هل نحرم أطفالنا أم نلبي رغباتهم؟ التربية التعويضية عند الأم العاملة وتأثيرها على نفسية الطفل
كثير من الأمهات، وخاصة من عانين من ظروف صعبة في طفولتهن، يحملن في داخلهن وعداً خفياً: “مارح احرم اطفالي متل ما أنا انحرمت”. قد يبدو هذا الوعد نابعًا من الحب والرغبة في تعويض الطفل وخاصة عند الأم العاملة، لكنه قد يتحول دون قصد إلى نمط تربية غير متوازن. فهل من الصحيح أن نلبي كل طلبات أطفالنا؟ وماذا لو لم نستطع توفير ذلك يومًا ما؟
هذا المقال يناقش أثر هذا النوع من التربية على الطفل من منظور نفسي وتربوي، ويوفر نصائح للأمهات الباحثات عن توازن صحي في تربية أبنائهن.
- ما هو الحرمان؟ ولماذا لا نحرم أطفالنا
- ما هو تأثير التربية التعويضية على نفسية الطفل؟
- كيف نحقق توازنًا بين الحب والتربية؟
- متى تحتاجين إلى الدعم؟
ما هو الحرمان
غالبًا ما يُفهم “الحرمان” كمصطلح مادي، لكن في الواقع، لا يقتصر الحرمان على غياب الأشياء أو المال. فالحرمان قد يكون عاطفيًا، كغياب الوقت الكافي مع الطفل أو عدم تلبية حاجاته الشعورية. هذا ما تواجهه كثير من الأمهات العاملات، حيث قد يعوّضن قلة الوقت بالهدايا أو المرونة الزائدة في التربية، ظنًا منهن أن ذلك سيعوض الغياب، في حين أن الطفل يحتاج بالدرجة الأولى إلى التواصل الحقيقي والشعور بالأمان.
لماذا لا نحرم أطفالنا فعلًا؟
تقول إحدى الدراسات المنشورة عبر Family Verywell إن الكثير من الأمهات يقعن في فخ التربية التعويضية بدافع “الخوف من شعور الطفل بالحرمان”، لا سيما إن كنّ قد عشن تجربة صعبة في طفولتهن.
الأمومة تجربة معقدة، تحمل في طياتها مشاعر دفينة قد تعود إلى الماضي. بعض الأمهات نشأن في بيئة قاسية أو محرومة، فتتولد لديهن رغبة عارمة في تعويض أطفالهن عن كل ما افتقدنه. هذه الرغبة تتحول أحيانًا إلى نمط تربية يقوم على الاستجابة الفورية لكل طلب، وتوفير أقصى درجات الراحة والمتعة للأطفال، دون التفكير في التأثيرات النفسية بعيدة المدى.
كيف تؤثر السوشيال ميديا على حياتي كأم؟
هناك سبب آخر لا يقل تأثيرًا، وهو ضغط المقارنات والسوشال ميديا. حيث تتعرض الأم يوميًا لصور وفيديوهات لأمهات أخريات يبدين وكأنهن يقدمن الأفضل دائمًا، مما يولد شعورًا داخليًا بالتقصير.
توضح الأخصائية النفسية لينا المغربي المتخصصة في مجال الصحة النفسية:
“نعيش في زمن المقارنات. ترى الأم صور الأمهات الأخريات وهن يقدمن الأفضل لأطفالهن، فترى أنها مقصّرة، وتسعى للتعويض بأسرع وأبسط طريقة ممكنة.”
تربية التعويض عند الأم العاملة: مشاعر الذنب ودوافع غير واعية
يزداد هذا التحدي تحديدًا لدى الأمهات العاملات، اللاتي غالبًا ما يشعرن بالذنب نتيجة غيابهن لفترات طويلة عن أطفالهن بسبب التزامات العمل. ما يدفعهن أحيانًا إلى تعويض أطفالهن ماديًا أو عاطفيًا.
وفقًا لدراسة مُراجعة شاملة متاحة على منصة ResearchGate: فإن الذنب لدى الأمهات العاملات يؤثر بشكل مباشر على أساليب رعاية الأطفال، ويتسبب في تأثيرات نفسية ومهنية متعددة. وتُظهر الدراسة أن هذه المشاعر قد تدفع الأمهات إلى تلبية طلبات أطفالهن بشكل مفرط كوسيلة للتعويض.
تطرّقت العديد من الدراسات والمقالات إلى أثر طفولة الأهل على الصحة النفسية للأطفال، وننصحك بقراءة هذا المقال لفهم أعمق:
صدمات الطفولة التي كبرت معنا، كيف نتخلص منها ومن آثارها على الصحة النفسية لأطفالنا؟
نتائج محتملة لهذا النوع من التربية التعويضية
1- ضعف تحمل الإحباط.
2- عدم القدرة على ضبط النفس.
3- الشعور الدائم بعدم الامتنان وبأن العالم مدين له.
4- الاعتماد على الآخرين لتوفير السعادة.
هذه السلوكيات قد تستمر مع الطفل حتى البلوغ، مما يؤثر على علاقاته، أدائه الدراسي، واستعداده لمواجهة التحديات المستقبلية. لأنه ببساطة لم يتعلم كيف يتعامل مع كلمة “لا” أو “لاحقًا”.
الحب وحده لا يكفي
يرى العديد من الأخصائيين النفسيين والتربويين أن الاعتدال هو المفتاح. فالتربية السليمة لا تعني تلبية جميع الطلبات! بل تقوم على الموازنة بين الحب والانضباط، وبين تلبية الحاجات وتعليم الطفل تقدير النعم.
يُشدّد الدكتور مصطفى أبو سعد، المتخصص في الإرشاد النفسي والتربوي، على أهمية بناء شخصية مستقلة ومتزنة لدى الطفل، ويقول:
“الحرمان التربوي لا يعني المنع، بل يعني تأجيل الإشباع بهدف تنمية الصبر، وضبط النفس، والقدرة على مواجهة التحديات.”
ويضيف: “الأم العاملة تحديدًا تواجه ضغوطًا تجعلها أكثر ميلًا لتلبية الطلبات بدافع التعويض. لكن التربية السليمة تتطلب وعيًا، وقدرة على قول لا، حتى مع الحب والانشغال.”
من هنا، يأتي دور الأهل في تعليم الطفل أن الانتظار ليس حرمانًا. وأن قول “لا” أحيانًا هو نوع من التربية، لا من القسوة.
أمثلة حقيقية من الواقع
إحدى الأمهات تروي قصتها: بعد أسبوع مزدحم جدًا في العمل، بالكاد رأيت فيه أطفالي. وفي يوم العطلة، اصطحبتهم إلى السوق، وعندما طلب ابني لعبة، لم أستطع الرفض، رغم أنها كانت باهظة الثمن. شعرت أنني أشتري “رضاه” لا مجرد لعبة. أدركت أنني لم أكن أقدم له ما يحتاجه فعلًا: الوقت، والاهتمام، والحدود.
وهناك العديد من المواقف الشائعة حيث يتحول الإشباع الفوري إلى أزمة، كطفل اعتاد أن يحصل على لعبة جديدة في كل مرة يذهب فيها مع والديه إلى المركز التجاري. في أحد الأيام، رفض الأهل شراء لعبة، فبدأ الطفل بالبكاء الشديد والصراخ، ولم يستطع تقبّل الموقف.
في هذه الحالة، لم يكن غضب الطفل بسبب اللعبة فقط، بل لأنه لم يتعلّم من قبل كيف يتعامل مع الرفض أو الانتظار.
هذا المثال يوضح كيف تؤدي الاستجابة الدائمة إلى ضعف في تحمل الإحباط، وهو ما قد ينعكس لاحقًا على سلوك الطفل في المدرسة، أو حتى في علاقاته مع الآخرين.
تحتاجين دعمًا؟
إذا شعرتِ أن نمط تربيتك يتأثر كثيرًا بمشاعر الماضي أو بالرغبة في التعويض المستمر، فقد يكون من المفيد التواصل مع أخصائية نفسية أو تربوية. الدعم المهني يساعدك على وضع خطة متوازنة تراعي مشاعرك وتلبي احتياجات طفلك النفسية والتربوية.
هل تودين التواصل مع أخصائية تساعدك في وضع أسس تربية متوازنة؟
الأخصائية رنيم عبيدات:
- تمكنك من فهم أفضل لسلوك طفلك.
- تساعدك في وضع استراتيجية للحصول على نتيجة سلوكية أفضل.
- تساعدك في بناء خطة تعديل السلوك لطفلك لتعزيز السلوكيات الإيجابية.
احجزي استشارتك الآن لترافقك خطوة بخطوة لبناء تربية متوازنة، تمنح طفلك بيئة صحية
خلاصة القول: التوازن هو الحل
حبنا لأطفالنا لا يُقاس بعدد الطلبات التي نلبيها، بل بقدرتنا على إعدادهم لحياة متوازنة، فيها نعم وفيها تأجيل، فيها عطاء وفيها حدود.
التربية الواعية هي التي تعلّم الطفل كيف يكون ممتنًا، صبورًا، ومرنًا، ليكبر بشخصية قوية وواثقة.
أما نحن كأمهات، فلا نحتاج إلى أن نثبت حبنا من خلال الهدايا أو التنازلات، بل من خلال الحضور الواعي، والحدود الصحية، والحب المتوازن.