لا شك في أن يختصك الله عز وجل بطفل أو طفلة من ذوي الهمم سيضعك أمام خيارين إما الاستسلام وإنكار الواقع أو التحدي ومعرفة قوة داخلك لم تكوني قد عرفتها من قبل.
نتعرف اليوم عبر موقع كلنا أمهات على عبير قرش، مؤسسة مدرسة الرعاية لذوي الهمم، وأم لفتاة حملت متلازمة داون، فقدت ابنتها في سن مبكر لكن روحها لا زالت تشهد أنه والدتها تسعى لتغيير حال أطفال متلازمة داون وتطالب بحق التعليم والدمج. لم تنتظر التغيير بل بادرت هي به!
عرفينا عن نفسك.
عبير قرش، من فلسطين، أم لخمس بنات.
لماذا اخترتِ إنشاء مدرسة الرعاية؟
منذ طفولتي كان لدي حب لذوي الهمم، كنت دائماً أجمع مصروفي لأشتري هدايا لهم عندما نزورهم في المدرسة.
وعندما تزوجت رزقني الله بفتاة تحمل متلازمة داون اسمها مريم ولم أجد حينها أي مؤسسة لرعايتها وتطويرها، درست في البداية في مؤسسة الرعاية، ولكن عندما بدأت الأمور تتأزم وأصبحت المؤسسة مهددة بالإغلاق لأسباب مادية وادارية وحاجتهم لادارة تنهض بالمدرسة، أخذت قرار إرسال ابنتي إلى الأردن للقرية العربية للتحديات الخاصة، في مكان بعيد عني، على أمل ونية توفير العلم والرعاية التي تستحقها، وكنت أزورها باستمرار وأفرح بتطورها، ولكن للأسف توفيت قبل آخر موعد زيارة لها بيومين وبقيت حسرة في قلبي إلى الآن أنها توفيت وهي بعيدة عني، والآن لا أتخيل أن أفقد أحداً من طلاب مدرسة الرعاية كما فقدت ابنتي ولا أن يشعر أهلهم كما شعرت أنا.
قررت بعدها أن أستلم إدارة مركز الرعاية وتحويله لمدرسة لذوي الهمم، وقررت ترك كل المدارس التي أعمل معها كناشطة اجتماعية وأن أركز جهدي على إنجاح هذا المشروع، والحمد لله نجحت وبقيت أبوابها مفتوحة.
ما الخدمات التي تقدمها مدرسة الرعاية حالياً؟
تخدم المدرسة حالياً خمس مناطق، وفيها 30 طالب وطالبة، نُدرّس فيها أربع مواد أساسية: اللغة العربية والدين الإسلامي والعلوم والرياضيات، وأضفنا مؤخراً مادة اللغة الإنجليزية للمنهاج. ويتقدم الطلاب لامتحانات رسمية ويحصلون على شهادات. كما نقدم خدمات العلاج الطبيعي والعلاج الوظيفي وعلاج النطق، وهناك مركز نطق وسمع تابع للمدرسة يخدم المجتمع المحلي كله وليس فقط طلاب المدرسة.
ما أكبر التحديات المجتمعية التي واجهتك ؟
واجهت صعوبة في الحصول على مبنى لاستئجاره وانشاء مدرسة الرعاية، فقد رفض الكثير من أصحاب البيوت والعقارات عندما علموا أن هدفي هو إنشاء مدرسة لذوي الهمم، ولكن أرى الآن أن هناك تطوراً لصالح مدارس ذوي الهمم، فمثلاً في السابق تمركزت هذه المدارس في مناطق معزولة، أما الآن فالوعي أفضل وتوسعت ثقافة الناس.
تسوق قصة لولو وصديقها الكروموسوم للكاتبة تسنيم عمران عبر موقع ممزوورلد
كيف تعاملتِ مع التحديات التي واجهتك في مدرسة الرعاية؟
ساعدني في التعامل مع التحديات المعلمات وأهالي الطلاب وبعض من المجتمع، فاستطعنا إثبات فكرتنا وإزالة الأفكار النمطية عن ذوي الهمم. فمثلاً بنينا علاقات مع جامعة القدس وطلابها، ومع الأهل والجيران في المنطقة ودمجناهم معنا ومع المدارس الأخرى وغيرها.
ونقيم كل سنة مخيماً صيفياً دامج بين الطلاب من ذوي الهمم في مدرسة الرعاية وطلاب المدارس الأخرى. وأيضاً نقيم نشاطات مع كبار السن في المنطقة. وهذا كله ساهم في كسر الأفكار النمطية عن ذوي الهمم وخلق لهم علاقات مميزة مع المحيط.
كيف تصفين علاقتك بمعلمات مدرسة الرعاية؟ خاصة أنه لم يحدث أن استقالت معلمة من فريق عملك حتى الآن، وهذا أمر نادر الحصول.
تقدم معلمات مدرسة الرعاية جهداً كبيراً ومضاعفاً مع الطلاب، وللأسف، رغم تقديري الكبير لجهودهن، إلا أنني أشعر بالتقصير وقلة الحيلة أمام جهودهن. لضعف الإمكانيات المادية، فأنا الممول الوحيد للمدرسة، ولكنهن يعملن لرغبتهن الحقيقية في أن يعملن مع الطلاب من ذوي الهمم ولإيمانهن برسالة مدرسة الرعاية.
وأنا أقدر جهودهن جداً خاصة فيما يتعلق بالتدريس، فعندما طرحت فكرة إدخال مواد تدريسية كان هناك محاولات إحباط من البعض، لكنهن أثبتن نجاحهن، وظهرت نتيجة شغفهن وخططهن المستمرة في التطوير من خلال إنجازات الطلاب، بل تطورت الأمور وخلقن جواً تنافسياً بين الطلاب. هدفنا الأساسي أن يشعر الطالب من ذوي الهمم بأنه لا يختلف عن إخوته ولديه هو أيضاً دراسة وواجبات وامتحانات.
من هم أبرز الداعمين لكِ بالإضافة لمعلمات مدرسة الرعاية؟
الداعم الرئيسي هو زوجي الشيخ يعقوب قرش فهو المتكفل في كل مصاريف المدرسة من رواتب المعلمات، والإيجار، والاحتياجات، وغيرها، بالإضافة لدعم عائلتي وبناتي.
ما هي خططك ورؤيتك المستقبلية لمدرسة الرعاية؟
أحلم بأن تتوسع مدرسة الرعاية ويتطور نطاق عملها، وأتطلع لأن تصبح المؤسسة بمستوى جمعية القرية العربية للتحديات الخاصة في الأردن. أزور الجمعية في الأردن كلما سنحت لي الفرصة وأنظر لها بعين الفخر، وأسعى لأن تصبح مؤسسة الرعاية بنفس المستوى. كما أسعى للحصول على دعم أكبر للمدرسة لأتمكن من إعطاء المعلمات رواتب أفضل لأنهن يستحققن. وحالياً أعمل على فتح قسم تدريب مهني للطلاب الذين أنهوا سن الدراسة كي لا ينقطعوا عن التطور والتعلم المستمر.
هل أنتِ سعيدة بما وصلت إليه اليوم مدرسة الرعاية؟
نعم، وأتمنى لو كانت ابنتي مريم موجودة وشاهدت ما وصلت إليه مدرسة الرعاية اليوم.
عبير قرش، شكراً لك على هذا الحوار الممتع عبر موقع كلنا أمهات