كتبت هذه المقالة: ربا أبو عبيد الله وقامت بتحريرها: سارة لولو.
عندما يكون الحافز والشغف أسمى من كل الضغوطات والتحديات والإحباطات، تتحول الرحلة المليئة بالتحدي إلى رحلة نجاح وتألق. تأخذنا الأمومة لمطارح عدة حتى نصل لمرحلة نستطيع بها فهم أنفسنا أكثر واستيعاب رسالتنا من الأمومة.
قصة لانا أبو قلبين هي مثال حي على أن الإصرار وصدق النية هما الطريق الأمثل لأمومة واعية، وشغف مصقول بالتميز. هذه المقالة لكل أم تواجه تحديًا بين الأمومة والعمل، أو انقطعت عن العمل وتعتقد بأنها لا تستطيع أن تكمل حلمها. وإجابة على السؤال الأهم هل يمكن أن أوازن بين الأمومة والطموح؟
من هي لانا أبو قلبين؟
اسمي لانا عصام أبو قلبين، مقيمة بدبي، ولدي ثلاثة أطفال، الأكبر بعمر 10 سنوات والأصغر توأم بعمر 7 سنوات. كما أعمل حاليا كخبيرة في مجال الاستدامة (Expert in the Sustainability of the Build Environment).
أعمل أيضًا ككاتبة قصص أطفال، فقد أتممت كتابين، الأول عن سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وقد نجحنا في بيع 3000 نسخة خلال سنتين. أما كتابي الثاني والذي يطرح قصص أولى العزم من الرسل فإنه في مرحلة الطباعة حاليًا. وقد حرصت أن تكون الكتب معروضة بتقنية (Open Flap Book) حتى تكون مسلية وتفاعلية للأطفال.
حدثينا عن تحديات العمل والأمومة، عن تجربتك في ترك العمل والعودة له بعد 7 سنوات.
تخرجت من الجامعة الأمريكية بالشارقة في تخصص الهندسة المعمارية سنة 2011، وبعدها بأسبوعين تزوجت وانتقلت للعيش بجدة، حيث مكثت 8 شهور ثم بدأت العمل بمجال تخصصي، وعلى الرغم من عدم وجود أطفال في ذلك الوقت، إلا أنني وجدت ساعات العمل طويلة جداً، فأنا أؤمن بضرورة إيجاد بعض التوازن بين العمل والعلاقات الاجتماعية والاهتمام بالصحة، وإيجاد، وقت للعبادات، والتعلم. وبعد عامين من العمل، شعرت أنا وزوجي بأننا جاهزون للانتقال لمرحلة جديدة، لأن نكون أبوين، وفي الحقيقة لم أتقبّل فكرة عملي بدوام كامل في الوقت الذي أحاول فيه الحمل والإنجاب، وهو الأمر الذي لم أعتد عليه من والدتي والتي كانت ربة منزل، فشعرت أنني لا أستطيع تقبل فكرة ترك طفلي بحضانة أو مع مربية تهتم به.
يمكنك البدء من جديد!
وبعد أن رزقت بأبنائي، وصار أصغرهم بعمر السنتين شجعتني والدتي على إيجاد شيء لنفسي أعمله وأستمتع به. وهنا بدأت رحلة البحث عن شغفي مجددًا، فقد كنت أحلم بتخصص طب الأطفال، إلا أنني اتجهت للهندسة والتي استخدمتها لأمور تهم الأطفال، متل تصميم مساحات آمنة للأطفال، وتهيئة بيئة آمنه لهم. وبعد البحث قررت دراسة الماجستير بدوام جزئي الأمر الذي لم يكن سهلًا رغم دعم زوجي لي، إلا أنني استمريت بالدراسة.
بعد ذلك كانت جائحة كورونا التي حولت الدراسة لتكون عن بعد، الأمر الذي تماشى مع رغبتي بالبقاء مع أطفالي بالمنزل. وبعد التخرج بدأت رحلة البحث عن عمل بمجال المدارس الخضراء. تواصلت مع مجلس الإمارات للأبنية الخضراء وطرحت عليهم أفكار لتجديد الدراسات والأبحاث.
بعد فترة تواصلوا معي لمقابلة عمل، وعندما سُئِلت عن فجوة السبع سنوات أجبت بأني كنت منشغلة بتربية أبنائي. بكل وضوح!
كيف تشجعين الأمهات على العودة بعد انقطاع طويل؟
كتبت بفخر عن إجازة الأمومة التي استمرت سبع سنوات عبر حسابي لينكدإن، لأنني أرى أن توقف المرأة عن العمل لبضع سنوات لا ينقص من مهاراتها ومن قدرتها للعودة للعمل والإنتاج. هذا مر هام على الأمهات إدراكه وعلى أصحاب العمل تقبّله جيدًا، ولا بد من إعطاء المرأة فرصة للعودة للعمل.
ومن أهم النصائح التي أقدمها للأمهات هي:
- علاقة الشخص مع ربه وإخلاص النية بالعمل عامل قوي للنجاح والقدرة على الاستمرار. بجانب تنطيم الوقت واستغلال ساعات الصباح الأولى والتي تحمل قدرة إنتاجية عالية وتساعد على أن يكون يومك فاعلًا.
- طلب المساعدة من المحيط والمقربين لك سواء الوالدين أو الشريك، حتى يستطيعوا أن يقدموا الدعم اللازم ويتفهموا حاجتك في كل مرحلة.
- كوني رحيمة بنفسك. أرى أنه على الأم أن تختار ما تستطيع عمله في كل مرحلة وليس ما يجب عليها عمله. فعندما قررت إكمال الماجستير أخذته بدوام جزئي حتى يتسنى لي الاهتمام بتفاصيل أبنائي وأسرتي.
رسالتك للأمهات عن أهمية المرونة بين الحياة المهنية والأسرية
لطالما كان هذا الجانب يشغل تفكيري، فأنا أرى أن أحد أساسيات العلاقة بين الموظف والعمل هو الوضوح والمصداقية.
والذي جعل تجربتي في العمل إيجابية هو حرصي على الوضوح والشفافية منذ البداية مع الإدارة ومدراءي، فألتزم بعملي وأسعى لتقديم أفضل ما لدي، إلا أن هذا لن يكون على حساب التزامي بعائلتي وأطفالي. أؤمن بأن التواصل الفعّال هو المفتاح لضمان وضوح التوقعات لكلا الطرفين، فمثلاً في حالات الطوارئ، أطلب إذناً بوضوح وأحرص على إبلاغ زملائي بسبب مغادرتي وبأنني سأكون متاحة إن اقتضت الضرورة ذلك. وأشجع الأمهات والنساء على تبني هذا النهج لتحقيق توازن ناجح بين العمل والحياة.
إن كنتِ انقطعتِ عن العمل لرعاية أطفالك وقررت العودة للعمل أو ترغبين في تغيير المسار الوظيفي:
كارير كوتش نادية مرعي أخصائية الإرشاد المهني الوظيفي ستساعدك في:
- الحصول على المساعدة في تعديل السيرة الذاتية باحترافية.
- الحصول على المساعدة في الاستعداد لمقابلات العمل.
- الحصول على نصائح لتغيير الوظيفة والمسار المهني بشكل عام.
ما هي رسالتك للمؤسسات والشركات تجاه الأم العاملة؟
لو كانت ظروف العمل مختلفة، هل تعتقدين أن الأمر سيختلف معك؟
بالتأكيد لو تهيأت بعض الظروف لكان البقاء في العمل في بداية الأمومة أمرًا أسهل. أعتقد أن توفر حضانة في مقر العمل يعد عاملًا إيجابيًا على أداء الأم العاملة عندما تشعر الأم أن طفلها قريب منها وأن بإمكانها الاطمئنان عليه بسهولة. بالإضافة لتوفير مكان مناسب للرضاعة الطبيعية إذا اختارت الأم ذلك. كما أن المرونة مطلوبة من الطرفين، فإذا تقبل رب العمل فكرة العمل لساعات أقل أو تخفيف المهام الوظيفية؛ فعلى الموظفة تقبل فكرة خصم جزء من الراتب مقابل البقاء بعملها بمتطلبات مرنة. وقد تستطيع بعض الشركات توظيف متدرب في هذه الفترة للمساعدة في إنجاز بعض المهام.
هل يمكن أن نصنع المال من أحلامنا؟ كيف يمكن للشغف أن يكون مصدر دخل؟
تحويل الشغف لمصدر دخل ممكن جدًا، ولكنه ليس بالأمر الهين. فقد بدأت بكتابة بعض الأفكار والقصاصات لكتابي الأول منذ زمن بعيد. وعندما قررت جمع هذه الأفكار بكتاب وأطلعت الكاتبة سحر نجا محفوظ والكاتبة ميثاء الخياط عليه شجعنني كثيرًا على نشره، وهنا بدأت رحلة البحث عن تصميم ودار نشر وتمويل للكتاب. بدأت مع مصممة ناشئة وصممنا النسخة الأولى وأخذها لدور النشر إلا أن الفكرة رفضت، الأمر الذي شكل إحباطًا كبيرًا لي حينها.
اخترت أن أكمل وألا أستسلم!
ثم قررت استخدام جزء من مدخراتي والتواصل مع علي بابا لطباعة الكتاب، وفعلاً طبعت نسختين منه وعرضته على دار لؤلؤ للنشر والتي أبدت استحسانًا للكتاب، وبفضل دعم عائلتي تمكنت من تمويل ونشر وطباعة الكتاب! وكم كانت سعادتي بالغة وأنا أرى نسخ الكتاب تصل إلى مختلف الدول.
في لحظات الإحباط والتعب، أعود لأذكر نفسي بالهدف الذي جعلني أكتب. كان هدفي توفير مادة تعليمية ممتعة للأطفال عن الأمور الدينية، الأمر الذي كنت أريده وبشدة لأطفالي ولأطفال العالم، فلولا وجود هدف أكبر من كل الإحباطات لما استطعت الاستمرار.
رسالة ختامية للأمهات الجدد في بداية طريق الأمومة؟
أهم رسالة بنظري هي أن تستمع بهذه التجربة إلى أقصى مدى وألا تشعر بالندم لتركها للوظيفة أبدًا.
أطفالك في هذه المرحلة هم الأحوج إليك. وعندما يكبر الطفل ويذهب للمدرسة ستجد الأم متسعًا من الوقت للعودة للتعلم والعمل. ترتيب الأولويات وإعطاء كل ذي حق حقه هو دعامة للاستمرار.
الأمومة والطموح يتقاطعان كثيرًا، وقد تكون الأمومة هي الملهم والحافز والدافع لتحويل الطموح إلى حقيقة ونجاح باهر.