ميرا حوراني تروي قصة والدها

ميرا حوراني، مؤسسة موقع أمهات، تروي لنا قصة والدها، غسان حوراني.

كل فتاة بأبيها معجبة، واليوم ميرا حوراني، في قالبٍ شخصي تشاركنا سرَّ إعجابها بوالدها بمناسبة يوم الأب. وتخبرنا من أين ورثت القوة، الإحسان وهذه الشخصية المعطاءة.

ما الذي وجدته ميرا في والدها؟

تُخبرنا ميرا أنها وجدت في والدها قدوةً كبيرة. وأنه كان يمكن لوالدها أن يكون ذلك الطفل المدلل في عائلته، لكنه اختار أن يشق طريقه بيده. اعتمد على نفسه من سن مبكرة وتميز في دراسته ولم يتوقف عن السعي رغم كل التحديات. فقد قدم لمنحة دراسة البكالوريوس في جامعة بريطانية مرموقة، جامعة ليدز (University of Leeds) وبالفعل حصل عليها وتخرج متفوقاً وظل يعمل لما يقرب السبع سنوات قبل عودته للأردن.

اختار والدي ألا يتوقف، وأن يكملَ في السعي إيماناً منه وعزيمة يُعرف بها الرجال.

تكمل لنا ميرا الحديث عن مسيرة والدها المهنية، لنرى أنه لم يقبل للتحديات أن تكون عائقاً يقف أمامها ويستسلم. حينما عاد من الأردن، لم يكن القطاع الذي يعمل فيه منتشراً بعد، ما شكل تحدياً أمامه. عمل في أحد البنوك ثم توقف عمل البنك، توظف في شركة لم تستمر طويلاً. كان من الظاهر أنه يخسر عملاً تلو الأخرى، رب أسرةٍ اجتهد على نفسه لن يتوقف عند هذه النقطة. أكمل السعي من منطلق الإيمان بأن الرزق بيد الله. وهذه قناعة من الصعب أن يتحلى بها أحدنا في ظل متطلبات الحياة الكثيرة. هذه القناعة شكلت لدى ميرا وإخوتها كنزاً حقيقياً.

لم تكن غربةُ غسان حوراني عائقاً أمام الأبوة 

تزوج في الأردن، لكن طبيعة عمله حتمت عليه السفر مطولاً، والعمل لساعاتٍ طوال. هذا الأمر لم يمنعه لكي يكون أباً عظيماً، فهو يدفع تكاليف غربته من أجل عائلته. وهنا جاء الدور الهام لزوجته في غيابه، التي أخذت دور الاهتمام في الوقت الذي يغيب فيه عن عائلته.

تخبرنا ميرا حوراني وهي تروي قصة والدها: ” أذكر أنه استمر على مهاتفتنا يومياً، اتصالات مستمرة، ووجوده في اللحظات الهامة دوماً لا ينسى. يعود للبيت كل شهر لمدة ثلاثة أيام تقريباً، لكننا لم نشعر بأنه غير موجود في الوقت الذي لا يتواجد فيه جسدياً. كان يقوم بتحضير الفطور يوم الجمعة بكل حب، ويهتم بأن تجتمع العائلة ليلة الخميس. كان حنوناً وملهماً، حاضراً مهما غاب.”

احترام حوراني للمرأة:

امتلك حوراني احتراماً قوياً تجاه المرأة، سواء تجاه أمه، زوجته أو ابنته.

حينما تزوج، قرر أن تعيش والدته معه لأنه شعر بأنها بحاجة لذلك. تكمل ميرا حوراني: “اتصف أبي بأنه مطيعٌ جداً لجدتي، كان يقدم لها الأفضل. حينما تحتاج إلى طبيب يتوجه بها إلى أفضل استشاري وأفضل مشفى. فقد علمنا المعنى الحقيقي لحب الوالدين ورضاهم، وقد أورثنا هذه المعاني”.

دعم الزوجة:

تصف لنا ميرا علاقة والديها قائلة: “كانت العلاقة بين أبي وأمي، تربطها الثقة، الاحترام والتقدير. هذه الصفات شكلت لنا معاني العائلة الحقيقية التي تترجم إلى شعور الحب، الدفء والأمان.”

لم يتوقف حوراني عن دعم العائلة، فبعد 13 سنة من الزواج وبعد ولادة الابن الثالث، شجع زوجته لكي تكمل دراستها. “تكفل بكامل ما يلزمها وقام بتوفير ما تحتاجه لكي يسهل الأمر ويكون يداً مساندة. ليس هذا فحسب، بل أشعرها بفخره وأقام لها حفلة يحتفل بنجاحها رامياً وراء ظهره أي أصوات خارجية متهكمة أو تقلل من شأن ذلك.”

المال وسيلة وليس غاية

حينما سألنا ميرا حوراني عن أهم الدروس التي تعلمتها من والدها: “أهم الدروس التي تعلمتها منه، أن المال لم يكن يوماً السبب الحقيقي والوحيد للسعادة. نشأنا في بيتنا وقد تدرجنا مستوى المعيشة، كان هنالك الوقت الذي لم يكن المال وفيراً لكننا كنا” سعداء، ولم نشعر بالهم. كانت السعادة موجودة في داخلنا، تلك التي تبقى أقوى من أي شيء ظاهري.”

لقراءة قصة ملهمة أخرى:  أم ملهمة في الغربة وصانعة محتوى أمومة

الامتنان على النعم:

“كبرنا ندرك ما هو المهم في هذه الحياة وأن المال وسيلة وليس هدفاً وغاية. وهذه القناعة لربما من الصعب جداً الإيمان بها في زمن ماديّ، تكون فيه طبيعة حوارات الأشخاص حول: ما ثمن هذه القطعة وأين تسكن وكم تجني من المال.

علّمنا بأنه لم يكن مهماً ما نملك، بل المهم أن نحمد الله على نعمه وأن نكون ممتنين بالذي بين أيدينا، وأي زيادة عن ذلك فهو خير وبركة.”

هذه هي حكاية هذا الرجل المُلهم، التي عرفناها من ميرا حوراني وهي تروي لنا قصة والدها، الذي حمل في عمره تفاصيل ثرية وقيم تُدرس.

كان يعلم جيداً أن لكل فعل رد فعل، فعطاؤه بين أولاده أنجب طموحين ومتميزين ينقلون ما تعلموه لأبنائهم.

وأن إخلاصه في العمل، جعل من يعمل لديه يقول: بأننا ممتنون لكل علم حصلنا عليه من خلاله.

وأن دعمه لزوجته، جعلها تقول: الكثير مما أنا عليه الآن، هو ثمار دعم أبيكم لي.

لاشك بأن هناك المزيد من التجربة التي يمكن أن نتعلم منها. والأكيد أن هذه الدروس لا يمكن أن نجدها في أي مدرسة، بل نحصل عليها حينما نستمع لهكذا تجربة. مدرسة الحياة أكبر مدرسة، ومَن أحسن فيها ظل أثرُه طيباً أبدَ العمر.

وغسان حوراني مثالٌ للمُحسِن في مدرسة الحياة.