كيف تحدت ريان ضعف السمع؟ وهل كان عائقاً في طريقها؟
“لا أستطيع أن أصف لك مشاعري عندما سمعتُ صوت الكنار -لأول مرة- بعد ١٤عاماً، كنت برفقة صديقتي حينها، شعرت بمزيج من الخوف والدهشة من هذا الصوت الغريب الذي تسلل إلى أذني من خلال المعينات السمعية. تساءلتُ عن مصدر الصوت واتّجهت مسرعة نحوه، وإذا به صوت الكنار”. هكذا وصفت لي ريان شعورها عندما سمعت صوت طائر الكنار لأول مرة، بعد استخدامها للمعينات السمعية. لم تكن تلك اللحظة مجرد سماع صوت طائر، بل بداية فصل جديد في حياتها، وبوابة لرحلة مليئة بالتحديات والإنجازات.
تعرفوا معي في هذه القصة على ريان، أم لطفلين، لديها ضعف في السمع. لم تكن رحلتها سهلة، فقد واجهت العديد من التحديات التي أثّرت على حياتها اليومية، بدءاً من الدراسة، مروراً بكونها زوجةً وأماً، وصولاً لإدارة مشروع تجاري ناجح. قصة ريّان هي أكثر من مجرد سرد أحداث لأم رائدة أعمال، ليست كأيّ أم ولا كأيّ رائدة أعمال، ريّان أثبتت أن النجاح لا يأتي من الظروف المثالية، بل من الشجاعة في مواجهة التحديات
عرفينا عن نفسك:
اسمي ريَّان شمرة دياب، متزوجة وأم لطفلين رائعين ولديّ ضعف في حاسة السمع. خلال رحلتي مع ضعف السمع واجهتُ الكثير من التحديات، ولكنني بالرغم منها أتممت دراستي وتخرجت من الجامعة بتفوق، حاصلة على المرتبة الأولى على مستوى لبنان في دفعتي بتخصُّص التصميم الجرافيكي. أعمل حالياً بدوام جزئي من المنزل في مجال التصميم الجرافيكي، وأدير مشروعي الخاص “Glaze by Rayane“
عملتِ في عدة مجالات بعد تخرجك من الجامعة، وبعدها أصبحت أمّاً وبدأت مشروعك المنزلي، ما هي التحديات التي واجهتها في البداية، مع ضعف السمع؟ وهل ازدادت مع الأمومة والعمل من المنزل؟ وكيف تمكّنت من التكيُّف معها؟
بعد تخرجي من الجامعة، بدأت بالعمل في مكتب، وبعدها انتقلت للعمل كمعلمة في مدرسة، ولكنني لم أشعر بالراحة في أيّ منهما. فقد كنت أعيش تحت وطأة الضغط والتوتر، بسبب صعوبة التواصل مع زملائي وإخفاء ضعف سمعي عنهم. هذا الأمر الذي أدّى بهم إلى التنمر علي في بعض الأحيان وعدم فهمهم لحالتي.
بعد أن أصبحت أماً، قرّرت أن أسعى لتعلم مهارة جديدة تتيح لي العمل من المنزل، فدرست حرفة السيراميك الحراري لمدة سنة وحضرت العديد من الدورات، ولكن بسبب الانقطاع المتكرر للكهرباء في لبنان لم أستطع البدء في هذا المجال.
لكنني لم أستسلم، فقررت أن أبدأ بمشروع مشابه وهو (الكونكريت). وجدت في هذا المجال فرصة لاستثمار مهاراتي وإبداعي وبدأت مشروعي الخاص الذي أكمل الآن سنته الأولى بنجاح.
أما عن المرحلة التي تلت الأمومة وبداية مشروعي، فقد كانت أكثر سلاسة مقارنة بفترة العمل في المكتب. لا أستطيع الجزم أن الموازنة بين الأمومة والعمل من المنزل كان سهلاً، لكنّي نظمتُ وقتي بشكل يتيح لي إنجاز معظم الطلبات دون التقصير تجاه عائلتي. أما بالنسبة للتحدّيات السمعية، فلم تكن عائقاً أمامي. فمع وجود تطبيقات مثل الواتس اب، أتواصل مع العملاء من خلال الرسائل المكتوبة، مما يضمن لي فهم جميع التفاصيل. وفي حال استلام رسائل صوتية، ألجأ إلى طلب المساعدة من زوجي وأهلي لتوضيح ما لم أتمكن من سماعه. بفضل دعمهم وتعاونهم، استطعتُ تجاوز هذه التحديات بسلاسة.
تقول ريّان
عن دور زوجها “زوجي هبةٌ من الله ومن أجمل النعم التي منحني إياها، هو بجانبي
دائماً في مختلف الأوقات داعماً، متفهماً ومتقبلاً. دعمه المستمر أحدث فرقاً
كبيراً فيما وصلت إليه اليوم، فقد كان السند في اللحظات التي شعرت فيها بالضعف. هو
نعم الأب، وشريكي الذي تكتمل معه أمومتي. بدعمه وتوجيهه علّم أطفالنا كيف يقدّرون
ويحترمون وضعي”.
نسأل الله أن يديم بينكما المودّة والرحمة، نودُّ سؤالك عن ظاهرة تعاني منها العديد من الأمهات، والتي تعرف بـ “متلازمة المحتال”، هل سبق وأن شعرت بذلك خلال عملك، خاصةً مع ضعف السمع؟ وكيف تمكنت من اكتشاف نقاط قوتك والتغلب على هذه التحديات؟
نعم لقد شعرت بمتلازمة المحتال في بداية عملي في المكتب، كنت أرى نفسي بأنني أقل كفاءة من الآخرين بسبب ضعف سمعي. رغم أنني كنت دائماً من المتفوقين، إلا أنني كنت أشعر بأنني لا أستطيع تحقيق كل ما أطمح له سواءً في دراستي أو على صعيد التقدم في العمل. عدم الوعي الكافي في ذلك الوقت جعلني أشك في قدراتي. ولكن مع مرور الوقت، تمكنت من معرفة نقاط قوّتي التي تمّيزني، ازدادت ثقتي بنفسي وتقديري لذاتي مع بدء مشروعي، تعلمت أن أحتفل وأقدر كل انجاز مهما كان صغيراً، أدركت أن كل إنسان فريدٌ بمميّزاته وقدراته وأن اختلافاتنا لا تعني نقصاً في الكفاءة.
(تذكري عزيزتي الأم أنك لست وحدك، لا تترددي في طلب الدعم)
ماذا عن طموحات ريان؟
أحلم بدراسة القانون والحقوق ولو بعد حين. أتطلع لأن أكون صوتاً لمن لا صوت لهم، أضمن حقوق ضعاف السمع وذوي الإعاقة. أعلم أن الطريق في تحقيق هذا الحلم ليس مفروشاً بالورود، بل يتطلب الكثير من الجهد والوقت والتكلفة، لكنني وإن سمحت الظروف، سوف أسعى جاهدة لان أكمل مسيرتي التعليمية وأن أصبح محامية وصوتاً يصدح بالحق لكل من لا يستطيع التعبير عن نفسه والدفاع عن حقه.
أما في الوقت الحالي، سأستمر في تطوير عملي ولاحقاً في صناعة السيراميك الحراري. أتمنى أن أفتتح معرضاً خاصاً بأعمالي يوماً ما.
نحن فخورون بك ريّان، نسأل الله أن يفتح لك أبواب النجاح والتميز وأن يجعل طموحاتك واقعاً ملموساً.
ختاماً: ما هي نصيحتك للأمهات اللواتي لديهن تحديات سمعية أيضاً؟
لا تستهيني بإمكاناتكِ وما تستطيعين تحقيقه. لا تقللي من قيمتكِ وابتعدي عن الشك في قدراتكِ؛ توقفي عن التساؤل: “كيف سأنجح؟ كيف سأتزوج؟ كيف سأعمل؟” أحيطِ نفسكِ ببيئة داعمة من العائلة والأصدقاء، بأشخاص يؤمنون بكِ ويثقون في إمكاناتكِ.
ألتقي بالكثير من الأشخاص الذين يندهشون حين يعلمون أنني ضعيفة السمع، ومع ذلك ناجحة في عملي، دراستي، زواجي، وأمومتي. ولكن لا يدركون حجم المصاعب والتحديات التي واجهتها لأصل إلى ما أنا عليه اليوم. نحن ـ ضعاف السمع ـ نواجه تحديات يومية في مختلف جوانب الحياة، ولكننا ذوو أثر وقدوة للآخرين. كل عثرة تجاوزناها، وكل تحدٍ تغلبنا عليه، يعزز إصرارنا ويثبت أن النجاح ليس فقط لمن لديهم سمعاً سليماً، بل لمن يمتلكون عزيمة لا تلين أيضاً.
كُتب هذا المقال بقلم أميرة الزعبي من فريق كُلنا أمهات.
لمزيد من قصص النجاح، إقرئي معنا “قصص أمهات ملهمة”.