هل تعرف ما هو الخوف حقاً؟ هل تستطيع أن تميز الخوف حين يزورك؟ أتشعر أنك قادر على التعامل معه؟ هل تميز الدور الذي يلعبه في حياتك؟
الخوف؛ هو أحد المشاعر الإنسانية التي نختبرها في هذه الرحلة الأرضية. تلك المشاعر التي تلعب دوراً مهما في حياتنا، إذا ما قمنا بالتعبير عنها وفهمها. ولكن معظمنا للأسف لا يستطيع أن يتعامل مع المشاعر بشكل عام! وأحد تلك المشاعر؛ مشاعر الخوف. وبما أننا نعيش في عصر التطور والسرعة، أصبحت حياتنا مليئة بالتوتر والقلق. وفي خضم كل ذلك التوتر والقلق نقف حائرين؛ بين ما يستحق أن نخاف منه، وبين ما لا يستحق أن نهب له طاقتنا وخوفنا.
في هذا السياق سوف نوضح ما هي أنواع الخوف، والذي من شأنه أن يرشدك لكيفية التعامل معه.
أنواع الخوف
هناك ثلاث أنواع للخوف:
- النوع الأول: الخوف الضروري (غريزة البقاء).
- النوع الثاني: هو خوف غير منطقي أو غير عقلاني.
- أما النوع الثالث: الخوف المرضي (الفوبيا)، وهذا النوع يحتاج لعلاج وزيارة مختص.
أولاً
الخوف الضروري والغريزي للبقاء
وهو الذي ينتج عن مواقف تحتاج الحفاظ على حياتك وحمايتك من الخطر. وينتج عن ذلك النوع ردود أفعال تلقائية، تقوم بها دون أن يكون لديك أي خيارات (Fight or Flight or Freeze).
ومن الأمثلة على ذلك:
- الخوف الذي يجعلك تقطع الشارع بسرعة رهيبة لأن هناك سيارة مسرعة مقبلة عليك.
- خوف يصدر عندما تشاهد طفلك يختنق إذا ما علق شيء ما في حلقه؛ فتقوم بردة فعل تلقائية لتنقذ حياته. أذكر في مرة أن ابنتي كانت تجلس معي في المطبخ وفي جزء أقل من الثانية، كانت تقف في كرسيها وكادت أن تسقط. لا أعلم كيف ومتى بالضبط تحركت حركة جعلتني أسرع من سرعة الضوء أضع يدي تحت رأسها.
- الشعور بالخوف الذي يجعلك تتحرك في اتجاه ما بسرعة ما، لتجنب سقوط شيء ما فوقك؛ يقوم عقلك الباطن بالقياسات الدقيقة ويجعلك تتصرف بناء عليها دون أي إدراك منك.
وغيرها الكثير من الأمثلة التي نعرفها، فأنت في تلك المواقف لا تقرر ولا تختار، بل تقوم غريزتك بما هو ضروري لإبقائك حياً؛ فهذه المخاوف من شانها أن تحميك وتحافظ على حياتك، والبقاء حياً شيء جيد. أليس كذلك؟
ولكن الجزء الدماغي الذي يحتفظ بمعادلة وكيمياء الخوف؛ هو نظام عمل ثنائي. بمعنى إما أنه يكون في حالة تشغيل أو إيقاف. ويتم تحفيزه بنفس الطريقة سواء كانت مخاوفنا منطقية أم لا (ضرورية أم غير عقلانية). بمعنى ما أن تشعر به فإن هذا النظام يتم تشغيله تلقائيا ويتفعل في الجسد، فيفرز ما يحتاجه الجسد ليقوم بحالة freeze fight or flight. وتبقى تلك المواد في الجسد إذا لم يتم استخدامها، والتي من شأنها أن تؤثر على أجهزتنا العصبية وكل أعضاء الجسم، وهذا موضوع آخر يمكن أن نتناوله بحديث منفصل.
ثانياً
الخوف غير المنطقي
وما يجدر ذكره هنا أن 95% من مخاوفنا اليوم؛ هي مخاوف مبالغ فيها، مخاوف تعتبر غير عقلانية! وهو النوع الثاني من الخوف الذي يعرقلك عن تحقيق الأهداف، ويجعل رأسك تعج بالأفكار التي توقفك من المضي قدماً.
حيث أن هذه المخاوف تجعلنا عالقين في وضع ما، لا نعيش الحياة، ظناً منا أننا نحمي أنفسنا من الخطر. وعندما نغوص أعمق في تلك المخاوف غير العقلانية أو السلبية؛ نكتشف أن وراء كل خوف من تلك المخاوف اعتقاد بأن أي خطوة تجاه ما يخيفنا سيكلفنا حياتنا وبأننا سنموت. فيقوم العقل باستخدام آليات للبقاء يتكرر حدوثها في حياتنا لتصبح (أنماط للبقاء) Survival patterns.
وفيما يلي سوف أشير إلى مجموعة من (أنماط البقاء) التي يتبناها الأشخاص، والتي تقبع خلفها مخاوفنا المتعددة. فعقلك يقوم بحفظ تلك الآليات لأنها بالنسبة له وسائل للحفاظ على الحياة.
- وضع نفسك في أسفل قائمة الأولويات.
- التسويف والتأجيل.
- محاولة السيطرة على الآخرين أو الظروف.
- انتظار الوقت المناسب للبدء.
- المثالية.
- التقليل من شأن نفسك.
- افتراض حدوث الأسوأ دائماً.
- الشك في حكمتك الداخلية.
- الإدمان على الشاشات أو أي شيء أخر.
- البقاء في علاقات سامة.
- السعي للقبول الدائم من الأخرين.
- الحيرة المستمرة، فأنت لا تعرف من أين تبدأ.
وفيما يلي أمثلة على النوع الثاني من الخوف:
- أنا خائف أن أحصل على الطلاق، لأني لن أجد شريك آخر ولن أستطيع أن أعيل نفسي، وسأبقى وحيداً بقية حياتي تلك الوحدة سوف تقتلني. (البقاء في علاقات سامة).
- أنا خائف من أن أبدأ مشروعي الجديد لأني لن أستطيع التسويق جيداً له! وبالتالي لن يكون هناك من يشتري منتجاتي، وسوف أفلس وذلك سوف يقتلني. (التسويف أو الحيرة المستمرة).
- أنا خائف أن أترك الشخص الذي أحبه، لأن ذلك سوف يفطر قلبي وحياتي سوف تنهار، وسوف أتألم وإذا حدث ذلك سوف أموت. (التقليل من شأن نفسك).
- أنا لا أثق بفريق العمل لدي، أنا لا أستطيع أن أفوض أي أحد منهم، أن يقوم بمهام عملي، سوف يخلقون فوضى بالعمل، وبالتالي سوف يضطرب عملي وربما أفلس وعندها سوف أموت. (افتراض حدوث الأسوأ دائماً)
إليك الحقيقة
أنت لن تموت أبداً إذا ما أقدمت على أي خطوة تغيير في حياتك! لن تموت ولن يقتلك أي شيء مما تعتقد أنه سوف يقضي عليك. بل على العكس تماماً! إن قيامك بتلك الأشياء والأمور التي تخاف منها سوف يقودك للخروج مما أنت عالق فيه، من أي وضع أو تحدٍ. ولو أنك أقدمت عليها سوف توفر على نفسك مدة طويلة من المعاناة.
إضافة إلى ذلك
هناك مقولة تخبرنا بأن وراء كل المخاوف هبة وموهبة، تحتاج أن تخرج لتشاركها مع العالم. عند إقدامك على تلك الأمور سوف تخرج من منطقة راحتك، لتمشي في طريق تحقق فيه أحلامك وتصلح فيه حياتك.
فبالتأكيد أنت تملك ما يكفي من الطعام، ولديك المأوى والملابس لكي تعيش. في الحقيقة نحن نعيش في عالم مليء بالوفرة، فلا تخاف مما أنت مقدم عليه، الإقدام عليه لن يجعلك تخسر حياتك. وبالطبع هذا لا يعني ألا تكون حذراً وتأخذ احتياطاتك، ولكن يجب أن تتناسب كمية مخاوفنا مع ما يجب القيام به؛ فهذا النوع من المخاوف يأتيك برسالة مفادها أن مقدم على تغيير وبأنه يجب أن تستعد. فإذا ما فهمته وتعاملت معه بالطريقة الصحيحة سيكون حليفك، وإذا ما تركت له الحبل على غاربه سيحتل تفكيرك.
ما عليك فعله
- هو أن تتعامل مع هذا الشعور بروية! اسمح لنفسك بأن تشعر به ولا ترفضه، عندما تشعر به، تنفس، خذ استراحة، فكر جيداً، ماذا يريد أن يخبرني هذا الشعور؟ واسأل نفسك عن احتمالية حدوث ما تخاف منه إذا ما قمت بتلك الخطوة.
- كن متعقلاً بأن تضع الخطط وتحضر نفسك للطريق أمامك لتنجح فيما تريد القيام به. ولكن ليس من العقل أن تقف خائفاً من اتخاذ أي خطوة أو فعل من شأنه أن يغير حياتك أو يقودك لتحقيق حلمك. ضع خططك لتلافي حدوث ذلك، توكل وإبدا بالتغيير، ولكن إياك أن تجعل تلك المخاوف تكبر لدرجة أن توقفك وتجمدك في مكانك، لأنك لو فعلت هذا، سيكون مآلك الندم والتأنيب المستمر لنفسك.
- فأنت عندما تقدم وتمتلك الشجاعة وتخاطر، وتبدأ خطوة بخطوة القيام بما تريد؛ سوف يولد بداخلك شيء أعظم وأكبر يقودك للحياة التي تريد أن تحياها. سوف تجعل قلبك يضيء لك الطريق، ويكون لك المرشد في رحلة تحقيق أحلامك.
- إذا لم تكن خائف يجب أن تخاف لكي تأخذ استعدادك، إذا كنت خائفاً جداً من أن تبدأ خطوة تقودك للحياة، فأنت لا تحتاج هذا الخوف الزائد. ومالم تكن في خطر يهدد حياتك فمخاوفك هي بوصلة تقودك إلى الطرق التي يجب أن تمشي فيها.