ما هي الفجوة في الأجور بين الجنسين؟ ما هي أسبابها؟ وما الحلول الممكنة للتصدي لها؟

تعريف فجوة الأجور بين الجنسين:

تعرف الفجوة في الأجور بين الجنسين على أنها الفارق بين متوسط الدخل المدفوع للرجال والإناث، ويتم التعبير عنه في العادة بنسبة مئوية من دخل الرجال. وبحسب مؤشر فجوة الأجور، فتتقاضى النساء بالمجمل ما يقارب 70% من أجور الرجال. أي أن الفارق بين الأجور يقدر بنسبة 30%.

هل تواجه النساء في الوطن العربي فقط هذه المعضلة؟

قد يتبادر إلى أذهاننا أن النساء في الوطن العربي وحدهن من يعشن معضلة الفجوة في الأجور بين الجنسين. هذا الاعتقاد قد يكون منطقياً نظراً لمفاهيم المساواة التي تكاد تكون معدومة حتى يومنا هذا في بلادنا. فلا تزال النساء تعاني من تحجيم أدوارهن، والنظر إليهن على أنهن قد خلقن للإنجاب وتربية الأبناء والاهتمام بشؤون المنزل فقط.

لكن الإحصائيات والدراسات تشير إلى أن مشكلة الفجوة في الأجور بين الجنسين هي مشكلة عالمية، ما زالت تتواجد بشكل ملحوظ حتى في دول العالم الأول التي لطالما رفعت شعار المساواة بين الرجل والمرأة.

ما هي أسباب الفجوة في الأجور بين الجنسين؟

بالرغم من التطور والانفتاح الذي أصبح يشهده العالم، و رغم الأصوات التي تتعالى بين حين وآخر، مطالبة بتحقيق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين الجنسين. إلا أن مشكلة وجود الفجوة في الأجور ما زالت مستمرة وملحوظة بكثرة. ولهذه المشكلة أسباب كثيرة، سنقف بالذكر عند بعض منها:

• الخلفية الاجتماعية والصورة النمطية للمرأة في مجتمعاتنا:

كما ذكرنا سابقاً، قد تعاني النساء في مجتمعاتنا العربية على وجه التحديد من التحجيم، فالبيئة والتنشئة قد ساهمتا بشكل كبير في حصر دور المرأة داخل جدران المنزل فقط. وقد أدّت هذه الصورة النمطية إلى غرس مفاهيم خاطئة وظالمة إلى حد كبير حول قدرات النساء. فنجد أن أصحاب الأعمال يؤمنون بأن النساء غير قادرات على تحقيق الإنتاجية المطلوبة كما يفعل الرجال.

إنتاجية أقل وبالتالي، أجور أقل.

• التربية في المنزل:

كما قد ورد في كتاب How not to hate your husband after kids، فإن لعامل التربية أثر مهم. يتلخص في أن الفتيات يجدن أنفسهن مسؤولات عن الأعمال المنزلية. في المقابل، فإن الأولاد قد اعتادوا على تلقي الحوافز المادية، مقابل مشاركتهم في تلك المهام المنزلية. فقد وجد أن 67% من الذكور قد يتقاضون تلك الحوافز. في حين أن 59% من الإناث قد يفعلن الأمر ذاته.

• الخجل عند النساء:

تشعر معظم النساء بالخجل من التفاوض في الأمور المالية وبحسب دراسة أجرتها جامعة هارفرد. فقد وجد أن معظمهن يشعرن داخلياً بعدم استحقاقهن للوظيفة. وبالتالي، تتأثر مهاراتهن في التفاوض على مستحقاتهن. وذلك بالطبع يزيد من وجود الفجوة في الأجور.

• غياب مفهوم تكافؤ الفرص:

يعد هذا العامل نتيجة للسبب المذكور سابقاً وهو المفهوم الخاطئ لمحدودية قدرات النساء، والذي ينعكس بشكل أكبر على حجم الفرص المقدمة لهن في بيئات العمل. فهن لا يحظين غالباً بالثقة الكافية التي تجعلهن يتقلدن مناصباً وظيفية أعلى. وبالتالي، تقل فرص حصولهن على أجور أعلى.

• نوع القطاعات التي تعمل بها النساء بشكل أكبر:

قد تلجأ النساء عادة للعمل في بعض القطاعات كالتعليم والرعاية، وتعد هذه القطاعات منخفضة الأجر نسبياً، إذا ما قورنت بالقطاعات الاقتصادية والمالية والهندسية التي يهيمن عليها الرجال بشكل أكبر.

• المسؤوليات والأدوار الأخرى للنساء:

قد تشكل الأدوار الأخرى التي يقوم بها النساء في الحياة، سبباً مفصلياً لمشكلة الفجوة في الأجور. فالكثير من النساء العاملات، وخاصةً الأمهات منهن، قد يلجأن للعمل في الوظائف ذات الدوام الجزئي، كمحاولةٍ منهن لخلق التوازن بين حياتهن العملية ودورهن كأمهات،يقمن برعاية الأبناء وبإدارة شؤون المنزل. في ظل غياب التسهيلات التي يجب أن تمنح لهن من قبل أصحاب الأعمال، لإعانتهن على تحقيق ذلك.

• الإجازات التي تمنح للنساء:

تحصل النساء عادة على عدد أكبر من الإجازات المدفوعة كإجازة الأمومة إلى جانب الإجازات السنوية الأخرى. مما يساهم في زيادة الفجوة في الأجور بينها وبين الرجل.

• حصر مفهوم الإعالة بالرجال دوناً عن النساء:

لطالما كان مفهوم الإعالة مرتبطاً بالذكور. ومن الممكن القول بأن هذا الربط كان أكثر منطقيةً وواقعيةً في الماضي، وهو ما تسبب بشكل رئيسي في خلق الفجوة في الأجور.  ولكن، هل ما زال أصحاب الأعمال غير قادرين على إدراك حقيقة تغير الواقع؟ فالمرأة أصبحت في كثيرٍ من المواضع معيلة للرجل، وذلك في ظل الأزمات والظروف الاقتصادية وغلاء المعيشة في العالم بأسره.

ما هي الآثار السلبية لوجود الفجوة في الأجور بين الجنسين؟

لا شك في أن وجود هذه الفجوة في الأجور، قد ينعكس سلباً على النساء العاملات. فشعور الفرد عموماً بعدم التقدير ،قد يؤدي به إلى الإحباط. فقد يقلل من الرغبة في التقدم وتحقيق المزيد من الإنجازات. وقد يقلل من ولائه لمكان العمل ويجعله غير قادر على العطاء بصورة أفضل.

كيف يمكن التقليص من الفجوة في الأجور بين الجنسين؟

الحقيقة أن الحل الجذري الوحيد الذي يمكنه وضع الحد لهذه المعضلة، قد يبدأ من توعية المرأة بحقوقها. معرفة ما لها وما عليها، وعدم التهاون في المطالبة بتلك الحقوق.

وهنا يجب التنويه على أن دور موظفي الموارد البشرية، هو دور أساسي جداً لإحقاق العدالة في تطبيق سلم الأجور. وذلك، بعيداً عن التمييز القائم على الجنس.

هل من الممكن أن نرى بعض النماذج التي قد تبعث على التفاؤل في تقليص فجوة الأجور بين الجنسين؟

من الضروري أن نقف عند واحدة من أهم المبادرات التي تسعى لتقليص الفجوة في الأجور بين الجنسين، وهو مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين.الذي تم تأسيسه عام 2015، على يد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. ويحمل في أجنداته هدف تقليص الفجوة بين الجنسين في كافة قطاعات الدولة.

وقد انبثقت عنه العديد من المبادرات التي تسعى إلى تمكين المرأة و تحقيق مفهوم تكافؤ الفرص. كإطلاق مبادرة مؤشر التوازن في جهات العمل.  وإصدار أول تشريع في المنطقة للمساواة في الأجور بين الجنسين.

في الختام، نود تذكيرك بأن الحصول على فرص التعليم والعمل ما كان إلا حلماً للكثير يوماً ما. وبأن النساء لطالما سعين من أجل انتزاع حقوقهن وكسر القيود التي فرضتها عليهن التقاليد. لذلك، عليك أن تؤمني بأن التغيير قادم لا محالة. وبأن السعي هو المفتاح الذي قد يحرر الأقفال مهما أُحكم إغلاقها.