قصة نجاح أم مغتربة عاملة – لُبابة الهواري

قصص أمهات ملهمة

قصة نجاح أم مغتربة عاملة – لُبابة الهواري

لبابة الهواري

تحدثت لُبابة الهواري وقالت: “تخلّفتُ عن حياتي الاجتماعية.. كل المناسبات والتجمعات والسهرات والأشياء الجميلة التي كنت أفعلها برفقة صديقاتي أودعتها جانبًا.. وبات الاعتذار مرافقًا لي في كل وقت، أصبحت الأولوية أبناء ودراسة! ثم في الإجازات كنت أسعى للموازنة قليلًا. بقيت مصرّة أن أمشي الخطوات باتجاه الحلم، هدفي واضح منذ البداية.. فالفارق الذي أسعى لخلقه في مجتمعي وفي تخصصي وفي أبنائي يستحق والله كل هذا التعب والانهاك والإرهاق والمجاهدة. لن أرضى بأن تكون تربية أبنائي ناقصة أو أكون مقصرة. الأمر يتعلق بمسؤولية أمام الله عن نفسي وماذا قدمت.. وعن أبنائي وكيف ربيت”. كلمات مؤثرة من الشخصية الرائعة لُبابة الهواري لنتعرف عليها أكثر وعلى التحديات التي مرت بها كأم مغتربة.


عرفينا عن نفسك

اسمي لُبابة الهواري أم مغتربة لولدين مراهقين أربيهم بمفردي؛ فقد انفصلت عن والدهم منذ عقدٍ مضى. حائزة على شهادة جامعية في الأدب العربي، وشهادة دبلوم عالي في الطفولة المبكرة. وحالياً أكمل دراسة الماجستير بتخصص أدب ونقد في جامعة قطر. أعمل في مجال الكتابة والتحرير والتدقيق اللغوي إلى جانب عملي كمعلمة. مهتمة جداً في عالم الطفولة؛ فخبرتي بالتدريس كانت ولا زالت في مرحلة الطفولة المبكرة.

كونك أم مغتربة؛ كيف أخذتِ الخطوة الأولى بالدراسة والغربة؟

احتاجت الخطوة الأولى الكثير من التفكير والوقت قبل المضي قدماً بها. فضّلتُ أن أنتظر حتى يبلغ أطفالي عمراً معيناً يمكنّهم من الاعتماد على أنفسهم؛ لأتمكن من متابعة دراستي وفعلاً هذا ما حصل. بالبداية تناقشت مع عائلتي في هذه الخطوة وتلقيت كل الدعم منهم؛ فعائلتي تقدس التعليم ومستعدة للتضحية بالكثير لأجله. وعندما حصلت على مباركتهم؛ تحدثتُ مع أطفالي وأوضحتُ لهم رغبتي بإكمال دراستي وأن هذا يعني انشغالي لبعض الوقت عنهم. ومن هنا بدأت.

كيف أثر قرار دراستك على العمل والأولاد والواجبات المنزلية والعائلة؟

غير قرار الدراسة نمط حياتي أنا وأبنائي؛ فقمت بتبديل تفاصيل بسيطة حتى أحقق التوازن بين كل هذه العناصر. بالبداية وزعت مهام المنزل بيني وبين أبنائي الذين رحبوا بهذا التغيير، ثم استعنت بمساعدة منزلية تأتي لعدة مرات في الأسبوع، واستعنت بالمغسلة القريبة من المنزل لكي الملابس. كما رحبت بمساعدة عائلتي من توصيل أبنائي والطبخ وشراء حاجيات المنزل. قمت بتقسيم الأسبوع حيث أستطيع قضاء الوقت مع أطفالي إلى جانب عمل الواجبات الجامعية. بدأت نهاري مبكراً جداً؛ فكنت أستيقظ في ساعات الفجر الأولى لأستغل وقت نوم أبنائي بالدراسة، وما أن يحين موعد استيقاظهم حتى أكون قد أنهيت ما علي من واجبات.

كوني أم مغتربة؛ قد ساعدتني كل هذه التفاصيل الصغيرة ووفرت لي الوقت الكافي، ومكنتني من تحقيق التوازن بين دراستي وأبنائي وعملي وعائلتي.

حدثينا عن ردة فعل أبنائك كونك أصبحت طالبة مثلهم

قبل أن أصبح طالبة مثلهم؛ تحدثت إليهم وأوضحت لهم أن الدراسة هي الوسيلة لتطوير أنفسنا وتغير مستوى معيشتنا، وأنها السبيل لإنجاز شيء جديد في حياتنا. وبسبب علاقة الصداقة التي تجمعني بهم وحديثنا المستمر عن كل نواحي حياتنا؛ هم على دراية بكل التفاصيل المتعلقة بوضعنا المادي وآمالنا وأحلامنا. وعلى دراية أيضاً أن الدراسة هي السبيل لتحقيق هذه الآمال والأحلام. الشرح والحديث المستمر بيننا سهّل تقبلهم لهذه الفكرة.

لا يخلو الأمر من بعض السخط من طرفهم بسبب انشغالي عنهم في بعض الأحيان؛ ولكننا نعوض كل ما فاتنا من وقت خلال عطلة نهاية الأسبوع التي أخصصها لأطفالي فقط

كيف واجهتِ التعليقات المجتمعية فيما بتعلق بقرارك؟ هل كان هناك أي تعليق سلبي؟

في بداية مشواري واجهت الكثير والكثير من التعليقات السلبية؛ فبحكم حالتي الاجتماعية كأم مغتربة مطلقة، مسؤولة عن كل ما يخص أبنائي من مدارس ونوادي ومتطلبات بالإضافة لعملي ولمهام المنزل؛ سمعت الكثير من العبارات على وزن: “لا تضغطي نفسك أكثر” أو “لم نعد نراكِ” أو “لن يكفيكِ الوقت”!

ولكني أكملت الطريق الذي رسمته لنفسي وحصلت على شهادتي الأولى ونشرت كتابي الأول؛ (نفق من نور – مجموعة قصصية – لُبابة الهواري). وأثبتُّ لجميع من حولي أن هذا الضغط وهذا الانعزال أدى لهذه النتائج المشرّفة. لأتفاجئ بتغير نظرة المجتمع فيما يتعلق بقراري، وبتحول التعليقات السلبية إلى دعم! واستمر هذا الدعم بل وازداد عندما بدأت بدراسة الماجستير رغم صعوبة هذه المرحلة. ولكن التغييرات التي طرأت على شخصيتي وإنتاجيتي وحتى على طريقة الحوار لدي؛ كانت كفيلة بتحويل كل هذه التعليقات إلى دعم.


هل هناك نصيحة توجهينها للأم التي ترغب بإكمال دراستها ولكنها خائفة من أخذ هذه الخطوة؟

إذا كان العائق نفسي فأنصحها بالتجربة. قبل أن تحكم على نفسها وقبل أن تأخذ قرار إنهاء دراستها بسبب رد فعل نفسي معين؛ يجب أن تخوض التجربة أولاً. أما إذا كان العائق مادي فحاولي أن توفري مصدر دخل، وإن لم تستطيعي؛ فتذكري أننا نعيش الآن في ثورة الإنترنت، فلا عذر لجاهل! خصوصاً في ظل وباء فايرس كورونا الذي ساهم بنقل المعرفة لعالم الإنترنت، والكثير من هذه المعرفة مجانية ومتاحة مقابل الإلتزام فقط. ابحثي عن هذه المعرفة واستفيدي منها.

العلم ليس مجرد شهادة؛ ولكن الشهادة هي السبيل لصنع الفارق. فمن أراد العلم سعى له بكل الوسائل وما أكثرها في أيامنا الحالية!

لا عذر لجاهل! بل كأمهات مسؤولات يجب أن نعرف أن لأبنائنا حقٌ علينا أن نكون أمهات متعلمات مثقفات مواكبات للحضارة وللعلم. ومن حق المجتمع علينا أن ننشئ جيلاً متعلماً مثقفاً واعياً؛ ولن يتحقق ذلك إلا بسعينا نحو العلم. فأدوارنا بالحياة ليست محصورة بنا فقط؛ بل تشمل العديد من الأدوار المرتبطة بالمسؤولية المجتمعية والدينية والاجتماعية. فابدأي بدورة قصيرة، ولا تضعي التعب كعذر وعائق أمام دراستك؛ لأن الحياة مليئة بالمتاعب.

اقرأ أيضاً ندى ضياء الدين أم مغتربة وجدت من الغربة حياة

ما دور عائلتك وأولادك في هذا المشوار؟

عائلتي وأولادي خط الدعم الأول في حياتي. لا يخلو الأمر من بعض النزق والتذمر في بعض الأحيان؛ ولكن مع رؤيتهم للفرق الإيجابي والنجاحات التي حققتها إلى الآن والتي انعكست بشكلٍ إيجابي على عدة نواحي من حياتنا، زاد دعمهم وتشجيعهم وتقبلهم للموضوع.

من ملهمك بالحياة؟

لا يوجد ملهم واحد في حياتي بل عدة ملهمين. أنظر إلى كل قصة نجاح وأتعلم من بطلها المثابرة والإصرار. تأثرت بشريحة كبيرة من الأشخاص الناجحين الذين كان لهم الدور الكبير بشحذ همتي وتشجيعي على ترك بصمتي بصنعهم هذا الفرق الرائع بالحياة.

كيف تحققي التوازن بين صحتك النفسية ومشاعرك، وبين المسؤوليات والعمل والشعور بالذنب؟

ساعدتني الكتابة على التحرر من أزمة المشاعر التي كانت تزورني في بعض الأحيان. كما تعلمت من الدكتور “مأمون مبيض”؛ أن الشعور بالذنب لن يغير الواقع بل التركيز على الهدف الذي نسعى لتحقيقه و بذل الجهد لقضاء وقت نوعي مع أبنائنا سيخفف من وطأة الشعور بالذنب. قصرتُ قليلاً بحق بيتي دون شك؛ ولكن مع توزيع المهام على أيام الأسبوع حققت التوازن بالنهاية. ولا أنسى الأثر الطيب في نفسي الذي تركه حديثي مع أصدقائي عند مواجهتي وقتاً عصيباً. كما كان البكاء أو مشاهدة فلم وسيلة جيدة لتخفيف هذه الضغوطات.

حدثينا عن التوتر والقلق الذي مر في حياتك وكيف تعاملت معه. هناك مصطلح “الاحتراق النفسي – Burnout” هل مررت به؟

أنا لُبابة الهواري؛ شخصية ميالة للمثالية وكنت أعاني من صعوبة فهم مشاعري تجاه هذه النزعة! إلا أن اكتشفت من خلال دراستي وجود هذه الحالة لدي. هذا الاكتشاف سهل علي وساعدني على فهم ذاتي أكثر؛ بالبداية خفضتُ سقف توقعاتي قليلاً، فمثلاً تغاضيت عن ترتيب المنزل في بعض الأيام كما توقفت عن التفكير بإحراز علامة مثالية! خففتُ من الاحتراق النفسي بكتابة كل ما يعلق بذهني وترتيب أفكاري على الورق، واستعنت في بعض الأحيان بكيس ملاكمة أفرغ فيه غضبي وتوتري. كما أن القيادة لساعتين ساعدتني على تصفية ذهني والمضي قدماً.


اقرأ أيضاً قصة نجاح أم وريادية أعمال عبير مخامرة

1 التعليق

  1. […] اقرأ أيضاً قصة نجاح أم مغتربة لُبابة الهواري […]

اترك التعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

0
0