بين أقواس الأمومة أم طبيبة وكاتبة ومعلمة لغة العربية

أمومة وتربية المراهقين قصص نجاح أمهات ملهمات

بين أقواس الأمومة أم طبيبة وكاتبة ومعلمة لغة العربية

أم طبيبة

لا جدال في إجماع  العالم على دور الأم سواء الطبيبة أو المعلمة أو الطاهية أو غير ذلك، وأثرها في حياة أبنائها وما يترتب على ذلك من أثر في المجتمع بأكمله. فقد قيل فيها 

الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأخلاق

 قصتنا اليوم لأم ملهمة طبيبة ومعلمة في آن واحد، لم تقف قوانين التعليم عائقا في وجهها، فأتقنت علوماً من عدة أقطاب، وزكّت علمها بالنشر والعطاء رغم كل التحديات والظروف التي واجهتها. شكلت بعلمها وثقافتها وخبرتها منظومة وصرحاً علميين لأطفالها حتى أوصلتهم للنضج، فأينعوا حتى قبل عمر الشباب. كان لها ولمن حولها من اسمها نصيب، فهي بمثابة السراج المنير والشمس التي تسطع بالأمل كل صباح. قصتنا اليوم للأم الطبيبة والمعلمة ذُكاء عبد الرحمن قرطلّي.


مرحبا ذُكاء، نرى حولنا الكثير من المبدعين ومن يدرسون ويتعلمون بأكثر من مجال وتخصص، ولكنها تكون في نفس الاتجاه إما علمية أي علوم مجردة أو أدبية  كالعلوم الإنسانية والشرعية. كيف استطعتِ أن تجمعي بين الطب( العلمي) وبين النحو والأدب واللغة العربية بشكل عام؟ 

الطبيبة


لنعوُد بالزمن للوراء وتحديداً لأيام الكورونا والحجر المنزلي. حيث كان الكثير من اليافعين يتذمرون من الحجر بينما ابنك أنس أصدر لعبته التي توفرت حينها على جميع الأجهزة الذكية التي تعمل بنظام الاندرويد. كيف استطاع هذا الشاب الصغير (١٤ سنة) إتقان البرمجة وتصميم لعبة بشروط عالية وما كان دور الأم الطبيبة والمعلمة في هذا النجاح؟

نعم قصة أنس بدأت بظرف صعب حيث إن هذا الظرف منعه من الانضمام للمدرسة وهو نفس الظرف الذي منعني من الاستمرار بعملي كطبيبة. لكن الله قادر دائما على جعل المحنة منحة إذا أدرك الإنسان ذلك. أنس متعلم منزلي متعلم حر متعلم ذاتي. دوري كان أني علمته القراءة وحببتها له، حتى أصبح قارئا نهما ومطلعاً على  كثير من المجالات. كذلك ركزت في عمر المرحلة الابتدائية على حفظه للقرآن وتدارسه حتى أتم حفظه بفضل الله تعالى.  مما أمده بالقوة النفسية التي جعلته يقبل اختلافه عن إخوته والأطفال الآخرين بعدم ذهابه للمدرسة. كل ذلك صب في تحفيزه لاكتساب القدرة على التعلم ذاتياً. فتعلم اللغة الإنجليزية ذاتياً، ثم تعلم البرمجة ذاتياً كذلك، ثم بدأ بالإنتاج والتعليم وإعطاء الدورات للأطفال واليافعين من عمره.

أم وطبيبة

هل وفرت أي جهاز إلكتروني لطفلك خلال نشأته وفي عمر المرحلة الابتدائية تحديداً؟

لم أجلب لأطفالي جميعهم أي أجهزة ألعاب أو هواتف محمولة في ذلك العمر ما عدا اللاب توب. حتى أن ابني أنس كان يقول لي: ماما إذا أردت أن تعلمي طفلاً أحضري له لاب توب وليس هاتفاً محمولاً. وذلك لأن الأجهزة اللمسية تعلم الطفل اللعب فقط وسرعة الحصول على الشيء وعدم الصبر، بينما اللاب توب يجبر من يريد استخدامه على التعلم.


تعرضتِ ذُكاء لظرف صعب واضطررت لترك ممارسة مهنة الطب، كيف كان مرور ذلك وأثره عليك؟

نعم، ضايقني ذلك في البداية، وعزّت علي سنوات دراستي. وفيما بعد أدركت أني تركت الطب كممارسة وليس كحياة، فما زلت أمارس الطب ونظام الحياة الصحي على نفسي وعائلتي وأصدقائي. وما زلت أتلقى الاستشارات الطبية ممن حولي، وما زلت أجدد معلوماتي بالاطلاع والقراءة المستمرة. كما أعتقد أني لن أستطيع الآن ممارسة الطب التقليدي الذي يعتمد على علاج المشكلة أو التخفيف من أعراضها الظاهرة، وربما استمر ذلك مدى الحياة ودون شفاء حقيقي للمرض. أؤمن بالطب الذي يقوم على مبدأ:  الوقاية خير من العلاج.

هل اضطررت للجوء إلى أخصائيين واستشاريين لتجاوز هذا الظرف ؟

في الحقيقة لجأت لأمور أخرى، لكن قبل ذكرها أود أن أوضح نقطة وهي أن جميع الناس في  العالم سواء المؤمن منهم أو غير المؤمن يعلم أن الحياة  مراحل واختبارات وأنها لن تثبت على حال. وهنا يختار الإنسان  إما الاستسلام أو الاستمرار. ولا يتوقف الأمر هنا بل إن من يختار الاستمرار باستطاعته أن يسلك طريقين أيضاً: إما الاستمرار بحالة نفسية سيئة وضعيفة أو بحالة حسنة قوية. المهم أن يكون الإنسان متماسكاً في داخله. ساعدتني بعد الله تعالى عدة أمور من أهمها القراءة التي تنقلنا من عالمنا الشخصي الضيق إلى سعة الحياة وتنوع تجاربها. ومن التركيز على مشاكلنا الشخصية  إلـى رؤية مشاكل الآخرين وتجاربهم والتفكر فيها. فإما أن نستلهم منهم حلاً لمشاكلنا، أو كما يقال: من يرى مصائب غيره تهون عليه مصائبه! 

كذلك نعمة العلاقات الصحية والصداقات الصادقة. فإن وجود مثل هذه الصداقات لا يقدم الدعم المادي أو يوفر مساحة للفضفضة وحسب، بل يُشعر بوجود مجتمع قوي حولك يلهمك ويفيدك باستمرار. فتصغر الصعاب شيئاً فشيئاً وتتلاشى الظروف الصعبة لتظهر أخرى مختلفة.


يمكنكم مساعدة أم مرت أو تمر حاليا بظرف مشابه عبر تقديم الاستشارات النفسية وغيرها في موقع كلنا أمهات.


الأم الطبيبة والمعلمة، لم تكتفي بذلك بل أردت أن تكوني كاتبة! حدثينا عن ذلك إذا سمحت؟

كما أخبرتك من قبل أنا أقرأ منذ الطفولة وأكتب باستمرار خواطري وتأملاتي في الحياة. كما أني نشرت سابقاً عدة مقالات علمية وأدبية، لكن ذلك لم يكفني. لأني أريد إيصال شيء للعالم، و ترك بصمة  لا تمحى بسهولة، و الكتب من أجمل وأنفع ما يمكن تركه بكل اطمئنان بين الناس. فكمْ من علاقة بنيناها مع كتّاب لم نلتق بهم يوماً، وإنما  عرفناهم وتحاورنا معهم من خلال قراءة تجاربهم وآرائهم وسيرهم الذاتية. للكلمة أثر عظيم على البشر سواءً إيجابياً أو سلبياً فكم من كلمة أسعدتنا وكم من كلمة آلمتنا. إن الكلمات المحفوظة بين دفّتي كتاب -برأيي- هي أثمن مايمكن أن أقدمه وأتركه للعالم أجمع.

“لم يترك لنا رب العالمين إلا معجزة الكلمة الباقية في القرآن الكريم الذي هو كتاب وكلمات” ذكاء عبد الرحمن 


هل واجهتِ أي عقبات في طريق الكتابة والنشر ؟

بالطبع، المشكلة تكمن في أن دور النشر تبحث عن المشاهير لتحقيق الربح المادي. وهذا مادفعني بداية للتفكير بشكل جدي في أن أنشر على نفقتي الخاصة رغم ارتفاع التكلفة.  تزامن ذلك مع تدقيقي لكتاب لصاحبة دار نشر -أود أن أشكرها جزيل الشكر – حدثتها عما أواجهه فطلبتْ عينة من كتابي، وسعدت جدا بما قرأته فيه، وقررت أن تنشر لي كتابي في دار النشر خاصتها (دار حنان صلواتي للنشر والتوزيع). والحمد لله استغرقت الكتابة مني ما يقارب 3 سنوات واستغرق التصميم والتنسيق والنشر بضعة أشهر (بمساعدة بنتي آلاء) مضت بأعجوبة. وكانت ولادة كتابي (بين أقواس .الحياة) في معرض الرياض الدولي للكتاب في شهر أكتوبر الماضي 2022.


نصائح توجهينها للأمهات العاملات وغير العاملات للتغلب على الصراع النفسي بين الأمومة والعمل سواء العمل الوظيفي أو المنزلي؟ 

أود التركيز هنا على أهمية الصحة  النفسية فلا ينبغي أن تعيش الأم في حالة صراع أساساً.  بل عليها تقبل ظروفها ومسؤوليتها بكل رضا ووعي. فسواءً اضطرت للعمل خارج المنزل أو انشغلت بالعمل المنزلي فلا بد لها أن تركز على بعض النقاط الهامة في بناء الأسرة وإنشاء الأطفال بشكل صحي وسليم. ومن أهمها إعطاء الوقت النوعي، بحيث تخصص وقتاً لأطفالها كمجموعة، وكذلك  لكل طفل على حدة على قدر استطاعتها. فتشاركهم فيه اهتماماتهم وأحلامهم ومخاوفهم، حتى تستطيع معرفة مزاياهم ونقاط قوتهم وضعفهم. من النقاط المهمة أيضا في تنشئة الأبناء تعليمهم  أننا في المنزل وحدة واحدة،  ولا بد لنا من التعاون. فعندما أنشغل لبعض الوقت لأقدم لعائلتنا بعض الاحتياجات المادية، على كل واحد من الأبناء  أن ينشغل ويتولى مايستطيع ًالمساهمة به من المهام اليومية. وهذا السلوك أو النهج ينشئ طفلاً سويّا ثم شاباً ناضجاً مسؤولا.

“إنّ أجمل حصاد لعمر الآباء هو صداقة الأبناء” ذُكاء عبد الرحمن.


5 تعليقات

  1. مروة مروان
    أغسطس 14, 2023 في 5:55 م

    الدكتورة ذكاء امرأة من طرازخاص وافتخر بصداقتها ❤️

    1. ذكاء عبد الرحمن
      أغسطس 15, 2023 في 1:08 م

      شكرا ياغالية

  2. حنان
    أغسطس 15, 2023 في 4:36 ص

    علم وحكمة وذكاء ورقي وأسلوب رائع ..الله يرفع مقامك دكتورة ذكاء أكثر وأكثر

  3. حنان محمد
    أغسطس 15, 2023 في 4:36 ص

    علم وحكمة وذكاء ورقي وأسلوب رائع ..الله يرفع مقامك دكتورة ذكاء أكثر وأكثر

  4. اسماء نصار
    أغسطس 15, 2023 في 2:02 م

    ما شاء الله عنها الدكتورة ذكاء . نموذج للمرأة الناجحة المكافحة . وقصص النجاح .

اترك التعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

0
0