من سمات عصرنا كثرة الضغوطات النفسية، وفي الواقع فإن آثار ضغوط العمل والحياة الحديثة تتربع في حياتنا شئنا أم أبينا وما يحد من تغلغلها هو مقدار وعينا وإدراكنا لكيفية التعامل معها والتشافي من ضررها. من أهم آثار الضغوطات النفسية أو ضغوط العمل الاكل العاطفي. ولنا أن نتساءل لماذا يفشل أغلبنا في خسار الوزن الزائد على الرغم من اتباع الكثير من الحميات. ولماذا نتجه نحو المطبخ لتناول الطعام أو السناكات دون الشعور بالجوع الحقيقي. وكم من مرة تناولنا الكثير من الحلويات والسكريات استجابة لمشاعرنا ورغبتنا متجاوزين ومتجاهلين المقدار المناسب منها. في الواقع فإن هذه الممارسات سواء كانت عابرة أو متكررة هي سلوكيات الاكل العاطفي. وفي هذا المقال سنتعرف على الاكل العاطفي وكيفية التحرر منه.
فما هو الاكل العاطفي؟
يمكن تعريفه على أنه تناول الأكل كوسيلة لقمع أو تهدئة المشاعر السلبية، مثل التوتر، والغضب، والخوف، والملل، والحزن، والشعور بالوحدة.
وقد يؤدي إلى إفساد محاولات خسران الوزن الزائد أو قد يؤدي إلى اكتساب الوزن الزائد.
والجدير بالذكر أن الاكل العاطفي هو نتيجة محفزات خارجية منها:
- المشاكل الأسرية أو مشاكل العلاقات.
- الضغوط المالية.
- الضغوطات النفسية في العمل أو أماكن الدراسة.
- صدمات الطفولة وطريق التربية الغذائية في الصغر.
- كثرة الانتقاد على تناول الطعام أو الذوق العام في الأكل من الطفولة.
من الطبيعي أن يكون الأكل مرتبط بمشاعر الفرح في المناسبات المختلفة مثل أعياد الميلاد والنجاح والزواج ، ولكن عندما يتخطى الأمر الحد الطبيعي وتصبح النفس لا تشعر بالسعاده أو الهدوء والسكون إلا بتناول الطعام فهذا دليل على تحكم الطعام بالنفس والمزاج فلماذا الطعام يعالج العواطف ويسكن أسوأ المشاعر؟
يحفز الطعام إفراز الدوبامين وهو أحد الهرمونات والنواقل العصبية في الدماغ والذي يعمل على تعديل المزاج والشعور بالسعادة. بالتالي يلجأ الكثير للطعام لتعديل المزاج والتخلص من المشاعر السلبية أو تناسي ضغوطات الحياة. وفي نفس صعيد كيمياء الجسد، أثبتت الدراسات والأبحاث أن النساء أكثر عرض ومعاناة من الأكل العاطفي مقارنة بالرجال. ويعزى الأكل العاطفي عند المرأة إلى أن النساء يعشن دورة شهرية من تغير مستويات الهرمونات في أجسادهن مما يجعلهن أكثر عصبية وعرضة للمشاعر السلبية. بالإضافة إلى أنه أثبتت الدراسات والإحصاءات على أن النساء أكثر استعدادا للاعتراف بمعاناتهن من الطعام العاطفي مقارنة بالرجال!
أما الآن فدعونا نعرف ما هي علامات الاكل العاطفي؟
- أن يكون الشخص غير قادر على السيطرة على شهيته ورغبته عند رؤية الطعام.
- الرغبة الشديدة بتناول الطعام عند الشعور بمشاعر قوية مثل الحزن أو الغضب أو الملل أو الوحدة.
- مكافأة النفس بالطعام فقط وبشكل مفرط.
- الرغبة في تناول الطعام بكل الأوقات تقريبا ودون الشعور بالجوع الحقيقي.
متى نبحث عن المساعدة؟
هذه العلامات لا يمكن أن نمر عنها مرور الكرام بل يجب الوقوف وجلب الانتباه لها وتقييم حدتها لأخذ القرار في ما إذا كان هناك حاجة لطلب المساعدة من المختصين. في الحقيقة المشاعر السلبية هي الداء والدواء في الأكل العاطفي، فعند الشعور بالسعادة اللحظية المصاحبة لوقت الوجبة أو وقت تناول الطعام فقط ثم ما تعود المشاعر السلبية سريعا فذلك يستدعي التواصل مع المختصين سواء أخصائي التغذية أو مدربي نظام الحياة الصحية.
علاج الاكل العاطفي:
تدوين العواطف اليومية
للسيطرة على عاداتنا وردود أفعالنا نحن بحاجة لتدوينها وحجزها بالورق ثم إعادة ترتيبها وتنظيمها. مثلا، في المذكرة العاطفية يمكن أن نجيب على الأسئلة التالية لفترة ما ثم نلاحظ أوقات تناول الطعام كرد فعل للمشاعر وليس كرد فعل للجوع الطبيعي.
متى تناولت الطعام ؟
ماذا كان الحدث وقت تناول الطعام؟
أي مشاعر انتابتني قبل وبعد تناول الطعام؟
هل تناولت الطعام مباشر بعد الحدث أو مر بعض الوقت؟
مع مراعاة عدم إصدار الأحكام بسرعة وأخذ الوقت اللازم لاكتشاف النفس والذات والعادات المتبعة بشكل يومي.
إيجاد بدائل أخرى لمعالجة المشاعر التي تثير الاكل العاطفي
ملاحظة النفس ومراقبتها هي الطريق المثلى لإيجاد البدائل. مثلا، إن كان تناول الطعام يحدث غالبًا بسبب الملل فيمكن إيجاد طرق اخرى لملء الأوقات مثل ممارسة الهوايات أو الخروج من المنزل وغير ذلك. وإن كان الأكل العاطفي بسبب الضغوطات فيمكن التخطيط لتجنبها أو تفويض بعض المهام. أيضًا يمكن استبدال المأكولات التي تزيد الوزن أو تعيق خسران الوزن الزائد بالمشروبات ذات السعرات الحرارية المنخفض مثل الماء وشاي البابونج والنعناع.
ممارسة الرياضة
ممارسة الرياضة بشتى أشكالها و أنواعها تنظم الهرمونات والإفرازات بالجسم مما يساعد على التخلص من آثار ضغوطات العمل والحياة والعصبية ومعظم محفزات الأكل العاطفي. ومن الجيد، ارتداء الساعة الإلكترونية التي تراقب النشاط الجسدي وتتتبع عدد الخطوات اليومية.
الوعي بالفرق بين الجوع الحقيقي والجوع العاطفي للسيطرة عل الاكل العاطفي
إدراك علامات الجوع الحقيقي ومنها تشنجات المعدة أو ما يعرف بزقزقة عصافير المعدة، عدم التركيز، إنخفاض مستوى الطاقة، الشعور بالرجفة يساعد على التمييز بين الجوع الحقيقي والعاطفي وبالتالي يساعد على تحديد اختيارات وأوقات الطعام. كذلك الجوع الحقيقي شعور ينمو تدريجيًا بينما الجوع العاطفي شعور مفاجئ. من الجدير بالذكر أيضًا أن الجوع الحقيقي يسبب العصبية بسبب انخفاض مستوى السكر بالدم بينما العصبية الناتجة عن ضغط أو غضب قد تسبب الجوع العاطفي.
جدولة مواعيد الوجبات
تخطيط مواعيد الوجبات مع الأخذ بعين الاعتبار إضافة الوجبات الخفيفة والالتزام بمواعيدها من الطرق الجيدة للتخلص من عادة الأكل العاطفي وخلق روتين وعادات جديدة.
البعد عن المشتات عند تناول الطعام
الطعام من متع الحياة ويستحق كامل انتباهنا عند تناوله وذلك للاستمتاع به ولخلق تواصل داخلي بين مشاعرنا وإشارات أعضائنا. على سبيل المثال تناول الطعام خلال مشاهة التلفاز أو تصفح مواقع التواصل الإجتماعي يؤدي إلى نتيجتين، الأولى تناول كميات أكبر من الطعام قبل إرسال المعدة إشارتها بالامتلاء،بسبب صرف الانتباه كاملا لما يعرض على الشاشات. أما النتيجة الثاني تناول طعام أقل مما يجب ومن ثم الشعور بالجوع سريعا بعد فترة زمنية قصيرة مما يؤدي بالحالتين إلى كر العادات وتبديد الروتين وخلق الفوض بالجسم.
وفي الختام نود تذكيركم بأن فخ الأكل العاطفي ضحل ويمكن تجاوزه بالإدراك وطلب المساعدة