ماذا يجب عليّ أن أختار؟ أطفالي أم العمل؟ كم مرة قمت بطرح هذا السؤال على نفسك؟ كم مرة دفعتك الضغوطات الاجتماعية والأحكام المسبقة التي يقوم الناس بإطلاقها للتفكير بأن الأمومة والنجاح في العمل، أمران لا يمكنهما الالتقاء معاً دون تقصير في واجباتك اتجاه أي منهما؟
لا شك أن الأمومة تعد أصعب الوظائف والمهام على الإطلاق، فهي تتطلب جهداً وعملاً متواصلاً دون راحة أو انقطاع. كما أنها، تتطلب منك أن تكوني حاضرة على الدوام للقيام بواجباتك في كل الظروف ومهما كلف الأمر. ولكن، هل يعني ذلك بالضرورة أنك لن تكوني كأم، قادرة على العمل والنجاح في أي مهام أخرى قد تقومين بها؟ وهل يعني أنها قد تكون كافية لإرضاء طموحك وسعيك إلى تحقيق الذات؟
لماذا قد تحتاج الأم إلى العمل؟
حسب نظرية الدافع البشري التي قدمها العالم أبراهام ماسلو عام 1943، فإن حاجات الانسان تتدرج في أهميتها بشكل هرمي وفقاً للترتيب التالي:
الحاجات الفسيولوجية:
وهي الاحتياجات اللازمة للإبقاء على حياة الإنسان كحاجته إلى التنفس والطعام والشراب.
حاجات الأمان:
وهي حاجة الإنسان لتحقيق السلامة الجسدية والأمن المعنوي والنفسي. إضافة إلى، تحقيق الأمان الوظيفي والمادي.
الاحتياجات الاجتماعية:
وتتضمن حاجة الإنسان إلى العلاقات الأسرية والعاطفية، وحاجته إلى اكتساب الأصدقاء.
الحاجة إلى التقدير:
فالإنسان بطبعه يميل للشعور بتحقيق مكانة اجتماعية جيدة والشعور باحترام الآخرين له. فيزداد شعوره بالقوة والثقة بالنفس.
الحاجة إلى تحقيق الذات:
وهي الحاجة العليا في الهرم، وتتلخص في حاجة الإنسان إلى تحقيق الإنجازات في مختلف نواحي الحياة واستغلال إمكانياته وقدراته في سبيل ذلك.
لا بد أن العمل، يعد عنصراً مهماً في إشباع بعض الحاجات التي ورد ذكرها سابقاً. والتي يمكن إسقاطها على النساء بشكل عام والأمهات بشكل خاص. ففي ظل المتغيرات والانفتاح الذي شهده العالم في الآونة الأخيرة، أصبحنا نرى الكثير من النساء اللواتي يحظين بمستويات عالية من التعليم والثقافة.
كما أنهن أصبحن يمتلكن من المؤهلات والمهارات ما يجعلهن قادرات على الانخراط في سوق العمل وتحقيق الإنجازات. لذلك، أصبح من الصعب حصر أدوارهن داخل حدود المنزل فقط.
هل تتساوى وتتشابه جميع الأمهات في احتياجاتهن؟
قد يتفاوت بالطبع مقدار الاحتياجات وأهميتها من شخص لآخر ومن أم إلى أم أخرى، فبعض الأمهات قد تشعرهن الأمومة بالاكتفاء والرضا عن الذات. أما البعض الآخر، فقد يشعرن بالرغبة في تحقيق الذات في مناحٍ أخرى من حياتهن.
لذلك، نستطيع القول بأنك وحدك من تستطيعين تقدير احتياجاتك. فإن كنت كأم تشعرين أن العمل قد يحقق لك السعادة والرضا. ويجعلك تشعرين بالقوة والثقة. كوني على ثقة بقدرتك على القيام بذلك على أكمل وجه. دون أن تضطري أن تسألي نفسك: ماذا يجب عليّ أن اختار، أطفالي أم العمل؟
فوائد عمل الأم:
رغم تعدد المهام والصعوبات التي قد تواجهك كأم عاملة، إلا أننا نود تذكيرك دائماً بالجوانب المضيئة والإيجابية للعمل في حياتك ونذكر منها:
1-الوقاية من الاكتئاب، فالأم العاملة التي تشعر بأنها تحقق الإنجازات، أقل عرضة للاكتئاب من غيرها.
2-تطوير المهارات الاجتماعية، فالعمل يجعلك أكثر قدرة على التواصل والتفاوض والنقاش. وذلك، سينعكس بالإيجاب على مهاراتك التربوية وقدرتك على التواصل مع الأبناء.
3-تطوير مهاراتك في إدارة الوقت وتعزيز قدرتك على القيام بمهمات متعددة في نفس الوقت.
4-يجعلك أكثر تقديراً للوقت الذي تقضينه مع أطفالك. وبالتالي، يجعلك أكثر حرصاً على جودة هذا الوقت باستغلاله بأفضل الطرق الممكنة.
5-سيتعلم أولادك منك المسؤولية وسيكونون أكثر اعتماداً على أنفسهم.
6-يشعرك بالأمان المادي ويساهم في تحسين ورفع مستوى حياة أسرتك.
هل يمكنك تحقيق التوازن بين جميع المهام؟
إن أمعنت النظر في تجارب الأمهات العاملات في محيطك، فإنك ستجدين حتماً، كثيراً من النماذج الناجحة في تحقيق التوازن. فهل كان الأمر سهلاً عليهن جميعاً؟ بالطبع لا! لابد، أن معظمهن في مرحلة ما قد سألن أنفسهن السؤال ذاته: أطفالي أم العمل؟ ولكنهن، في نهاية المطاف، استطعن إيجاد الحلول.
إليك هنا بعضاً من النصائح التي قد تعينك أيضاً على تحقيق ذلك:
1-احرصي على توزيع المهام بين أفراد الأسرة، فالتعاون مهم جداً لتسهيل الحياة وجعلها أكثر استقراراً. لمزيد من النصائح التي ستساعدك على تنظيم حياتك، اطلعي على المقال التالي
2-احرصي على إيجاد الرعاية المناسبة للأطفال أثناء وجودك في العمل. سيشعرك هذا الأمر بالراحة وسيساعد في تقليل القلق.
3-لا تترددي في طلب المساعدة الخارجية للقيام بالمهام المنزلية. سيسهم ذلك في تقليل الضغوطات وخلق مساحة أكبر من الوقت تقضينها مع أسرتك.
4-يمكنك أيضاً الحصول على وظائف مرنة، أو بدوام جزئي أيضاً. الخيارات كثيرة ومتاحة وما عليك سوى البحث عمّا يتناسب مع طموحك وظروفك في وقت واحد.
إن رغبتك وسعيك لتحقيق الذات في العمل، لن يتعارض مع حقيقة أنك ستكونين دائماً الأم الأفضل في نظر أطفالك. ولن يشكل حاجزاً في علاقتك معهم إن كنت حريصة على توطيد تلك العلاقة وجعلها تأخذ مسارها الصحيح.
في الختام، نود تذكيرك بأننا في كلنا أمهات، جاهزون لتقديم الدعم والمساندة دائماً، على أيدي مجموعة من المتخصصين في مختلف المجالات. فإن كنت تشعرين بحاجة إلى المساعدة ,واتخاذ الخطوة الأولى، يمكنك المبادرة بحجز استشارتك مع مدربة التطوير المهني نادية مرعي.
عن الأخصائية:
تعمل أخصائية التطوير المهني نادية مرعي كمدربة مهنية بخبرة 20 عاماً في مجال الموارد البشرية في الخليج العربي. وهي كارير كوتش معتمد من الاتحاد الدولي للكوتشينج وحاصلة على درجة الماجستير من جامعة هيريوت وات البريطانية؛ وغيرها من الشهادات العالمية في مجالها.ساعدت العديد من الأشخاص في تغيير المسار المهني وتحديد شغفهم. وعملت معهم لتطوير مهاراتهم بما يتناسب مع هذا الشغف، ثم مناغمته مع قراراتهم المهنية المستقبلية، والمساعدة في التعامل مع الاحتراق الوظيفي و تغيير المسار المهني.