مدح الطفل وأثره على الأطفال

أمومة وتربية

مدح الطفل وأثره على الأطفال

pexels-vlada-karpovich-4617295

يحب الأطفال أن يقال لهم كم هم رائعون، وكم نحن فخورون بهم. أليس كذلك؟ ولكن عندما يتعلق الأمر بمدح الطفل؛ فهناك ما هو أكثر من مجرد تعزيز احترام الذات، بل هو وسيلة فعالة لتشكيل سلوك الأطفال، وتعزيز الجيد منها. يعتبر الأطفال المديح مكافأة في حد ذاته، والثناء هو وسيلة لمساعدتهم على معرفة أنواع السلوكيات المقبولة، حتى منذ الأيام الأولى. وقد نقوم كوالدين؛ باستخدام المدح المبالغ فيه في بعض الأحيان، دون أن ندرك سلبيات هذا النوع من المدح – المدح الكاذب – على الطفل.

لنتعرف معاً على الآثار الإيجابية والسلبية لمدح الطفل، ولنتعرف على أفضل طريقة لمدحه وتشجيعه دون أن نقوده إلى الغرور.

ما هي أفضل طريقة لمدح الطفل؟

ينصح عالم النفس إيدي بروميلمان، بالتراجع والتفكير في الرسالة التي نقدمها لأطفالنا كمربين؛ وذلك  حتى لا نضع معايير عالية جداً للأطفال؛ لدرجة أن يخشى طفلك الفشل في المثول إلى هذه المعايير في المستقبل.

أيضاً؛ يجب أن ننتبه جيداً للصفات التي نختار الثناء عليها. هناك فرق شاسع بين مدح الطفل لقدراته المختلفة التي حباه الله بها، كأن نمدح ذكائه؛ وبين مدح الجهد الذي بذله الطفل. مثلاً: “لقد عملت بجد على هذا المشروع”.

في إحدى التجارب

 عندما تم الثناء على الأطفال إما لعملهم الشاق أو لكونهم أذكياء؛ لعب الأطفال “الأذكياء” بأمان، واختاروا المهام التي يعرفون حقاً كيفية القيام بها، وكانوا أيضاً أكثر حزناً إذا فشلوا. على ضوء ذلك؛ إن مدح ذكاء الطفل يمكن أن يعلمه أن هذه سمة ثابتة، لا يستطيع السيطرة عليها. أيضاً؛ يمكن أن يجعله ذلك حذراً من تجربة أي شيء جديد، خوفاً من عدم امتثاله لتلك المعايير العالية. لذلك من الأفضل أن نقوم بالتركيز على العمليات التي يمر بها الطفل لتحقيق شيء ما. كأن نقول: “أنا معجب حقاً بكيفية تركيزك على ذلك”! أما في حال أخطأ الطفل، يجب أن ننتقده نقداً بناءً، وأن نقدم له النصح حتى يتعلم كيفية تجنب هذا الخطاً في مرات أخرى. 


المدح والنقد البناء

يعتمد النقد البناء على عمر الطفل. فنجد أن أي نوع من أنواع المديح يحفز الأطفال في سن ما قبل المدرسة. ولكن عندما يصبحون أكبر سناً قليلاً، فإن الخفايا الدقيقة من المديح؛ هي كل ما يهم في مدح الطفل الصغير.

سنذكر لكم مثالاً

قامت عالمة النفس جينيفر هيندرلونج كوربوس؛ بعمل دراسة مع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 9 و 11 عاماً. حيث أعطتهم لغزاً وطلبت منهم أن يقوموا بحله. ثم أثنت عليهم عليهم بأن قامت بمدح شخصية البعض، ونتائج البعض الآخر، أو الطريقة التي تعاملوا بها مع المهمة. ووجدت أن الأطفال الذين تم مدح شخصيتهم في بداية الدراسة، لم يتعاملوا مع الفشل بشكل جيد. وأن من تم مدح طريقته في حل اللغز، بذل جهداً مضاعفاً. وأن من تم توجيهه باستخدام النقد البناء؛ حل اللغز في المرة الثانية وتجنب الأخطاء التي وقع بها في المرة الأولى.


الأثر الإيجابي للمدح على الطفل

لنستذكر معاً قصة العالم أديسون! 

اتهمت معلمة الطفل أديسون بالغباء! وقامت بإرسال رسالة إلى أمه كتبت فيها: “ابنك غبي جداً، فمن صباح غد لن نُدخله المدرسة”. قامت والدته بقراءة الرسالة لطفلها بصوت عالٍ قائلة: “ابنك عبقري والمدرسة صغيرة عليه وعلى قدراته، عليك أن تعلميه في المنزل”! في هذا الموقف، حوّل المدح الطفل الصغير إلى عالمٍ عظيم.

بغض النظر عن ثبوت هذه القصة؛ إلا أنها تمثل رؤية تربوية ربما تستدعي التوقف عندها ليتأملها المربين؛ آباء وأمهات، معلمون ومعلمات! فالنقطة الأولى التي تحدد نظرة الطفل إلى العالم من حوله، هي نظرته لنفسه. ونظرته لنفسه تُبنى مبكراً من خلال مشاعر الآخرين تجاهه، وخاصة القريبين منه، التي يتم التعبير عنها بالمدح والثناء والتشجيع.

حينما نمدح الطفل مدحاً واعياً متوازناً، فإننا ندفعه للنجاح وتحقيق الأهداف. كما نحثه أيضاً على السلوك الحسن، ونبعده عن السلوك الذي قد يضره.


الأثر السلبي للمدح المبالغ فيه على الطفل

المدح المبالغ فيه أو المدح الكذاب أو حتى المدح الزائد؛ كل هذه المصطلحات تصب في معنى واحد، وتؤدي إلى نتائج غير محمودة! فالمدح المبالغ فيه قد يؤثر على احترام الطفل لذاته، وقد يؤدي إلى اكتساب الطفل صفة الغرور غير المحبذة، وأيضاً قد يوقع الطفل بهشاشة نفسية على المدى البعيد.

كيف ذلك؟ 

إن المدح المبالغ فيه، قد يؤثر بقدرة الطفل على الاعتراف بأخطائه، مما يؤدي إلى عدم تحمله مسؤولية سلوكه على المدى البعيد. كما أن المدح الكذاب، يخلق طفلاً غير قادر على تحمل النقد البناء أو تقبل النصيحة.

يقول الدكتور اسماعيل عرفة في كتابه “الهشاشة النفسية”: أن هذا الهروب الدائم من محاسبة النفس، يجعل المرء ضعيفاً أمام أي نقد يوجه إليه. مما ينتج جيلاً يتأذى من أدنى إشارة سلبية له! وهذا أحد عوامل تعزيز ما نراه اليوم، من جيل غير مسؤول عن تصرفاته ولا يريد أن يواجهه أحد بعيوبه.

وأيضاً يقول

أننا أسهمنا أحيانا في تخويف أطفالنا من فكرة النقد، وحميناهم من تحسين مظاهرهم وتصرفاتهم، من خلال المدح المبالغ فيه، وبحجة الحفاظ على حالتهم النفسية. فكانت النتيجة أننا خلقنا جيلاً من رقائق الثلج، الذين يتوقعون معاملة ملكية في شتى نواحي حياتهم.


طرق فعالة لمدح الطفل بشكل إيجابي

1. مدح الطفل بناءً على مدى أدائه الجيد مقارنةً بنفسه – وليس بالآخرين

المديح على أساس التفوق على صديق أو زميل في الفريق، يمكن أن يجعل الأطفال يشكون في قدراتهم. كأن نقول: “أنا فخور جدًا بك لتعلمك كيفية تهجئة مثل هذه الكلمات المخادعة!” هي أفضل من: “أنا فخور جدًا بك لأنك تأتي في المرتبة الأولى في التهجئة”.

2. الابتعاد عن المدح المبالغ فيه

لقد سمعنا جميعًا هذا النوع من المديح؛ مثل: “أنت ذكي جدًا ، جميل جداً، ومثالي!”.  فقد وجد الباحثين، أن هذا النوع من المدح المفرط؛ لن يساعد كثيرًا في تحفيز الأطفال. بل يمكن أن يجعل الأطفال أقل عرضة لمواجهة تحديات جديدة، لأنهم سيعتقدون أنه يتعين عليهم تلبية معايير عالية حقًا.

3. التركيز على المجهود الذي يقوم به الطفل عوضاً عن النتيجة

مثلاً: إن كان طفلك بدأ للتو بتعلم مهارة رياضية جديدة كالسباحة؛ حفزه فيما يخص الجهد الذي يبذله في سبيل التعلم. كأن نقول: “أرى أنك تبذل جهداً جميلاً لتتعلم هذه المهارة، استمر بذلك”.

4. كن صادقاً في مدحك

هل تعلم أن الأطفال يكتشفون المدح الصادق من غيره؟ لذلك؛ كن صادقاً في مدح الطفل، ولطيفاً بانتقاء كلماتك. كأن تقول: “أعلم أن هذا اللغز صعب، وأنا فخور بك لإصرارك على حله”. الصدق في مدح الطفل سيزيد من ثقته بك وبنفسه.

5. مدح السلوكيات والتصرفات الصغيرة التي يقوم بها الطفل

إن مدح سلوكيات الطفل وتصرفاته الصغيرة؛ من أكثر أنواع المدح الإيجابي! بهذه الطريقة نعزز السلوك الإيجابي لدى الطفل، ونشجعه عليه. مما يزيد من ثقته بنفسه، ويساعده على تطوير مهاراته وقدراته. مثلاً: “أنا فخور بك بسبب الطريقة اللطيفة التي تعاملت بها مع أختك”.

6. تجنب مدحه بسبب الصفات والقدرات التي حباه الله بها

فهذا النوع من المديح، سيخلق معتقدات وأفكار مغلوطة داخل طفلك. سيشعر أن حبك له مشروط ومرتبط فقط بهذه الصفات والقدرات! بابا يحبني لأني جميل، ماذا لو فقدت جمالي؟

7. مدح الطفل أمام الناس

قد يساوي الثناء العام ضِعف الثناء الخاص في الكثير من الأحيان! فإن كان مدح الطفل أمام الناس بنفس قدر مدحك إياه في باقي الأوقات، وإن كان لا يسبب له الإحراج؛ فلا ضير منه ولكن دون مبالغة أيضاً.

اقرأ أيضاً كيف أتعامل مع الطفل العنيد قوي الإرادة؟ 

اترك التعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

0
0