الجمال وفوبيا الجمال

الصحة النفسية والجسدية

الجمال وفوبيا الجمال

pexels-photo-973405

فوبيا الجمال 

لعل تعريفي للجمال لن يوفيه حقه وروعته في مقالي هذا؛ فالجمال ليس مسألة ترف نستأنس به للشيء الجميل ونعجب به، ومن ثم نذهب عنه ونعتقد أن دور الجمال انتهى هنا! لا والله الجمال أعمق من ذلك بكثير. فحب الجمال أمر فطري عند كل البشر، ويكتسب أهميته عند المرأة خاصه.

الجمال؛ هو كل ما يستحسنه الذوق حساً أو وجداناً. فقد يستحسن البصر وردة جميلة، ويستحسن الشم رائحة عطرة، ويستحسن الوجدان قصيدة أو سورة من القران الكريم. وتتباين الأذواق في رؤية جمال شيء ما، أو سلب صفة الجمال منه! وهو أمر حيّر الفلاسفة في تعريفه ومحاولة إخضاعه للمنطق، كما وسلب لب الشعراء حتى تفننوا في وصف المحبوبة متّخيلة أو حقيقية؛ ألبسها الحب رداء جمال خلدته اللغة بعد فناء الجسد، فانبعث في صورة تتجدد مع خيال كل قارئ. هذا الجمال أسر أيضاً الرسامين حتى حاولوا إبقاء شيء من أثرهم لمن بعدهم عبر لوحاتهم.

مفهوم علم الجمال

من المعلوم أن مفهوم علم الجمال (الإستاطيقا)، قد بزغ في أواخر القرن الثامن عشر. ومع التقدم الزمني والتكنولوجي والإعلام الموجه، وتغير المكان والعادات، واحتكاك هذا المصطلح بالبيئة والمجتمع؛ تحول ليعرف بعلم التعرف على الأشياء من خلال الحواس (علم حسي)، تنغمس فيه لذائذ العقل والروح على حد سواء.

وهنا أتكلم من وجهة نظر نسائية بحتة!

لأن الناظر الآن في الحراك النسائي وتوجههن في هوس الشراء والاقتناء والامتلاك والاستهلاك؛ يدرك بالفعل أننا وصلنا نحن السيدات الى ما يسمى (الهوس الجمالي).

فالمرأة الآن أصبحت مثقلة بالثقافة الصورية التي يبثها الإعلام، والتي تتصدرها مشاهير الممثلات والمطربات والفنانات ورموز السيدات من الطبقة الثرية!

فنجد المرأة تطاردهن وتطارد معهن هذه المعايير الزائفة! بل نجدها أيضاً تلهب نفسها لهثاً للحصول على هذه الصورة من الشكل والجسد السفسطائي السوريالي! هذه المعايير خلقت نمطاً وشكلا معينًا عن الجمال.

فأصبحت المرأة اليوم مسجونة بفعل الجمال! وهل الجمال يسجن؟ نعم! فكلما نظرت المرأة اليوم الى نفسها في المرآة؛ تجدها كرهت نفسها وجلدتّها، لأن معايير الجمال التي تبحث عنها غير واقعية نهائياً ومبالغ بها. اليوم انقلب هوسها في الجمال في تنزيل الوزن، تنحيف الخصر، تكبير الصدر، شفط الدهون، ضخ الشفاه، وضع الغمزات! ولعلها بهذا تلقى قبولا ممن حولها! زوج، عمل، صديقات، سوشال ميديا؛ لتصبح محور الحديث والكلام.


لهذا؛ نرى الكثير من النساء يعانين فوبيا الجمال؛ وما ينتج عنه من اكتئاباً حاداً وانتكاسات متكررة. ولماذا كل هذا؟ للحصول على خرافه الجمال!

في كتاب خرافه الجمال للكاتبة ناعومي وولف Naomi wolf؛ الكاتبة والناشطة الأمريكية، والتي برزت بعد تأليفها لهذا الكتاب الذي لاقى إعجاباً. تقول:

​”في الوقت الذي اُستجدت فيه بعض الممارسات وأُلغيت بعض القوانين المقيدة لحرية المرأة؛ نمت بشكل خفي قيود جديدة. وحلت محلها ضمن تلك القيود؛ ربط المرأة بجمالها وشبابها، مما يعني أن تقدمها في العمر يعني هبوط قيمتها لتصير سلعة تعلو وترخص مثل باقي الأشياء! وهذا ما أرضخ النساء لدفع مبالغ ضخمة في سبيل البقاء على قيد الجمال ولو كان مزيفاً! وهذه بالطبع خدمة مهداة لصعود متاجر التجميل ناصية الثراء”.

إن المرأة بهذا الهوس اللا متعقل في مطاردة الجمال، الذي يوهمها به الإعلام؛ كل ما تقوم به هو تأخير فقط في الخيبة التي تنتظرها! تلك المرحلة ستخامرها حين يسرق الزمن من عمرها السنوات؛ ليقول جسدها الحقيقي كلمته، ولينطق وجهها الحقيقي صدقه!

إن المرأة اليوم تبحث عن جسدها وسط أجساد الممثلات، وعن أنفها وسط أنوف الشقراوات، وعن خصرها وسط خصور المغنيات!

هذه الضغوط الإعلامية والمرتبة عن الجمال؛ تجعل المرأة تخفق اجتماعياً وحتى اقتصادياً، ويوصلها لكره ذاتها الناتج عن الفشل المزعوم للوصول الى الصورة المثالية! لأنها تطارد معايير لا وجود لها إلا في تصورات الشعراء وإبداعات منتجي الأفلام ومحترفي تعديل الصور .


هذه المعايير الزائفة لم تؤثر على النساء فقط؛ بل أثرت حتى على نظرة الرجال للنساء! 

فأصبح الرجال يرون الجمال في نساء الواقع، ضمن المعايير المزيفة. بل وأصبحوا يطلبون شكلاً معيناً مجدّه الإعلام وسيّدته المجلات، وصدّرته الأفلام وأتقنته السوشال ميديا! فصار الكثير من الرجال يطلب شريكة للحياة؛ ذات شكل معين وقالب محدد ينبغي ان تكون عليه زوجته الحالية أو زوجة المستقبل، بل ويربط سعادته بهذا المعيار ويطالبها بالبقاء دوماً ضمن هذا المعيار والمستوى المُنمّط!

مما يخلق عدم رضا من جهته إن تقدم بها العمر، وقلق البال وعدم الثقة من جهتها. مما يعني إغراقها في وحل التشكل بمعايير الإعلام المرئي، وإشغالها عن أي مشاركة فعّالة في رفع سويتها العقلية والفكرية والاجتماعية.


دعوني أستبدل كلمة (عمّال) في مقولة ماركس الشهيرة؛ بـ”يا نساء العالم اتحدوا”! لكني لا أقصد الاتحاد ضد الرجال؛ بل أنا من تلك السيدات اللاتي يستخففن بهذه النظرية النسوية الموغلة في تطرفها. لكن ما أعنيه هو؛ أن تناضل النساء في ميدان الثقافة العامة، وألاّ تسمح للإعلام بأن يحدد حياتها وفق معاييره المزيفة، بل وأن تخلق ميار الجمال كما تراه هي لا هم! وأن تتجنب الوقوع في فوبيا الجمال؛ لكي يكون التنافس في هذا العالم شريفاً بما يحمله الإنسان؛ ذكراً كان أم انثى، من جوهر خلّاق لا يوصفه شكل او صورة.

لعل بعد هذا الكلام أكون قد تكلمت عما يعتريه صدري مما أشاهده وألاحظه!

لذلك سيداتي 

انزعن عنكن رداء هذه الخرافة “فوبيا الجمال”! واعلمن أن الذائقة البشرية؛ لا تنظر للجمال منفصلة عن شخصية الانسان. فالدمية لها شكل مثالي، لكنها تظل دمية جوفاء فارغة من الداخل! وجمال المظهر يعزز الجوهر والقيم ويبرزه. لكنه لا يقوم لوحده ولا يصمد مهما بلغ اهتمامك بمظهرك الخارجي. فاحذري ان تجعليه الشيء الوحيد الذي تقدميه للناس فقط.

لقد صدقت غادة السمان حين قالت: “الكحل ليس مرادفاً للتفاهة، التفاهة ألا يكون في عين المرأة إلا الكحل”.


هذا المقال بقلم

ديمة الأغواني

قارئة نهمة، والمسؤولة عن صفحة Arab Ladies Book Club ، على منصة فيسبوك. التي تشجع من خلالها السيدات والأمهات على القراءة، من خلال القراءة الجماعية، واقتراح الكتب الشهرية ومناقشتها وكتابة نبذة عنها واستعراضها ومراجعتها.

نتقدم بالشكر للسيدة ديمة على مشاركتنا هذا المقال الممتع 

اترك التعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

0
0