عبود هو كل حياتي بل هو روحي وأكبر نعمة منَّ الله بها علي! أشعر في كل الأوقات أنني كنت محتاج لوجوده في حياتي لهذا وهبني الله به.
عبود صديقي الذي يناديني بإسمي دون ألقاب، وبيت أسراري الذي يخاف علي ويحبني أكثر من نفسه. بنيت علاقتي معه على أساس المحبة الكاملة الصادقة غير المشروطة. كما أن امتلائه بالحنان والصدق والرحمة زاد من قوة علاقتنا. ببساطة أنا إنسان وجدت نفسي وكل أمنياتي في هذا الكائن الرائع وأحمد الله دائماً على وجوده في حياتي.
كيف يمكننا مساعدة الأهالي وزيادة وعيهم لتقبل أطفالهم من ذوي الهمم؟
سأوجه إجابتي إلى الزوج وإلى المقربين من الأم؛ ستمر الفترة الأولى بصعوبة بالغة على العائلة ولكن صعوبتها على الأم لا توصف. لذلك؛ ساند زوجتك وكن لها نِعم الملجأ في هذه الفترة، فهي بحاجة لكل الدعم المعنوي الذي سيساعدها على تقبل طفلها بشكل أسرع.
لو استطعت أن تغير شيء في حياتك ماذا سيكون؟
لن أغير شيئاً أبداً فحياتي اكتملت بقدوم عبود إليها! نعم كان لدي طموح بأن أحصل على شهادة الدكتوراة؛ ولكن قدوم عبود غيّر طموحي ليصبح مساعدة ومساندة أطفال الداون وعائلاتهم، ولم أندم على ذلك للحظة! بل لو عاد بي الزمن لاخترت عبود لألف مرة.
عبود اليوم شاب رائع، ما هي طموحاته وأهدافه بالحياة وماذا يتمنى أن يصبح؟
يطمح عبود لدخول الجامعة الأردنية، ولكن لصعوبة القوانين المتعلقة بالدمج الكامل وفي كل المواد – دمج عبود في المدرسة لا يشمل مادة الرياضيات واللغة الانجليزية – ولشغف عبود بالطهي؛ سنتوجه إلى المجال المهني. بل وبدأنا نسأل ونبحث عن معاهد لتنمي شغف وموهبة عبود؛ لنسجله بها بعد إتمامه للمرحلة الثانوية.
مهما كان طموح ابني فسأدعمه وسآخذ بيده لأوصله إلى بداية الطريق الصحيح التي ستغنيه عن سؤال الناس.
اقرأ أيضاً قصة نجاح أم ملهمة لطفلة من أطفال متلازمة داون
Nermeen
يناير 25, 2021 في 7:33 ممبدعة