كلنا أمهات: قصة نجاح ملهمة | أم تنتصر على اضطراب القلق وتحقق ذاتها
نمرّ كأمهات بمراحل من حياتنا، نتساءل كيف تجاوزناها؟ وكيف أصبحنا ما نحنُ عليه الآن؟ وقد علقت في ذاكرتي كلمة قالتها بطلة قصتنا اليوم “تعلمتُ أن الصبر والإصرار والاستمرارية والمثابرة والشجاعة، عناصر فعالة لتحقيق الأحلام وبلوغ المراد.” وبدا لي أن التجارب الصعبة قد تتحول إلى مخزونٍ نستمد منه الطاقة حين ننتصر عليها.. لذلك يسعدنا في موقعنا أن نشارككم قصة تشبه واقعنا جداً نعرف منها كيف تغلبت بطلتنا على اضطراب القلق، وألهمتنا لتكون قصة نجاحٍ منيرة.
أولاً: عرفينا عن نفسك
أنا صورية نواري غربي، وأُعرف بين الناس باسم “سارة”، كاتبة ومحاضرة وأم لأربعة أطفال، بدأت قصتي حين تزوجت في سن التاسعة عشر مقررةً الاستمرار في الدراسة وتحقيق حلمي..حتى أنجبتُ طفلي الثاني وشاءت الأقدار والظروف أن نسافر للسعودية ونستقر فيها قبل إنهائي للمرحلة الجامعية.. وهنا بدأت تظهر التحديات في حياتي بشكلٍ جليّ خاصةً بعد إنجابي للطفل الثالث.. فكنتُ ما زلتُ أحلم بالعودة لإكمال دراستي والحصول على شهادة البكالوريوس لكن الظروف حكمت.
ثانياً: سارة، عرفنا أنكِ نجحتِ في تحقيق حلمك، أخبرينا عن رحلتك أكثر، ما العوائق التي واجهتك وكيف تخطيتها؟
في الحقيقة دائماً ما كان موضوع الرجوع لإكمال دراستي الجامعية موضع اهتمامي.. وعند إنجابي لطفلي الثالث كنت أرى أن عليّ تغيير واقعي.. لكن العائق كان أنّ الجامعة لن تقبل بمعادلة المواد بل سيتحتم عليّ دراسة التخصص من الصفر، وقد كنتُ قطعتُ أكثر من منتصف الشوط في بلدي.. لكنني واجهتُ الأمر ولم يكن لدي خيار آخر سوى القبول والبدء من جديد.. وبالفعل تم الأمر وكنتُ سعيدة جداً رغم ازدحام برنامجي اليوم وتطوعي في تقديم المحاضرات في النوادي حتى حملي الرابع الذي شكّل نقطة صعبة جداً تحول بيني وبين حلمي.
ثالثاً: أخبرينا أكثر سارة عن حالكِ في الحمل الرابع خاصة مع عودتك لمقاعد الدراسة؟ وهل كان الأمر أفضل بعد الولادة أم أن الأمر ازداد صعوبة؟
يمكننا القول أنني عانيتُ في الحالتين، أثناء الحمل وبعده.. فقد دخلت للمستشفى مراراً كثيرة حتى وضعتُ ابنتي بخيرٍ وصحة.. وبعد الولادة كنتُ قد اخترت إكمال دراستي دون تأجيل.. كوني قد استشرت صديقاتي اللواتي أشرن إلي بأنني قادرة على تنظيم وقتي وإدارته.. وقد رأيتُ فيما بعد أن قراري كان خاطئاً..لأنني وقتها لم أكن أستطيع النوم، عدا عن بقية أبنائي الذين أحضرهم للدراسة والمدرسة.. بالإضافة لأعمالي المنزلية ودراستي، وهنا يمكنني القول أنني وصلتُ للاحتراق بشكلٍ تدريجي حتى انطفأتُ تماماً.
رابعاً: بما أنكِ وصلتِ لمرحلة الاحتراق، أخبرينا أكثر عن أعراض هذه المرحلة وكيف استطعتِ تخطيها؟
في الحقيقة كانت مرحلة قاسية جداً.. كنت أعاني من الأرق فلا أستطيع النوم لأيام متواصلة، بالإضافة إلى فقدان الشهية والتركيز والفرط في التفكير، والنفور من الدراسة وفقدان المتعة تماماً حتى في أيام العطل، وبعد فترة من المعاناة أخذني زوجي لأخصائي نفسي وكان له الفضل في تخطي هذه المرحلة، حيث تشخصت باضطراب القلق وبدأت بتلقي العلاج.. وأخذت إجازة من الدراسة وقمت بتأجيلها حتى أستطيع الاهتمام بأطفالي، ورغم قساوتي على نفسي وجلدي ولومي لذاتي على تحولي من شخص إيجابي إلى سلبي.. إلا أنني وجدت الدعم من زوجي الذي اصطحبني لأداء مناسك العمرة وحدثني كثيراً وكثيراً عن الأمل.. وهكذا حتى عدتُ تدريجياً لطبيعتي ودراستي.. فقمتُ بالاكتفاء بمواد قليلة لأحرز العلامة الكاملة وأتشجع على المواصلة.. والتزمتُ بعادة المشي فأصبحت جزءاً من يومياتي وشاركتُ في سيدات الصحة السعودي وفزت في بطولة المشي لمسافات طويلة.. ولم أستغني عن مهارة التفويض التي ساعدتني كثيراً على توزيع المهام بين أفراد الأسرة.. بالإضافةِ بالطبع إلى أنني خصصتُ وقتاً للقرآن الذي كان مغذياً لروحي باستمرار.
خامساً: سارة بعد الانتصار على اضطراب القلق، حدثينا عن أكبر إنجازاتك التي تفخرين بها الآن
بحمدٍ من الله وبعد تخرجي بدرجة امتياز.. حصلتُ على شهادة دبلوم مدرب دولي في الاستشارات الزوجية والتربوية متقدم ومعتمد من كامبردج وبوسطن.. بالإضافة إلى نشري لأبحاثي التي كنتُ قد قدمتها بالجامعة في كتاب بعنوان “موسوعة الدين والدنيا” والذي أفكر في إعادة إخراجه ليكون أكثر ثراءً وغزارة بإذن الله. أما الآن فقد استأنفتُ العمل التطوعي وتقديم الورشات التثقيفية.. فقدمتُ مشروع العمر، أسرار السعادة من القرآن والسنة والدراسات الحديثة، ووقتك حياتك.
أخيراً سارة، ما هي رسالتك الأخيرة التي تودين تقدميها للأمهات؟
هناك الكثير من المهارات التي تمكنك من الوصول إلى مبتغاكِ من غير خسائر، ومنها، أولاً: أن تستثمري في عقلك، بأن تتعلمي كل ما يمكنه مساعدنكِ كأم وزوجة وموظفة، وثانياً: أن ترتبي أولوياتك ولتكن صحتك وعائلتك أولاً لتستطيعي تحقيق أهدافك، وثالثاً: ألاّ تبدئي يومك قبل أن تنهيه، فمن الضروري جداً أن يكون هناك تصور ذهني لمجريات يومك حتى تحققي مزيداً من الإنتاجية والرضا الداخلي، ورابعاً: أن تمارسي مهارة التفويض، وخامساً: أن تحتوي نفسك وتغفري لها وتتقبليها، وسادساً: أن تثقي بأن الله قادر على تبديل حالك إلى أفضل حال.
وفي ختام مقالنا، شكراً حقيقية وقلبية جداً لسارة.. لقد مثلتِ واقع كل أم قد تمر بظروفٍ مشابهة.. وكنتِ خير مثال شجاع ومقدام رغم الصعوبات والظروف، وكُلّي أمل بكِ وبكل أم، لأنكنّ قادرات على المضي والمواجهة، الأمر ليس بالشيء الصعب طالما أنكِ أم. شكراً سارة، حظاً طيباً.
لمزيدٍ من قصص أمهاتنا الملهمة
