تُمثل عودة الأب إلى العمل المكتبي بعد الجائحة تحدياً كبيراً له، حيث تطغى مشاعر الانفصال. ويواجه الأب صراعاً بين متطلبات العمل ورغبته في البقاء مع أطفاله الذين اعتاد على تربيتهم ورعايتهم بشكل مباشر خلال فترة الحجر الصحي. فعمله من المنزل جعله متواجد منذ اليوم الأول في حياة الطفل ومغمور بمشاعر الأبوة، إلا أن ألف هذه البيئة. كما أن خروجه من المكتب لأكثر من عام بالإضافة إلى فرض الشركات لوجستيات جديدة للتعايش مع الفيروس؛ جعل من العودة أمراً مزعجاً للغاية. بل وأجج مشاعر الانفصال التي يشعر بها الأباء عند مغادرة المنزل والعائلة والأهم من ذلك “الأطفال”.
أخبرنا أحد الآباء: أثناء جائحة كورونا أصبحت أب للمرة الأولى، وقد كنت أعمل من المنزل آنذاك. كنت موجوداً في حياة طفلي منذ اليوم الأول، عشت اللحظات الصعبة وتلك السعيدة. كنت مستمتعاً بمشاعر الأبوة بتلك الفترة للغاية! الآن بعد خطط الدول للتعايش مع هذا الفيروس، أصبحت عودتي للعمل في المكتب أمراً واقعاً. في الحقيقة؛ في كل يوم أغادر إلى العمل بعد ولادة ابني، أشعر أن روحي لا تزال بالمنزل! وأشعر بألم مشاعر الانفصال عن طفلي وعن عائلتي.
في هذا المقال نضع بين أيديكم مجموع من النصائح للأباء عند العودة للمكتب بعد فترة العمل عن بعد، حول مشاعر الانفصال عن أطفاله.
محتويات المقال
- احصائيات عالمية
- ما يقوله الخبراء
- كيف يمكنك جعل أسابيعك الأولى في المكتب بعد العمل من المنزل سلسة قدر الإمكان ؟ وكيف تستطيع إدارة مشاعر انفصال الأب التي تشعر بها؟
احصائيات عالمية
في دراسة أجريت في شهر يونيو من عام 2020، شعر 68٪ من الآباء بأنهم أقرب إلى أطفالهم منذ بداية الوباء. وذلك بسبب قضاء المزيد من الوقت مع أطفالهم. حيث كان الوقت الذي تم قضاءه مع أطفالهم أكثر من أي جيل من آباء الأجيال السابقة. كما نتجت عن هذه التجربة نظرة مختلفة عن الحياة المهنية العملية، جعلت العودة إلى العمل المكتبي خياراً مؤلماً بالنسبة للأب.
ما يقوله الخبراء عن عودة الأب للعمل بعد الجائحة
تقول الخبيرة المؤسسة لشركة Workparent ديزي وادمان داولينج؛ أن العودة إلى العمل المكتبي بعد إنجاب طفل هي مرحلة انتقالية مليئة بالتحديات بالنسبة لأي أب. كما تقول: “كل شيء سيتغير! من جدولك العملي اليومي إلى مسؤولياتك الجديدة كوالد، نهايةً بهويتك المختلفة عن تلك التي اعتدت عليها”.
حيث تكمن صعوبة هذه المرحلة الانتقالية؛ باحتوائها على العديد من التحديات.
التي كان أبرزها؛ اعتياد الأب على هويته الجديدة بالتزامن مع المشاركة بالعناية “بشخص صغير لا ينام جيداً”
أيضاً
كما وأضافت عالمة النفس وأستاذة السلوك التنظيمي الخبيرة دينيس روسو: “قد لا تشعر أنك مستعد لترك طفلك. أو قد تشعر بحرقة مشاعر الانفصال وبالذنب بشأن العودة إلى العمل المكتبي في المقام الأول”. وأضافت: “كل هذا طبيعي بالتأكيد، لكن معرفتك بذلك لن تجعل الأمر أقل إرهاقاً أو صعوبة. العودة إلى المكتب بعد غياب تحدٍ، ولا يوجد حل مثالي”.
كيف يمكنك جعل أسابيعك الأولى في المكتب بعد العمل من المنزل سلسة قدر الإمكان؟ وكيف تستطيع إدارة مشاعر انفصال الأب التي قد تشعر بها؟
- كن لطيفًا مع نفسك
لا شك أن حياتك قد تغيرت بشكل كبير في فترة بقائك في المنزل؛ جائحة عالمية وأسلوب عمل جديد، ضغوطات وتوتر وأخبار مخيفة، ثم جاء هذا الصغير ليضيء أيامك! الأسابيع الأولى من عودتك إلى العمل من المكتب؛ قد تكون متعبة ومحبطة ومليئة بالشك الذاتي وبألم مشاعر الانفصال! ستقع في حيرة بشأن العمل من المكتب أو المطالبة بالعمل من المنزل! ولكن تذكر؛ كونك حزيناً أو قلقاً الآن، هذا لا يعني أن هذه المشاعر ستلازمك إلى الأبد! إنه وقت عاطفي ومن الصعب استخلاص أي نتائج خلاله. لا تتجاهل مشاعرك، لكن ضع في اعتبارك أن “هذا الوقت سيمضي”.
- هيّء نفسك للعودة بالتدريج
ستتضمن العودة إلى العمل من المكتب بعد فترة ليست بالقصيرة من العمل عن بعد، وبعد انضمام فرد جديد لعائلتكم “طفلك الصغير”؛ مجموعة من الإجراءات غير المألوفة. وإن محاولة تهيئة النفس على هذه الإجراءات والاعتياد عليها؛ يقلل من لدغة مشاعر الانفصال! مثال على ذلك: لا يشترط أن يكون يوم عودتك إلى العمل هو اليوم الأول الذي يذهب فيه طفلك إلى الحضانة أو يبقى في المنزل مع مربية جديدة. بل من الأفضل أن تبدأ هذا النمط قبل أسبوع من عودتك إلى العمل المكتبي، خصوصاً إن كانت زوجتك أم عاملة أيضاً. هكذا ستضمن وزوجتك اعتياد طفلكم على مقدم الرعاية، وبالتالي ستقلل من حدة مشاعر الانفصال عنه. ما تفعلانه هنا هو الحصول على “معاينة واقعية” لما يمكن توقع
- كن صريحاً مع مديرك في العمل
ربما ليس في يومك الأول، ولكن في مرحلة ما؛ ستحتاج إلى إجراء محادثة صادقة وصريحة مع رئيسك في العمل، حول الحقائق الجديدة في حياتك من حيث صلتها بعملك! قد تكون الأسابيع القليلة الأولى مليئة بالمطبات، وقد تنتشر مشاعر شوقك لطفلك حديث الولادة أو مشاعر الانفصال عنه في كل مكان! لذلك؛ يجب أن توضح قدتك على الالتزام بعملك، ومن المفيد جداً أن تشارك ما أنت قادر على الانخراط به وما يمكنك تحقيقه خلال الفترة القادمة. بهذا تكون قادراً على تكوين خطة واضحة بشكل استباقي؛ وكلما توضحت الأمور، كلما زادت قدرتك على تنظيم وقتك والتحكم به. وبهذا تستطيع قضاء وقت أكبر مع عائلتك ومع أطفالك.
- اطلب الدعم
استئناف حياتك المهنية بعد العمل لفترة ليست بالقصيرة عن بعد؛ عملية قد تكون ليست بالسهلة! لذلك؛ وأثناء استعدادك للعودة إلى العمل المكتبي، وقضاء الوقت بعيداً عن عائلتك، وفي خضم مشاعر الانفصال التي تشعر بها كأب؛ ابحث عن الدعم من حولك! بل وحاول بناء علاقات مع أشخاص يمرون بنفس التجربة أيضاً، ولا تتردد من طلب النصيحة من الأشخاص الذين مروا بهذه التجربة.
- أدرس وحدد وقتك مع طفلك
بينما تعود إلى العمل المكتبي، من المهم أن تدرس وتحدد وتفكر في تخصيص وقت لأطفالك. هل سيكون في الصباح؟ في المساء؟ ماذا عن عطلات نهاية الأسبوع؟ إن كنت تعمل لساعات طويلة أو تسافر في رحلات عمل متعددة؛ فأنت بحاجة إلى خطة وإلى تحديد أنشطة فعالة وخاصة بالأب وابنه/ ابنته فقط؛ لممارستها أثناء الوقت الخاص بطفلك.
اخلق فرصاً للتواصل مع طفلك ولإشعاره أنك دائماً هنا حتى وإن كنت خارج المنزل. نعم إن ماما بالمنزل مع الطفل، أو أنه في حضانة تعليمية رائعة، أو هو غارق في حنان الجد والجدة؛ لكن كل هذا لا يغني عن وجودك أنت في حياة طفلك باستمرار! وإن شعرت بلدغة مشاعر الانفصال في أي وقت؛ أطلب أن يقوم مقدم الرعاية بإرسال صورة لطفلك، أو تحدث إليه عبر التطبيقات التي تدعم الصوت والصورة أثناء المكالمة الهاتفية. الرابط العاطفي بين الأب والطفل من أهم أساسيات التربية الناجحة، كن مبادراً دوماً!