في بداية المقال؛ سأخبركم أنني حاولت إيجاد محتوى عربي يتحدث عن هذا الموضوع الهشاشة النفسية، ولكنني لم أجد إلا كتاب الهشاشة النفسية – د. اسماعيل عرفة، وقد كان المرجع لي في كتابة هذا المقال.
تناولت المواقع الغربية موضوع الهشاشة النفسية، وهناك العديد من الكتب غير العربية التي تتحدث عن هذا الوباء. وهذا إن دلّ على شيء؛ فهو يدل على انتشار هذا المرض في المجتمعات الغربية منذ فترة ليست بالقريبة. أما في العالم العربي؛ فقد أصبحنا نلاحظ انتشار الهشاشة النفسية بين شبابنا وشاباتنا وحتى أطفالنا، منذ عام 2010 إلى الآن. وأصبحنا نعاني من تبعاته التي تجلت في العديد من الظواهر الخطيرة؛ كالتنمر مثلاً.
في المجتمع العربي لم نكن نسمع بمصطلح “التنمر“، بل وأننا لم نكن نستخدمه. ولكن وبسبب العديد من العوامل أهمها وسائل التواصل الاجتماعي؛ انتشر هذا المصطلح كالنار بالهشيم! بل وأصبحنا نستخدمه لنصف أبسط التصرفات التي تبدر من المحيطين بنا ولا تعجبنا. حتى أننا نستخدمه في كل الأوقات وفي كل الأحداث العادية، حتى فقد هذا المصطلح معناه!
لا ننكر أبداً ظاهرة التنمر وتبعاتها النفسية الخطيرة على الأفراد، ولكن ما استنكره “شخصياً“؛ المبالغة والمغالاة في تقدير هذا المصطلح، بل واستخدامه كـ”شماعة” نعلق عليها أي مشكلة عادية وأي حوار حاد وأي اختلاف بالرأي، بل وحتى تقلبات الحياة العادية!
ظواهر غريبة وخطيرة انشقت من “الهشاشة النفسية” وبسببها. فما هي الهشاشة النفسية؟ وما هي أسبابها؟ وكيف نتجنبها؟
لهشاشة النفسية
يقول فرويدي: “الحزن ليس مؤشراً على المرض النفسي؛ إنه جزء متكامل من الوجود الإنساني. وعند تحويل الحزن الطبيعي إلى مرض نفسي؛ فإن المراهقين والشباب الصغير لن يتمكنوا من تطوير وسائلهم الخاصة للتغلب على التجارب المؤلمة”.
الهشاشة النفسية؛ هي عندما يتعرض الفرد لموقف من مواقف الحياة العادية أو غير المرغوبة، والتأثر بهذا الموقف أيّما تأثر بدلاً من السماح له بالمرور. الهشاشة النفسية؛ هي بكاء مراهقة وانهيارها إن علمت أن صديقتها خرجت دون أن تخبرها!
تفكير الطالب بالانتحار عند رسوبه في مادة معينة! وتحوير وتحويل ظواهر مخيفة كالتنمر والتقبّل إلى ظواهر ركيكة! تحوّل مفهوم التنمر من ضرب وتحرش لفظي إلى مجرد نقاش حاد أو اختلاف بالرأي!
لا نقلل من هذه المشاكل العادية هنا؛ فالناس يتعرضون يومياً لمواقف مزعجة وسلبية تحتاج منا إلى تفهم ونظر وعلاج. ولكن يجب أن نكون على وعي بأن هذه المشاكل؛ هي جزء من الحياة الطبيعية. والمرور بها جزء من تطور الإنسان، ولكن أغلبها لا يندرج تحت خانة التنمر.
أسباب تفشي الهشاشة النفسية
1. تربية الأهل مفرطة الدلال
وظيفتنا كآباء’ ترسيخ مفاهيم مهمة جداً في نفوس أبنائنا. كالأخلاق والصدق والأمانة والشجاعة وما إلى ذلك. هذه المفاهيم التي تربينا نحن عليها وكبرنا ونحن نحملها في طيات شخصياتنا المختلفة, والتي يجب علينا أن ننقلها لأبنائنا. ولكن للأسف ما نراه اليوم مغاير جداً!
سأوضح لكم ذلك أكثر من خلال مثال شائع جداً في هذا الزمن, ويحصل في كل مكان وزمان
وقع شجار بين طالبين في أحد المدارس, وقد أطلق أحدهما الشتائم البذيئة على الآخر. وتم استدعاء هذا الطالب من قبل مدير المدرسة, وتم اتخاذ إجراءً عقابياً بحقه يتناسب مع حجم الخطأ الذي قام به.
ما الذي يحصل بعد ذلك؟
بعيداً عن التعميم, ولكن لنكن صادقين مع أنفسنا! ولنعترف أنه في معظم الأوقات وبعد أن يخبر هذا الطالب أباه بما حدث, يهرع الأب لتقديم شكوى بحق المدير أو المدرسة لأنه (أذى نفسية ابنه) بدلاً من تعليم ابنه درساً في ضبط النفس أو الأخلاق الحميدة!
لا نشجع على العنف أو الحدة مع الأبناء’ بل هذا أمرٌ مرفوض. ولكننا نبحث عن نقطة توازن بين الإفراط والتفريط، ونسعى للوصول إلىنقطة التمييز بين المواقف التي تحتاج منّا إلى حزم مع الأبناء. هذا الحزم المبني على أسس صحيحة في التربية, والذي يساعد في بناء شخصية قوية مسؤولة.
فقد يؤدي دلالنا المفرط لأبنائنا’ إنشاء جيل سماه الدكتور اسماعيل عرفة في كتاب الهشاشة النفسية “جيل رقائق الثلج”. أي أنه هش سريع الانكسار لا يتحمل أي ضغط عليه، يلعب دور الضحية ولديه شعور عالي بالاستحقاق والتفرد، يتم تغذية عقله بأفكار التميّز في كل شيء.
ألا تلاحظون ذلك على أغلب مراهقي هذا الجيل؟ أنظروا إلى مواقع التواصل الاجتماعي!
2. علاقات عاطفية ساذجة
يدخل مراهقي هذا الجيل في العديد من العلاقات العاطفية الساذجة, التي تبدأ بلمحة. ثم تبدأ المشاعر بالصعود والهبوط’ ليقرر الشاب الاعتراف لفتاة معينة عن إعجابه بها, والتي تبدأ بدورها بمبادلته الإعجاب. تتطور العلاقة بعد ذلك كما نعلم جميعاً وتطول، ثم ودون سابق إنذار؛ يكتشف أحد الطرفين أو كلاهما أن هذه العلاقة مجرد لهو!
ماذا يحصل بعد ذلك؟ في أغلب الأحيان ينهار أحد الطرفين، وكأن هذا الفراق حطم حياته وشخصيته بالكامل! ثم يبدأ الدخول بدوامة المشاكل النفسية والاكتئاب والانطواء؛ لتتأثر حياته ونفسيته سلباً.
3. تعظيم أي حدث في حياتنا مهما كان ضئيلاً
قد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي بهذا التعظيم مساهمة كبرى! لقد سمعنا جميعاً بمصطلح “تريند“؛ وهو تضخيم أي حدث وأي وصفة طعام وأي شيء يحصل في هذه الحياة، وكأن لا شيء آخر يحصل غيره!
ومع الميل لتضخيم كل الأمور، بل وباعتبار التضخيم هو الشيء الصحيح والمثالي؛ أصبحنا نميل لتضخيم مشاكلنا وكأنها مشكلة المشاكل! نتحدث عنها طوال الوقت وكأنها المشكلة الوحيدة في هذه الحياة! أصبحت الفتاة تبكي إن كُسِر ظفرها، ويكتئب الشاب إن لم يحصل على السيارة التي يرغب بها، ويحبط الطالب وينعزل إن لم يحقق العلامة التي توقعها. أكرر أن أي مشكلة تواجهنا تستحق التفهم والنظر والعلاج؛ لكننا مع الأسف أصبحنا جيل لا نقوى على حمل أعباء حياتنا الخاصة ومشاكلنا الصغيرة!
4. تضخيم الألم
وضح كتاب “تدليل العقل الأمريكي – جوناثان هايدت/غريغ لوكيانوف”؛ أن مراهقي اليوم يضخمون أي مشكلة في حياتهم – كما ذكرت سابقاً – إلى درجة تصوير هذه المشكلة وكأنها كارثة! ومع شعورهم بأن هذه المشكلة أكبر من قدرتهم على التحمل؛ يقعون في العجز والانهيار! هذا التضخيم الذي يجعلك تغرق في شعور التحطم الروحي والإنهاك والضياع وفقدان القدرة على المقاومة تماماً!
هل تعتقدون أنني أبالغ هنا؟ كم أتمنى ذلك!
لقد تجولت في مواقع التواصل الاجتماعي المليئة بمنشور “بدون إسم”؛ التي يسرد صاحبها مشكلته المدمرة. وإليك مثال واقعي قرأته شخصياً: “سأبدأ الثانوية العامة في العام المقبل. وأشعر أني محطمة ومكبلة ولا أقوى على التفكير أتمنى الموت ماذا أفعل؟”
هل توضحت الصورة؟ فتاة تتمنى الموت خوفاً من مرحلة لم تبدأ بها بعد!
كيف نتجنب التسبب بالهشاشة النفسية لأنفسنا ولأطفالنا
1. تدريب النفس على المرونة النفسية
وهي قدرة الفرد على التأقلم مع مصاعب الحياة المتمثلة في المشكلات العائلية أو العاطفية، أو الأزمات الصحية أو المتاعب المهنية والاقتصادية. تتمثل المرونة في قدرة الفرد على على تجاوز هذه المعاناة، والاحتفاظ الفعّال بحالته النفسية بصورة جيدة.
2. تحميل الأطفال المسؤوليات التي تتناسب مع عمرهم
وتبدأ هذه العملية منذ الصغر، من خلال زرع الثقة بالنفس في نفوس أطفالنا ثم السماح لهم بمواجهة المخاطر الصغيرة بدلاً من تجنيبهم إياها. مثل: السماح لهم بركوب الدراجة وحدهم أو اللعب في الساحات المفتوحة بحرية، أو خوض تجارب الحياة الواقعية تحت إشراف الأهل. إن إحاطة الطفل برعاية فائقة زائدة عن الحد؛ قد تؤثر بالأطفال بل وتجعلهم أكثر هشاشة.
3. القضاء على الفراغ لدى الأطفال
والاستعاضة عنه بتعليمهم ما يعينهم على فهم طبيعة الحياة وتحمل مسؤوليتها. وأعظم مثال على هذه النقطة؛ هو نهج الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده الصحابة الكرام. قال عمر بن الخطاب: “علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل”.
4. اتباع الطرق الصحيحة للتخلص من الضغوطات اليومية
كممارسة المشي أو التأمل أو البحث عن دعم الأصدقاء، أو حتى الحديث مع شخص مقرب. حتى نساعد أنفسنا على إيجاد الحلول؛ التي من شأنها مساعدتنا باستعادة الإتزان النفسي الخاص بنا.
5. تحجيم مشاكل الحياة العادية
والابتعاد عن النظر إليها كإضطراب يحتاج لمعالج نفسي للتخلص منه. فالطلاق والرسوب مثلاً؛ تعتبر تجارب حياة صعبة. ولكنها تحصل ولا تحتاج لعلاج آثارها بالأدوية والأطباء النفسيين.
الهشاشة النفسية وارتباطها الوثيق بالسوشال ميديا - كلنا أمهات
فبراير 14, 2021 في 11:51 ص[…] اقرأ أيضاً الهشاشة النفسية – هل هي مرض العصر؟ […]