عندما تُستباح الطفولة وتُنتهك الأجساد الصغيرة ويزيد قهرها الكبت والقمع وحرمان الدعم والشعور بالأمان. تكبر هذه النفوس ضائعة تائهة لا بوصلة لديها ترشدها لحقوقها وما عليها. هذا هو السيناريو الأقصر للتحرش الجنسي وما يعانيه ضحاياه. قصتنا اليوم عن شخصية عانت من التحرش الجنسي في الطفولة فتاهت لأعوام حتى حدث الحدث الأكبر وهو تعرض أطفالها لنفس الأذى، فكان وقعه كالصدمة الكهربائية التي أفاقتها وأنقذتها. فهيا نتعرف على هذه القصة.
حدثينا عن قصتك مع التحرش الجنسي؟
بدأت قصتي منذ طفولتي فقد تُحرش بي وهُتك عرضي خلال طفولتي. وللأسف كان موقف أهلي جداً سلبيًا وكل ما طُلب مني أن أنهي الموضوع ولا أتحدث به مرة أخرى. وللأسف أعاد التاريخ نفسه لكن هذه المرة مع ضحايا جدد وهم أطفالي مما سبب لي انهيار عصبي لكن ما لبثت أن ثارت نفسي على من آذى أطفالي. وعلى الرغم من كل الأسى حينها إلا أن هذه الظروف أظهرت لنفسي وللعالم أجمع عظمة أمومتي.
“تظهر عظمة الأمومة عندما يواجه أطفالنا المخاطر”
حدثينا لو سمحت بعد تفضيل الأهل التعتيم على موضوع التحرش الجنسي وإخماده وعدم الخوض فيه كيف تعايشت مع هذا الوضع؟
ما أود التنويه له أنه بعد التعرض للتحرش الجنسي أو الاغتصاب وسواء عوقب الجاني أو لم يعاقب، إلا أن الضحية ستعاني من كثير من الآلام النفسية وردات الفعل الغريبة والمختلفة وغير المتوقعة ودون أن تدركها في وقتها. ولن تدرك الضحية بأنها بحاجة للعلاج والتشافي، لذلك أنا أشدد على الدعم بكل أنواعه للضحية كنوع من نصرة الحق.
هل لك أن تشاركينا أهم هذه الألام النفسية المترتبة على التعرض للتحرش الجنسي؟
لم أعد أعي ما هي حدودي وبدأت أشعر دائما أني مستباحة. لا أشعر بالأمان إطلاقا وأبحث عنه في كل مكان وكل شيء. أيضا من ردات الفعل الغريبة التي أدركتها لاحقاً وبعد وقت طويل هي زيادة الوزن من أجل الحماية. وكأن عقلي يخبرني أن جسمي هو السبب لذلك لابد من تغيره عن طريق اكتساب الوزن! كتمان المشاعر وحتى سوء اختيار الزوج المناسب، فأنا لي تجارب زواج غير ناجحة للأسف. كل هذه الآثار النفسية للتحرش الجنسي كان لا بد لها من العلاج المباشر لكنه للأسف لم يحدث في ذلك الوقت.
حدثينا عن قصة إسلامك؟
التحرش الجنسي مؤذ ولا يوجد به ذرة نفع. لكن ما حدث بعد تعرضي للتحرش الجنسي أني كنت أبحث عن الأمان فهداني الله للإسلام.
كنت أنفذ تعاليم الحجاب بغلو في البداية حتى أدركت أن ذلك من شعوري بالخوف والقلق والبحث عن الحماية والأمان.
بعد مرورك وأطفالك بهذه التجارب الصعبة ماذا يمكنك أن تقدمي نصائح للأهل؟
- عندما تعرضت للتحرش الجنسي كُسرت كل الحواجز والحدود وأبيحت نفسي. أنا لم أعد أعلم حينها ماهي حدودي وحدود الآخرين معي. لذلك من أهم ما يجب تعليمه للصغار الحدود، مثلًا إذا كان الطفل لا يرغب بالقبلات خلال السلام والتحية من أحد فلا بد من احترام رغبته ومعرفة أن هذا حد هو فرضه ولا يحق لنا تجاوزه. كذلك المتحرش عادة يكون من الأقارب والمعارف والأصدقاء ويلمس الطفل ويداعبه على مرأى أهله دون اعتراض منهم لأن هذه اللمسات عادية وطبيعية. حتى يعتاد الطفل ذلك ولا يستطيع أن يميز الحدود وشيئا فشيئا تتدرج اللمسات لتصبح تحرشا جنسيا أو اغتصابا ويكون توقيتها عادة في التجمعات العائلية والاحتفالات وفي وقت انشغال الناس.
- الحذر من المعارف والأقارب والأصدقاء فالإحصائيات والتجارب أثبت أن الجناة بالغالب هم من هذه الفئات ويستغلون المناسبات العائلية وأوقات الأعياد والمناسبات لمثل هذه الأفعال.
- بحسب التجارب والإحصائيات أيضًا فإن أكثر الأطفال عرضة من هم في سن الطفولة المبكرة فلا بد من تعليمهم اللمسات والحركات الطبيعية وغير الطبيعية، وتسمية أجزاء الجسم بمسمياتها الصحيحة.
- الاستماع لأجسادهم ومشاعرهم فالجسم يتفاعل بشكل رهيب مع المشاعر. على سبيل المثال عندما تعرضت للتحرش والاغتصاب، وزيادة عل ذلك لم يؤخذ حقي ولم يدافع عني واضطررت لكبت مشاعري وخوفي وقلقي، بدأت اكتسب الوزن الزائد وعنايت من ذلك لما يقارب 20 عاما. نفس الملاحظة لاحظتها على أطفالي خاصة أنهم يتصفون بالنحل والرشاقة وبعد تعرضهم للحادثة اكتسبوا الوزن الزائد إلى أن تلقوا جلسات العلاج والدعم ثم بدءوا بخسارة الوزن الزائد.
- لا بأس بتعلم بعض الأمور القانونية كخطوات استباقية للحماية والدعم واسترجاع الحقوق.
بعد أن حرمت من التشافي والدعم لسنوات، كيف لجأت للعلاج والتشافي؟
في الحقيقة أنا ما زلت في مرحلة التشافي ولكن قطعت فيها شوطًا كبيرا بفضل من الله، أنا وأولادي، فأنا اليوم بدأت أرى بعض علامات التشافي.
عندما تعرض أطفالي لهذا الأذى، التحرش الجنسي، أيقنت أني بحاجة للعلاج والتشافي. فكما ذكرت لكم أني أصيبت بانهيار عصبي فأنا لم استطع أن أسامح من آذوني وآذوا أطفالي ولم أستطع أن أحمي أطفالي. لذلك قررت أن أخضع للعلاج أنا وأطفالي كذلك للتخلص من رواسب الماضي والحاضر ولنحظى بمستقبل زاهر أنا وأولادي.
كل ما ذكرت هي إنجازت حققتيها وأميال قطعتيها في سبيل مواجهة الظلم، على الصعيد الشخصي وتحديدا نفسك أنت ما التطور الذي حققتيه في مجال التدريب؟
عندما أدركت أن فاقد الشيء لا يعطيه عاهدت نفسي أن أقويها وأمكنها حتى أستطيع مساعدة أطفالي وغيري.
وأنا الآن بفضل من الله مدربة تمكين أساعد الآخرين على تجاوز الأزمات والوثوق بذواتهم وقدراتهم.
لمعالجة الصدمات النفسية للأطفال والبالغين يمكنكم التواصل مع الأخصائية رنا طيارة في موقع كلنا أمهات.
رسالة أخيرة توجهينها للأمهات؟
رسالتي لكل أم أن تتذكر دائما أن تصرفاتها وردود أفعالها لها أبعادها في الحاضر والمستقبل. فإن اختارت أن تسلك الطريق الصحيح رغم صعوبته ستجد أثره وإيجابيته في مستقبلها ومستقبل أطفالها. وإن اختارت الطريق السهل على الرغم من أذاه وجرحه فستجد شدة وطئه في مستقبلها وأولادها.
رسالة توجهينها للعالم أجمع؟
أود أنه يصبح هناك توعية مثل التوعية التي تكون لأي مرض أو حدث، لأنه هذا الشخص الجاني لا يتوقف عند طفل واحد وهذا الفعل الشنيع التحرش الجنسي لا يتوقف في زمان ما بل ينتقل من زمان لزمان ويؤذي جيل تلو الآخر.