“يعطينا الله العديد من الهدايا والنعم في هذه الحياة، وأطفال متلازمة داون إحدى هذه النعم”. هذا ما أخبرتنا به السيدة العظيمة والمربية الفاضلة عن ابنتها، التي ميزها الله عن باقي الأطفال. تروي لنا السيدة “لقاء” رحلتها مع ابنتها “لين”، منذ يوم ولادتها إلى الآن. يقينها بالله تعالى أعطاها القوة لتجتاز كل الصعاب والتحديات؛ لتربي ابنتها خلال ال 18 عاماً إلى الآن بكل حب وعطف وفخر. لم تحرمها يوماً من حقها في التعليم، بل وكافحت أمام مجتمعٍ لا يرحم الاختلاف. تقبلت الرفض دون أن تستسلم، وتوجهت إلى مدارس مختصة بحالة ابنتها بدلاً من الدمج الذي لم يكن متاحاً آنذاك. وها هي اليوم لين شابة كاملة طبيعية التصرفات لا تختلف عن فتيات جيلها. وها هي السيدة الملهمة؛ تكمل رحلتها مع ابنتها بإصرار وحب وأمل بأن يمد الله في عمرها، لتضع ابنتها على بداية الطريق الصحيح.
عرفينا عن نفسك
اسمي “لقاء”؛ وأنا الآن في العقد الخامس من عمري. سيدة أردنية وأم لثمانية ابناء وجدة لخمسة أحفاد. كنت أماً عادية إلى أن أنعم الله علي ورزقني بطفلتي الأخيرة؛ وهي شابة اليوم في الثامنة عشرة من عمرها. “لين”؛ شابة من ذوي الاحتياجات الخاصة، ومن متلازمة داون تحديداً.
أحب القراءة والتسوق ودفء العائلة، وسعيدة جداً وممتنة لوجود لين وباقي أبنائي وبناتي في حياتي. أفرح وزوجي جداً عندما يجتمع الأولاد من حولنا. ومهما أبعدتنا ظروف الحياة المختلفة؛ هم يعيشون في داخلي وأعتبرهم الهواء الذي أتنفسه.
أخبرينا قصة ولادة لين، ما هي المشاعر التي انتابتك عند مقابلتها لأول مرة؟
المشاعر التي انتابتي لأول مرة هي الصدمة! نعم انتابتني مشاعر الصدمة؛ لأني لم أكن أعلم خلال فترة الحمل عن حالتها. كنت أتمنى لو أخبرني الطبيب خلال فترة الحمل؛ فالإنسان بحاجة لتهيئة نفسه لسماع أي خبر يتعلق بطفله قبل استقباله.
أيضاً امتلأت بمشاعر الخوف من المجهول؛ فأنا لم أكن أعلم شيئاً عن أطفال متلازمة داون ولا أعلم شيئاً عن وضعهم الصحي. خفت أن أخسر طفلتي الرضيعة، وخفت ألاّ أربيها بما يرضي الله. ثم حمدتُ الله وثقفت نفسي أكثر بما يخص الحالات المختلفة لأطفال متلازمة داون. والحمدلله أنا محظوظة جداً بكون “لين” ابنتي!
لا أنكر صعوبة الموضوع في البداية، وصعوبة التحديات الطبية والنفسية والجسدية التي واجهتها. ولا أنكر حزني من نظرة بعض الناس لطفلتي، وحساسيتي للكلام الجارح الذي تفوه به البعض. ولكن الأيام تعلمنا أن نكون أقوى وأوعى، والتجارب تعلمنا أن نسمو بحبنا لأطفالنا فوق تعليقات وآراء ونظرات الآخرين! بل وتعلمنا لا شيء يهم سوى سعادة أطفالنا.
كأم لطفلة من اطفال الاحتياجات الخاصة؛ لا شك أنكِ واجهتِ العديد من الصعوبات والتحديات. حدثينا عنها
بدأت التحديات منذ اليوم الأول لولادة طفلتي؛ فقد واجهت صعوبة في إرضاعها لظرف صحي ونفسي أصابني أثناء الولادة وبعدها. فلم ترضع طفلتي مني سوى أيامٍ معدودات، الأمر الذي أحزنني وأرهقني نفسياً.
ثم بدأت المشاكل الصحية تظهر في “لين”؛ وأنا الآن أقص أحداثاً حصلت منذ 18 عاماً، حيث لم تكن المعرفة الطبية واسعة وقوية كما هي اليوم. كنت أشعر أن طفلتي ليست بخير، كنت ألاحظ ازرقاق لونها وصوت نبضها المرتفع، وبدأت رحلة البحث عن طبيب ماهر. ثم تشخصت لين بوجود فتحة في القلب، التي قد تغلق دون الحاجة لتدخل طبي، أو أنها قد تحتاج لعملية جراحية. وبفضلٍ من الله لم تضطر ابنتي للخضوع للعملية.
ثم توالت التحديات الأخرى المتعلقة في دمجها في المجتمع والمدرسة، والتي للأسف ما زالت قائمة إلى اليوم. بذلت جهدي أنا وزوجي، وزرعنا في لين ثقة عالية في النفس؛ لكي تكون سلاحها في مواجهة المجتمع الذي نعيش به.
واليوم لين شابة سعيدة مرحة اجتماعية لأبعد الحدود ومحبوبة من الآخرين. تواجه الرفض في بعض الأحيان من بعض أفراد المجتمع؛ ثم تحظى بالكثير من المحبة والتقبل من أفرادٍ آخرين ومن عائلتها الصغيرة والكبيرة، ومن الأصدقاء وأغلب الأشخاص الذين نقابلهم.
ما هي رسالتك لتعزيز دمج أطفال متلازمة داون في المجتمع؟
اسمحي لي أن أوجه رسالتي إلى الوالدين أو المربين بشكل عام، وإلى الأمهات بشكل خاص؛ نحن نعلم أن الأم هي التي تربي أطفالها، حتى لو شارك الأب في العملية التربوية تبقى مشاركة الأم أكبر. لذلك؛ سأقول اليوم للأمهات: أن احرصي على زرع التقبل في نفوس أطفالك منذ اليوم الأول، ربيهم على أن الاختلاف نعمة وأن الاختلاف شيء رائع. ربيهم على احتواء الشخص الذي يتعاملون معه، بل ربيهم على احترام ذوي الاحتياجات الخاصة؛ فهم لم يخلقوا أنفسهم بل هذه مشيئة الله.
ثقفي نفسكِ وثقفي أطفالك بالأمور العامة المتعلقة بالأشخاص من ذوي الهمم، كوني السبب في سد الثغرة الضخمة التي يعاني منها مجتمعنا العربي في تقبل هذه الفئة. ويكون ذلك بالتعرف على عالمهم الخاص أولاً؛ ثم مساندتهم وتقبلهم بدلاً من نظرات الاستهجان أو الشفقة، التي تظهر على وجه البعض عند رؤية ابنتي أو أي شخص من ذوي الهمم، ونعم هذه النظرات تؤلم!
ما هي رسالتك لأمهات الأطفال المصابين بمتلازمة داون؟
احمدي الله أولاً ودائماً، وكوني قوية وقفي في وجه التحديات التي تواجهك وتواجه طفلك. نعم الأمر ليس سهلاً أبداً خصوصاً في الأيام والأشهر الأولى! ستمرين في مرحلة الصدمة والإنكار وعدم التصديق، وقد ترفضين طفلك أيضاً! وهذا طبيعي جداً فلا تشعري بالذنب. ثم بعد ذلك ستشعرين وكأن الله أحيا في داخلك جزءً لم تتخيلي أنه موجود أصلاً!
ستخافين من المجهول وستخافين على طفلك من هذه الحياة القاسية، ولكن دائماً تذكري أن الله معك يراك ويسهل لكِ الطريق ويبث في قلبك الصبر والرحمة.
بالنهاية تأكدي أن طفلك من ذوي الهمم؛ ليس ابتلاء ليختبر الله به صبرك! بل هو هدية ربانية كنتِ بحاجة لوجودها في حياتك. لو كانت إحدى قارئات هذا المقال أم لطفل من ذوي الهمم ستفهم ما أعني جيداً، وستصدق عندما أقول أن الأطفال من ذوي الهمم يزيدون الرزق والبركة والدفء في المنزل، ويقربون أفراد العائلة من بعضهم ومن الله أكثر. هم شعلة الفرح والراحة والحب في هذا البيت وهم أكثر من يفهمنا ويحبنا!
الأستاذ ناصر الشيخ ذيب - قصة نجاح أب فاضل لطفل ملائكي مصاب بمتلازمة داون - كلنا أمهات
مايو 19, 2021 في 12:41 م[…] اقرأ أيضاً قصة نجاح أم ملهمة لطفلة من أطفال متلازمة داو… […]