التنمر في بيئة العمل مع أخصائية القضايا الجندرية نورا الساكت

للأم العاملة

التنمر في بيئة العمل مع أخصائية القضايا الجندرية نورا الساكت

Workplace bullying

ما هو التنمر في بيئة العمل؟ وكيف نحمي أنفسنا من التعرض للتنمر في العمل من الزملاء أو المدراء؟ لنتعرف على ذلك مع أخصائية القضايا الجندرية نورا الساكت.

في البداية سأوضح مفهوم “التنمر في بيئة العمل”:

التنمر هو إحدى صور العنف والتحرش في عالم العمل، و قد يكون من خلال مجموعة من السلوكيات والممارسات غير المقبولة التي تهدف أو تؤدي/يحتمل أن تؤدي إلى الحاق ضرر نفسي على العامل أو العاملة. و من الأمثلة عليه؛ ميل الأفراد أو الجماعات لاستخدام أسلوب عدواني بشكل مستمر ضد زميل/ة محدد في عالم العمل. أو تنمر المدراء ضد مرؤسيهم بأي وسيلة في مكان العمل أو بسببه. وقد يأتي في عدة أشكال منها؛ التنمر اللفظي وغير اللفظي والتنمر النفسي او إطلاق الإشاعات، أو أي شكل من أشكال الأذى النفسي؛ الذي يتسبب بالضغط على العامل/ة والتأثير على نفسيته/ا في العمل أو الحط من كرامته/ا .

و قد تشكل تلك الأفعال أيضاً عنف مبني على النوع الاجتماعي أو تحرش جنسي؛ في حال كانت موجهة إلى أشخاص بسبب جنسهم أو نوعهم الاجتماعي، أو كانت تؤثر بشكل غير متناسب على أشخاص من جنس أو نوع اجتماعي معين.

شخصياً تعرضت للعديد من مواقف التنمر في بيئة العمل! وأشعر أنه آن الأوان للتحدث في الموضوع بشكل علني، وإيجاد حلول عملية من خبراء في هذا المجال.

 تعرضت في مسيرتي المهنية للتنمر 3 مرات من قبل مدراء سيدات، وفي كل مرة كنت أفقد تركيزي على العمل وتتأثر نفسيتي بشكل كبير. وفي أحد المرات؛ اخترت ترك العمل رغم حاجتي الماسة للوظيفة ومرة أخرى تم إجباري على تقديم استقالتي.

للأسف في الـ 3 حالات لم يكن هناك أي إجراء من قسم الموارد البشرية! بالطبع في دولة الإمارات هناك حق واضح وقوانين ضد التنمر أو العنصرية في بيئة العمل؛ لكن يتطلب وجود شهود وإثباتات خطية. وطبعاً يتجنب الموظفين الإدلاء بشهادتهم خوفاً من فقدان الوظيفة.


لهذا حاورت أخصائية القضايا الجندرية نورا الساكت لتقدم لنا النصيحة في هذا الخصوص بناءً على خبرتها العملية.

-حقيقة لا أفهمها؛ “لا يظلم المرأة إلا المرأة”. هل هذه المقولة واقعية بحكم اختصاصك؟ ولماذا نجد أنه في أغلب الأحيان تفضل النساء أن يكون المسؤول المباشر عنهن رجل؛ ويشعرن بالتهديد في حال كانت المديرة امرأة؟

في البداية هذه المقولة الشائعة تعتبر تمييزية بحد ذاتها! حيث تُظهر الدراسات؛ بأن النسبة الأعلى لمرتكبي العنف والتحرش ضد المرأة في عالم الأعمال هم من الرجال. تشير الأرقام في دراسة أجرتها اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة؛ أن النساء يتعرضن للتحرش بنسبة تقارب 40٪ في بيئة العمل، والذكور هم الجناة الرئيسيون (سواء كانوا زملاء أو عملاء أو مدراء).

مع العودة لسؤالك؛ أنا لا أنكر أن المرأة ممكن أن تتحرش أو تتنمر على نساء أخريات في العمل، وأشعر بالأسف لأنك تعرضت لهذه المواقف. و لكن كما تبين الدراسة أعلاه، العنف والتحرش (ومن ضمنهم التنمر) قد يحدث من رجل أو امرأة.

و لكن ما سبب تنمر النساء؟

كما هو الحال بتنمر الرجال؛ الأسباب عديدة مرتبطة بالثقافة و التنشئة و الصور النمطية لكل من الرجل و المرأة، و المنظومة الأخلاقية و الثقافية والقانونية وغيرها من العوامل. و هنا أود أن أوضح و أؤكد بأن أدوار الجنسين ليست محددة مسبقاً بشكل بيولوجي؛ لكنها بالأحرى مبنية ومحددة اجتماعياً وتاريخياً. و تعريف المجتمع لما يعنيه أن تكون “رجلاً“؛ متجذراً في ثقافة أبوية وتربوية منذ الصغر، يخلق ما يُعرف باسم “الذكورة السامة” وعدم المساواة بين الجنسين؛ فيربط المجتمع “الذكورة” بالقوة و السلطة و السيطرة.

و من المهم أيضاً

الإشارة بأن مشاركة المرأة الاقتصادية في الأردن لا تتجاوز 14%؛ مع وجود قطاعات مستثناة المرأة منها قانوناً. كما ولا يوجد لها تمثيل حقيقي في مواقع صنع القرار. (فمثلاً 3 نساء تم تعيينهم في آخر تشكيل وزاري من بين 31 وزير ووزيرة). فما زال المجتمع يربط النجاح بالرجل – و من أبسط الأمثلة على ذلك عدم تقلد النساء حقائب وزارية من الحشد الثقيل، و أيضاً كيفية وصف الوظائف الإدارية العليا. (مثل الوزير و الأمين العام و رئيس مجلس الإدارة). التي توصف بأنها “مُذكر” حتى و إن تقلدتها امرأة! ذلك على الرغم من أن اللغة العربية تسمح بالتأنيث!

فمثلاً يشار للمرأة في الوظائف الغير قيادية بالتأنيث. مثل: “معلمة” و “محاسبة”. و لكن إن كانت المرأة في منصب قيادي مثل وزيرة أو نائبة – يشار إليها بـ “الوزير” أو “النائب”! و عليه، لوحظ بأن بعض النساء يتبنين ما يعرف بـ “الذكورة السامة” للتعبير عن الثقة والقوة والسيطرة من أجل إثبات أحقية وجودهم في بيئة العمل.

بناءً على الدراسات التي تثبت أن الرجال الأكثر تنمراً، ما السبب في ذلك من وجهة نظرك؟

الأسباب متعددة ومترابطة؛ بدايةً من النظام الأبوي لمجتمعاتنا والمنظومة التشريعية التي لا تحقق التكافؤ في الفرص فيما بين الرجل والمرأة. وأيضاً ضعف المشاركة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية للمرأة بشكل كافي لتغيير بيئة العمل و التشريعات المرتبطة بها. بالإضافة إلى المنظومة الأخلاقية و الفكرية و الثقافية وضعف تمكين المرأة و قدرتها على الاختيار الحرة وحصولها على الموارد.


كيف نحمي أنفسنا من التنمر في بيئة العمل؟ وهل هناك قانون رادع للمتنمرين؟

هنا بعض النصوص القانونية المرتبطة ببعض أشكال العنف والتحرش في عالم الأعمال؛ لكنها ليست شاملة وغير كافية. منها الجرائم التي تشمل المداعبة المنافية للحياء و هتك العرض والتحقير وما يشابه. وأيضاً بموجب قانون العمل؛ للعامل أن يترك العمل مع الاحتفاظ بحقوقه القانونية في حال تعرض للضرب أو الاعتداء الجنسي أو التحقير. ولكن لا يوفر قانون العمل حلول للعامل/ة لمواجهة العنف والتحرش (من ضمنها التنمر) و هو /هي على رأس العمل.
علاوة على ذلك، هناك العديد من الحواجز الهيكلية والمجتمعية التي تحول دون اتخاذ الإجراءات المناسبة.  لكن من الجدير بالذكر أنه ومن الإنجازات الحديثة لوزارة العمل بأنها تبنت نموذج لسياسة داخلية تحمي من العنف والتحرش؛ و تلزم أصحاب العمل وفقاً للمادة 55 من قانون العمل في المؤسسات التي لديها أكثر من 10 عاملين/عاملات؛ بتبني سياسة داخلية للحماية من العنف والتحرش.

و من الخطوات الإيجابية على المستوى الدولي هو اعتماد اتفاقية جديدة للتصدي للعنف والتحرش في عالم الأعمال (رقم 190)؛ من قبل المجتمع الدولي. من خلال منظمة العمل الدولية في عام 2019 (التي تضم ممثلين عن العمال وأصحاب العمل والدول). وتعمل الجهات المعنية المحلية في الأردن على خطة عمل وطنية شمولية؛ لمواجهة كافة أشكال العنف والتحرش في عالم العمل، بما في ذلك تعديل التشريعات الأردنية والسياسات؛ لتصبح مراعية لحقوق الانسان و شروط العمل اللائق و العنف والتحرش في عالم العمل، مع تقديم الحلول تسمح للعاملين بالبقاء على رأس عملهم والحصول على المساعدة والانصاف الفوري بحقهم.

من أهم الخطوات التي من الممكن أن تتخذيها للدفاع عن نفسك ضد التنمر في بيئة العمل هي:

  • الوعي بحقوقك.
  • إعلام المرتكب/ة بأن الفعل غير مقبول.
  • أن تحاولي الاحتفاظ بدليل عن الأفعال. (مثل الاحتفاظ بالرسائل الخطية أو الالكترونية أو وجود شهود).
  • من ثم تبليغ صاحب العمل أو اتخاذ الإجراءات القانونية بعد تجميع الأدلة.

اقرأ أىضاً التحيز اللاواعي في بيئة العمل وكيفية الحد منه


اترك التعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

0
0