أمهات ذوي الهمم

رفضت المدرسة طفلي لأنه مفرط الحركة. رحلتي كأم مع تشتت الانتباه وفرط الحركة 

رحلتي كأم مع فرط الحركة وتشتت الانتباه

كتبت هذه المقالة: ربا أبو عبيد الله وحرّرتها: سارة لولو.

رأتني قادمةً حزينةً، رأسي في الأرض، ومئة سؤالٍ وسؤالٍ ارتسم على محياي وكأني أحمل هموم الأرض على أكتافي، أو أنني سمعت خبراً حزيناً للتو. سألتني فقلت لها “تم رفض ابني في مقابلة المدرسة لأنه مفرط الحركة ولا يستجيب للتعليمات”، وعدت لأتساءل بقلق “ابني مريض؟ لن يستطيع الدخول لمدرسة والتعلم مثل أقرانه؟ كيف أعالجه؟ ومن أين أبدأ؟ هل ارتكبت خطأً خلال حمله جعله مريضا؟ هل يمكن أن يتحسن؟”، تركتها وذهبت لأبحث عن إجاباتٍ لأسئلتي ولأعرف ماذا علي فعله لأساعد ابني.  

عدت للمنزل وأنا أتساءل ما معنى “مُفرط الحركة”، ابني هذا الطفل الوسيم ذو الابتسامة الأكثر جاذبية بعيني، ألديه مشكلة فرط حركة وتشتت الانتباه؟ ما معنى ذلك؟ وماذا علي فعله؟ هل هو مريض؟ مئة سؤال وسؤال دون إجابة.  


دخلت في دوامة البحث عن إجابات، وبدأت بعرض ابني على مختلف الأطباء والأخصائيين من مختلف التخصصات الطبية. من طب الأطفال، لطب الأنف والأذن والحنجرة، ثم المخ والأعصاب، وصولاً للطب النفسي، فأخصائي النطق، وأخصائي العلاج الوظيفي. كانت فترة صعبة جداً في حياة أسرتي الصغيرة مليئة بالتساؤلات والتكهنات، ومليئة بالمعلومات الطبية غير المفهومة.  

تم تشخيص ابني بتشتت الانتباه وفرط الحركة

تبيّن أن طفلي مصاب باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، وهو حالة مزمنة تصيب ملايين الأطفال وتستمر في كثير من الأحيان حتى سن البلوغ. من أبرز أعراضه: قلة التركيز، فرط النشاط، والسلوك الاندفاعي. التشخيص تم بناءً على تقييم سريري، وسلوك الطفل في المنزل والمدرسة، واستبيانات طبية متخصصة.

وصف الطبيب لطفلي العلاج الدوائي وأنا رفضت

نتيجة لذلك؛ وجهني الطبيب للبدء بالعلاج الدوائي، الأمر الذي رفضته قطعاً في البداية، فكان البديل رحلة طويلة من جلسات العلاج الوظيفي وتعديل السلوك، التي شكلت عبئاً مادياً كبيراً، حيث إن التأمين لا يغطي أي من هذه الجلسات. لم أمانع ذلك العبء المادي طالما لاحظت تحسناً سريعاً وتغييراً جذرياً في سلوك طفلي الحبيب، الذي أصبح “طفلاً نمطياً” يُقبل في مختلف المدارس كأقرانه.  وهنا لا بد لي أن أستذكر مدى أهمية فهم الطبيب لحالة المريض النفسية أولًا وكيف يمكن للطبيب أن يصنع الفرق في رحلة العلاج!


وقعت تعهدًا يقضي بحق المدرسة أن تقرر طرد طفلي في حال تسببت حركته المفرطة بمشاكل أو مضايقات!

بعد 7 مقابلات مع المدرسة المعنية، تم قبول ابني على أن أوقع تعهداً يقضي بحق المدرسة أن تقرر طرده في حال تسببت حركته المفرطة بمشاكل أو مضايقات. في ذلك الوقت، قبلت هذا التحدي، بل كان فرصتي لأثبت لهم نجاحي كأم، وقدرتي على العبور بابني لشاطئ الأمان.   

للأسف كان قراري بتسجيل ابني في تلك المدرسة خاطئاً تماماً! ابني كان كأي طفل آخر، اختلف قليلاً عن أقرانه، حيث أنه يتعلم ويكتسب المهارات ويتجاوب مع العقاب والتحفيز بطريقة مختلفة. فقط هكذا! ببساطة، كل ما أحتاج إليه هو أن يكون في بيئة مدرسية داعمة.

استغرقني الوصول إلى هذه الاستنتاجات عدة سنوات من البحث والتمحيص، والعديد من الجلسات والمحاورات مع مختلف الأخصائيين والأطباء، الذين كانوا جزءً من رحلتي في فهم اختلاف ابني وتميزه.  


لا أذكر عدد الكتب التي قرأتها، وعدد الورشات التدريبية التي حضرتها، ولا عدد المقالات التي درستها حتى أتمكن من مساعدة ابني وفهم أفضل طرق العلاج السلوكي للأطفال المصابين بفرط الحركة. لم أقبل بفكرة أن يعامل ابني بأسلوب سيء، أو أن يتم وصمه بالغباء أو البلاهة، لنسيانه بعض التفاصيل أو لاحتياجه للتذكير أكثر من مرة في معظم الأحيان، أو حتى لأنه لا يستطيع الجلوس في مكان واحد لأكثر من دقائق معدودة.  

كانت التحديات تتزايد كلما كبر ابني، وازدادت الشكاوى المدرسية بسبب حركته في الغرفة الصفية، الأمر الذي عرّضه للعقاب مرات متتالية. ثم ونتيجة لذلك، تراجع أداؤه الأكاديمي بشكل ملحوظ. ومن هذا المنطلق، كان لابد من إعادة النظر في جلساته وخططه العلاجية، فعاد طبيبه ونصحني ببدء العلاج الدوائي، معللاً ذلك بأنه سيحدث تغييراً ملحوظاً في حركته وأدائه الأكاديمي كذلك.

بعد تفكير طويل، وقراءة كافة الأعراض الجانبية للعلاج الدوائي، واستشارة أكثر من طبيب ومعالج؛ استخرت الله وبدأنا في العلاج الدوائي. كانت مرحلة مرهقة في التعامل مع الأعراض الجانبية التي تراوحت بين ضعف الشهية واضطرابات النوم، حتى وصلنا لمرحلة تقبل جسمه للدواء.  


قررت البحث عن مدرسة أخرى ذات بيئة داعمة تساعد ابني على الاندماج مع أقرانه بشكل طبيعي. استغرقت عملية البحث والتقديم أربع سنوات، تجرعنا خلالها ألم الرفض المتكرر، إلى أن نجحنا أخيراً بالعثور على مدرسة داعمة ودامجة.

شعرت حينها أنني حققت إنجازًا كبيرًا، وكنت متفائلة جدًا بقدرة ابني على الاندماج والتعلم في بيئة تربوية مرنة. لكن لم تدم الراحة طويلًا، إذ بدأ ابني مرحلة البلوغ والمراهقة، وهي مرحلة معقدة بطبيعتها، فكيف إذا ترافق معها ADHD؟

طفلي لم يعد ذلك الطفل الذي يتقبل مساعدة الأم وتدخلها الدائم لدعمه وتذكيره بمهامه المدرسية والحياتية، كما أنه يرى نفسه شاباً يود الاعتماد على نفسه ولا يرغب أن يكون كالطفل المعتمد على أمه أمام أقرانه.   


خوف وقلق مستمر

اليوم .. يسكنني هذا الهاجس، الذي يدفعني إلى القلق والخوف على ابني من أن يصيبه أي مكروه أو أذى. فعدم انتباهه للتفاصيل بشكل مستمر، ودافعيته المتهورة -أحياناً- بالاستكشاف والتجربة، يغذيان هذا القلق ويؤججانه باستمرار.

كما أن الأطفال ممن لديهم فرط الحركة وتشتت الانتباه يواجهون صعوبة بالغة في تشكيل الصداقات أو الحفاظ عليها، بسبب اندفاعيتهم الزائدة وتغيير ميولهم في فترات متقاربة. 

أنا بحاجة إلى مساعدة! طلب الدعم هو وعي.

في لحظة صدق مع النفس، أدركت أنني بحاجة للدعم أيضًا. لذلك أنصح كل أم تمر بهذه الرحلة أن تطلب المساعدة النفسية من مختص، دون تردد أو خجل. الصحة النفسية للأم هي الأساس لتربية طفل متوازن ومحبوب.

يمكنكِ الاستفادة من الدعم الذي تقدمه منصتنا منصة “كلنا أمهات” الذي يقدم خدمات متخصصة في دعم الأمهات نفسيًا وتربويًا.


رحلتي مع ابني وصعوبات التعامل مع فرط الحركة وتشتت الانتباه، هي رحلة طويلة ومستمرة. نتعثر أحياناً وننجح أحياناً. إلى أنها رحلة مليئة بالتعلم والتطور المستمر، يهون فيها مشقة التحديات عندما أرى نجاحات ابني وخطواته حتى لو كانت صغيرة.  

أكتب هذه الكلمات لكل أم تمر بتجربة مشابهة، لأقول لك: لستِ وحدك. هناك دائمًا مساحة للتعلم، للتقبل، وللنجاح مع أطفالنا المختلفين والمميزين.

إذا كانت قصتي قد لامست قلبك أو شجعتك، شاركيها مع غيرك من الأمهات، فقد تكون نورًا في طريق أحدهم.

  

اترك التعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *