لا شك بأن الموت من أصعب المواقف وأقساها على الإنسان. خصوصاّ عندما يباغتنا الموت فجأةً وبدون إنذار، كما في الحروب والنزاعات، أو نتيجةً لحادثٍ مروري، أو غيرها من الأسباب. هذا قد يخلف الكثير من الأطفال الفاقدين لأحد أحبتهم، كالوالدين مثلاً، أو أحد الأجداد، أو الأخوة، أو الأصدقاء. فيصبح الشخص المسؤول عن هؤولاء الأطفال أمام مسؤوليةٍ كبيرةٍ، للتعامل مع هذا الموقف الصعب. حيث أن عليه المضي قُدُماً محاولاً الثبات، رُغم ما يعانيه من حزن على الصعيد الشخصي نتيجةً لصدمة الموت المفاجئ التي يمر بها بدوره.
يواجه البالغون صعوبةً كبيرةً في تقبل فكرة الموت رغم معرفتهم بأن الموت حق. فماذا عن الأطفال؟ كيف لنا أن نشرح لهم فقدنا أحد الأحبة اللذين يشكلون جزءاً أساسياً من حياتهم؟ كيف لنا كأمهات أن نخفف من وطأة الخبر عليهم، وأن نساعدهم على التقبل والتأقلم والتعايش بأقل الأضرار النفسية الممكنة؟ وهل نستطيع أن نساعدهم على تحويل المحنةِ إلى منحةٍ يتعلمون منها ما يعينهم ويثري عقولهم وشخصياتهم؟
صدمة الموت المفاجئ – كيف نخبر الطفل بموت أحد المقربين ومن يجب أن يخبره؟
لا شك بأن موقفاً بهذه الصعوبة يتطلب دقةً في التصرف، نراعي فيها أسلوبنا في إخبار الطفل بالطريقة الأمثل ومن خلال الشخص الأنسب.
كيف نخبر الطفل عن الموت؟
- إيجاد مكان هادئ وآمن للجلوس فيه، يَسمحُ للطفل أن يُبدي ردة فعلة بحرية.
- إخبار الطفل الحقيقة بصدق ووضوح. فذلك يزيد من ثقة الطفل بمن يخبره، ويساعده على التأقلم بشكل أسرع.
- التحدث بهدوء وتروي. وإعطاء الطفل الوقت الكافي للاستيعاب.
- إظهار التعاطف مع الطفل، مع عدم استخدام كلمات تلطيفية يمكن أن تشتت الطفل. فالوضوح وقول الحقيقة هام جداً.
- الإجابة عن أسئلة الطفل بصدق، ولكن بشكل مبسط وبدون تفاصيل.
من يخبر الطفل عن الموت؟
- يجب أن يكون الشخص الأقرب للطفل هو من يخبره الحقيقة. حتى لو كان هذا الشخص هو أحد الوالدين ويعاني وتظهر عليه علامات الحزن. لكن الأهم أن يكون هناك سيطرة نوعاً ما على مشاعره أمام الطفل.
- في حال عدم وجود الشخص الأقرب، أو عدم قدرته على إيصال الحقيقة للطفل بالشكل الصحيح، نلجأ للشخص المقرب بعده للطفل.
صدمة الموت المفاجئ وردود الفعل المتوقعة من الأطفال
تختلف استجابات الأطفال المتوقعة عند موت أحد المقربين حسب عدة عوامل وأهمها: الفئة العمرية التي ينتمون إاليها، وقدراتهم العقلية، وعلاقتهم بالشخص المتوفي، وردات فعل أفراد الأسرة الآخرين. فيما يلي أهم الأعراض المتوقع ملاحظتها لعدة فئات عمرية:
الأطفال الصغار 5 سنوات وأقل
- طرح أسئلة متكررة عن الشخص المتوفي أو عن الموت ومعناه. لأن هذه الفئة العمرية غالباً ما يواجهون صعوبةً في فهم الموت. وهنا يجب تقديم إجابات واضحة ومبسطة.
- تغيرات في عادات النوم، واستخدام الحمام، أو تبليل السرير أثناء النوم.
- التعلق الزائد بالشخص المسؤول عنهم في هذه الفترة، والخوف من البعد والانفصال عنه.
- إظهار اهتمامات بألعاب جديدة لم تكن ضمن اهتماماتهم سابقاً.
الأطفال من عمر 6-11 سنة
يعتبر الأطفال في هذا العمر، قادرين على فهم فكرة الموت. ولكن قد يسألون عن إمكانية عودة الشخص المتوفي يوماً ما.
- الغضب تجاه أفراد الأسرة.
- لعب أكثر عداونية.
- موجات من الحزن بين فترة وأخرى.
- الكوابيس أثناء النوم.
- التبول اللاإرادي.
الأطفال والمراهقون من عمر 12 عام وأكثر
يدرك الأطفال في هذه المرحلة بأن الموت لا رجعة فيه، وبأنه سوف يحدث للجميع بما في ذلك أنفسهم.
- الغضب.
- الحزن الشديد.
- اللامبالاة في جوانب حياتهم المختلفة.
- ضعف في التركيز.
- اضطرابات في النوم.
- العزلة والانسحابية.
- اللجوء للسلوكيات إدمانية لدى المراهقين.
كيف أساعد طفلي على تخطي صدمة الموت المفاجئ والتأقلم مع الفقد؟
يعتبر عدم تقبل الموت وإنكاره، من المسببات الرئيسية للعديد من المشكلات التي قد تظهر لدى الطفل لاحقاً. وفيما يلي عدد من الأمور التي تمكننا من مساعدة أطفالنا على التعامل مع الحزن بشكل أفضل.
- كوني مستمعةً جيدةً دائماً لطفلك في هذه المحنة، وأجيبي عن أسئلته بوضوح وصدق وبشكل مبسط.
- إعطاء الطفل الفرصة الكاملة للتعبير عن مشاعره ومخاوفه المتوقعة. قد يرغب الطفل برسم صورة أو غناء أغنية، وغيرها من الطرق.
- المحافظة على الروتين الطبيعي في حياة الطفل قدر الإمكان. فرغم أن الحزن يأخذ بعض الوقت، ولكن الروتين يوفر شعوراً بالأمان، ومعرفةً بأن الحياة مستمرة رغم الفقد والحزن.
- المداومة على ذِكرِ الشخص المتوفي بشكل طبيعي، حتى يعرف الطفل بأن الحديث عنه ليس ممنوعاً. مما يساعده على التقبل أكثر.
- إبقاء الطفل على تواصل مع محيطه من العائلة والأصدقاء. مما يوفر دعماً نفسياً جيداً له.
متى أطلب مساعدة المختصين؟
تعتبر حالة الحزن حالةً طبيعيةً، ويستجيب لها الأطفال بشكل مختلف كما ذكرنا سابقاً. لكن استمرار بعض الأعراض لمدة 6 أشهر أو أكثر أو ظهور علامات ومؤشرات خطيرة؛ يستوجب طلب المساعدة من المختصين. مثل:
- الكوابيس المستمرة.
- العزلة.
- اللجوء للتعاطي والمخدرات لدى فئة المراهقين.
- اكتئاب مستمر.
- أفكار انتحاريه.
لا تتردي بطلب المساعدة من فريق الأخصائيين النفسيين والأسريين من كلنا أمهات.
ختاماً علينا أن نتذكرأن الطفل يقلد أهله في ردات فعله. فلا مشكلةً في إظهار مشاعرنا أمامه، لأن ذلك يطمئنه بأن الشعور بالحزن أمر طبيعي. لكن مع مراعاة سيطرتنا على هذه المشاعر بالشكل المعقول، حتى لا نكون سبباً في تعلم الطفل طرقاً غير صحيحةً في تعامله مع الحزن.
هذا المقال بقلم وجدان أبو أحمده
يتقدم فريق كلنا أمهات بالشكر للأستاذة وجدان أبو أحمده لتقديمها هذا المقال القيم المليء بالفائدة