أنيسة الشريف: أثر الأمومة في اختيار العمل الحُر لنشر الوعي المجتمعي تجاه تمكين المرأة والوالدية

قصص نجاح أمهات ملهمات

أنيسة الشريف: أثر الأمومة في اختيار العمل الحُر لنشر الوعي المجتمعي تجاه تمكين المرأة والوالدية

تمكين المرأة

تمكين المجتمع يبدأ من خلال تمكين المرأة

أنيسة الشريف: مدربة وعي والدي ومؤسسة تنشئة وهي مؤسسة تقدم الدعم التثقيفي والمعنوي للأمهات من خلال ورش التدريب الجماعية (المباشرة والمسجلة) وكذلك جلسات تمكين المرأة التي تتم من خلال (الاستشارات) الفردية. كما أسست أنيسة مجتمعها الاول باسم “مجتمع تنشئة” التي تركز فيه على الأم بنظرة أشمل وتقدم لها المعرفة في حلقات مجتمعية أسبوعية.

تركت أنيسة العمل المرموق في مؤسسة حكومية بعد ١٣ عاماً من العمل الدؤوب بعد أن شعرت بأن تلبية نداء الأمومة أهم من مواصلة العمل وتسلق السلم الوظيفي ووجدت نفسها في مجال التدريب الوالدي عام ٢٠١٨.

وكذلك عملت أنيسة خلال الأربع سنوات الماضية على تأسيس “ملتقى التعليم والتعلم” وهو ملتقى افتراضي سنوي يُعنى بتسليط الضوء على الوضع الحالي لمنظومات التعليم في وطننا العربي وكيف يمكن الارتقاء بهذه النظم لتتماشى مع فطرة الإنسان والتطور التقني والمعلوماتي الذي يشهده العالم.

شاركت أنيسة مؤخراً في أسبوع أبوظبي للأعمال كنموذج للشركات الصغيرة ذات التوجه الاجتماعي.


في الحقيقة، الأمران ليسا مرتبطين. لم أترك العمل الحكومي بسبب رغبة في الانتقال إلى العمل الحر. ما حدث هو أنني شعرت بأنني وصلت إلى نقطة لم تعد وظيفتي فيها تلبي طموحاتي، تزامناً مع كوني أمًا جديدة لطفلة. تلك المرحلة كانت مليئة بالتحديات التي أجبرتني على مواجهة الكثير من الأمور التي كنت أتجنبها في حياتي.

فجأة، وجدت نفسي أمام مشاعر غامرة وإحساس بالذنب، مما زاد من الضغط النفسي. لذلك، قررت أن أترك الوظيفة لأبدأ رحلة بحث عن إجابات. أردت أن أكتشف طريقة أفضل للتواصل مع ابنتي، وفهم نفسي، ومعالجة تلك المحفزات والمشاعر التي أربكتني.

رحلتي هذه قادتني إلى اكتشاف منهجية “التنشئة عبر التواصل”، التي أدهشني كم هي فعالة ومؤثرة. ومع إدراكي لأهمية هذه المنهجية، ولاحتياجنا لها في العالم العربي مع قلة المصادر المتوفرة باللغة العربية، شعرت بمسؤولية لنشرها. ومن هنا، وُلدت “تَنشِئَة”.


المشكلة الأساسية تكمن في أن منظومة العمل الحالية هي منظومة غير إنسانية ومنفصلة بشكل كبير عن احتياجاتنا كبشر.. سواءً رجالًا أو نساءً. هذه المنظومة لا تراعي حقيقة أن الإنسان يمر بمواسم مختلفة في حياته.. وفي كل موسم تتغير أولوياته. للأسف، المنظومة الاقتصادية الحالية لا تعكس هذا الواقع.. ما يجعلها مجحفة للجميع، لكنها تضع ضغطًا إضافيًا على الأمهات بشكل خاص.

عندما تصبح المرأة أمًا، تدخل في مرحلة تكون فيها الأولوية المطلقة لرعاية طفلها وتنشئته. هنا، تظهر بوضوح أوجه القصور في السياسات الاقتصادية الحالية.. حيث تقتصر الحلول المطروحة على سياسات سطحية مثل إجازات الوضع أو مراكز رعاية الأطفال. ورغم أهميتها، إلا أنها لا تعالج المشكلة الجذرية.

العمل الرعائي، سواء كان لرعاية طفل، شخص مريض، أو كبير في السن، لا يُحتسب كجزء من النشاط الاقتصادي، على الرغم من أنه يشكل أساسًا لاستقرار الإنسانية. حتى المؤسسات التي تم إنشاؤها لتقديم هذا النوع من الرعاية، مثل الحضانات أو مراكز الرعاية، غالبًا ما تقدم خدمات بجودة متدنية نتيجة تدني الأجور وتهميش هذه القطاعات.

الحل الحقيقي يكمن في مراجعة شاملة للمنظومة الاقتصادية بحيث تعطي الأولوية لأعمال الرعاية وتجعلها جزءًا أساسيًا من التنمية. لا يمكننا أن نحقق التوازن كأفراد أو كمجتمعات ما لم يتم احترام وتقدير هذا النوع من العمل. وحتى ذلك الحين، يجب على الأمهات أن يعبرن عن احتياجاتهن بوضوح ويطالبن بحلول تتجاوز السياسات السطحية، مع السعي لتشكيل مجتمعات داعمة تحقق لهن نوعًا من التوازن والاعتراف بدورهن.

إقرئي عن دور الشركات في تمكين المرأة وخاصةً الأم العاملة.


الحقيقة أن مفهوم “الوالدية” الذي أتبناه أوسع بكثير من مجرد دور الأب والأم.. فهو يشير إلى منظومة متكاملة تقوم على رعاية الطفل وتربيته ضمن إطار أسري داعم. هذا المفهوم ينبع من حقيقة أننا كأفراد ومجتمعات نحتاج إلى العودة إلى فكرة أن “تربية الطفل تحتاج إلى قرية”. قد يبدو هذا القول مبالغة، لكنه يعكس جوهر الاحتياج الحقيقي للأسرة.

وجود أكثر من فرد يتحمل مسؤولية الطفل هو ضرورة.. خاصة عندما ندرك أن رعاية الطفل في مراحله الأولى تتطلب طاقة كبيرة جسديًا، نفسيًا، وذهنيًا. هنا تظهر أهمية توزيع الأدوار داخل الأسرة. على سبيل المثال، عندما يكرّس أحد الوالدين – سواء كان الأب أو الأم – وقته لرعاية الطفل.. فإن الشخص الآخر يحتاج إلى تأمين الموارد التي تدعم الأسرة. وقد يتوسع هذا الدور ليشمل أفرادًا آخرين، مثل الجد أو الجدة، أو حتى العم والعمة، لتحقيق التوازن بين التنشئة والرعاية.

عندما تنجب الأم، تصبح في مرحلة تحتاج فيها إلى دعم كبير على جميع المستويات – جسديًا، نفسيًا، وعاطفيًا. هذه المرحلة تتطلب تركيزًا داخليًا للأم على نفسها وعلى حياة الطفل الجديد، مما يجعل وجود الأب أو أي فرد داعم آخر في الأسرة ضروريًا لتلبية هذه الاحتياجات وضمان استقرار الأسرة.

إذن، مفهوم “الوالدية” يتخطى الأدوار التقليدية، ليشمل مسؤوليات الرعاية والتربية والدعم النفسي والذهني والجسدي، التي لا يمكن أن يتحملها شخص واحد بمفرده.

إقرئي عن: المرأة العاملة والعمل العاطفي – كيف لا تأخذ الأمور بشكل شخصي


هناك مقولة تُنسب لنابليون تقول: “المرأة التي تهز المهد بيمينها تهز العالم بيسارها”. وهذا القول يعكس حقيقة عميقة.. لأن ما بُنيت عليه البشرية هو نتاج الأفراد الذين تربوا على أسس متزنة وصحية. نعلم الآن من الدراسات أن السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل هي الأكثر أهمية، حيث تُشكل علاقته بالمربي الرئيسي – والذي يكون غالبًا الأم – أساس رؤيته لنفسه وللعالم من حوله.

الأمومة لا يمكن اختصارها بسهولة.. لأن أثرها لا يتوقف عند شخص واحد؛ بل يمتد عبر أجيال. هذا التأثير العميق يخلق فرصًا للأم لاكتشاف ذاتها أيضًا. الأطفال هم مرآة، يعكسون لنا ما ينقصنا من مهارات أو ما يوجد من خلل في منظومتنا القيمية. من خلال أسئلتهم ومواقفهم، يوجهوننا بحقيقة أنفسنا ويطلبون منا أن نكون صادقين. أي تناقض في قراراتنا أو قيمنا يظهر على شكل سلوكيات مزعجة أو مؤذية.. مما يجعلنا نعي أن الأمومة ليست فقط عن التربية.. بل هي رحلة مراجعة ذاتية ونمو داخلي.

هذا الدور لا يقتصر على الأمهات فقط؛ كل من يشارك في تربية طفل لديه فرصة عظيمة ليقترب من نفسه، ليصحح، ويتعلم، ويصبح نسخة أفضل من ذاته. الأمومة، بهذا المعنى، هي عملية نمو متبادل بين الأم وطفلها، تمتد جذورها إلى سبعة أجيال وأكثر

إقرئي أيضًا خمس نصائح للحديث مع أطفالك عن سبب ذهاب ماما للعمل


للأسف، دور الأمومة أو التربية – إن وسّعنا المفهوم ليشمل أي شخص يقوم بدور الرعاية – هو عمل يتطلب دوامًا كاملًا، وهو مرهق جسديًا ونفسيًا وذهنيًا. ومع ذلك، لا يُعتبر هذا الدور عملًا ذا قيمة في المنظومة الاقتصادية السائدة، مما يجعل من يؤديه، سواء كان أمًا أو أبًا، يشعر بضغوط هائلة دون أن يحصل على الدعم الكافي.

ما أود أن أؤكد عليه هو أن المشكلة ليست في الأمهات أنفسهن، بل في المنظومة التي لا تعترف بأهمية هذا الدور ولا تدعم تمكين المرأة والأم بسياسات وأدوات كافية. ومع ذلك، في ظل هذا الواقع، تقع المسؤولية على الأمهات والآباء لبناء نظم دعمهم الخاصة وإنشاء مجتمعات داعمة لهم. قد يبدو هذا عبئًا إضافيًا وغير منصف، لكنه ضرورة لتخفيف الضغط وجعل الرحلة أكثر سلاسة.

النصيحة الأساسية هنا هي أن تدرك كل أم أن الأولوية في هذه المرحلة هي “الغرس والتربية” لأطفالها بشكل متزن، وأن ذلك قد يتطلب التنازل عن بعض الأمور الأخرى. من المهم أيضًا تقبل أن الكمال غير ممكن، وأن بناء مجتمع داعم مستدام حولها – سواء كان من الأسرة، الأصدقاء، أو المجموعات المتخصصة – يمكن أن يُحدث فارقًا كبيرًا في التخفيف من الأعباء وجعلها تشعر بمزيد من التمكين والثقة في دورها.

إقرئي عن التسويق الذاتي وبناء هوية رقمية فريدة في بيئة الأعمال


عندما نتحدث عن العودة إلى الفطرة، نستلهم دائمًا من الطبيعة، حيث كل شيء يعمل وفق دورات ومواسم. لا شيء يبقى على حاله إلى الأبد. فكما تتبدل الفصول من الشتاء، الذي يمثل الراحة والهدوء، إلى الربيع، حيث تبدأ الحياة في الازدهار، ثم الصيف للنضوج، وأخيرًا الخريف للإعداد لموسم جديد، كذلك هي حياتنا كبشر، والأمومة ليست استثناء.

في بدايات الأمومة، يكون الطفل في حاجة ماسة للرعاية الجسدية والارتباط الوثيق، وهو ما يتطلب طاقة مختلفة وتركيزًا كاملًا من الأم. مع نضوج الأطفال واستقلالهم التدريجي، تتغير طبيعة العلاقة لتصبح أقل جسدية وأعمق في التواصل. حتى شكل هذا التواصل يتغير من مرحلة عمرية إلى أخرى، مما يعكس تطور العلاقة واحتياجاتها.

والبعد الأهم هنا هو إدراكنا لهذه المواسم وإعطاء كل موسم حقه. عندما نعيش كل مرحلة بوعي ونتعامل مع احتياجاتها بما تستحقه من وقت وجهد، نصبح أكثر استعدادًا واستقرارًا للمواسم التي تليها. لكن إذا تجاهلنا هذا التوازن، أو حاولنا تحقيق النجاح في كل شيء في جميع المواسم، فإننا نضع عبئًا هائلًا على أنفسنا، مما يخلق خللًا في علاقاتنا.

هذا الخلل يظهر في علاقتنا مع أنفسنا، مع أطفالنا، ومع الآخرين من حولنا، لأننا نسعى إلى بلوغ حالة غير إنسانية وغير منطقية. الأمومة رحلة تتطلب قبول التغيير والتكيف مع مراحلها المختلفة، لأن هذا القبول هو ما يجعلها رحلة أكثر اتزانًا وسلامًا.


في عصرنا الحالي، الذي يتسم بتسارع وتيرة الحياة وتعدد المسؤوليات، تحتاج الأمهات، وخاصة الأمهات العاملات، إلى التركيز على تنمية المهارات النفسية والانفعالية بشكل خاص. هذه المهارات تعد الأساس لتحقيق التوازن بين أدوارهن المختلفة وتعزيز علاقاتهن بأطفالهن وأسرهن.

من أهم مهارات تربية الأبناء ورعاية الأطفال

  1. إدارة المشاعر والانفعالات: الأمومة تُظهر الكثير من التحديات التي تستدعي التحكم في الغضب، الإحباط، أو الشعور بالذنب. القدرة على التعرف على هذه المشاعر وإدارتها بوعي يُمكن الأمهات من التفاعل مع أطفالهن بشكل أكثر هدوءًا واتزانًا.
  2. الوعي الذاتي: الأطفال هم مرآة تعكس للأم جوانب من شخصيتها، سواءً نقاط قوتها أو مواطن الخلل في منظومتها القيمية. العمل على فهم الذات، والاعتراف بما يحتاج إلى تطوير، يُمكّن الأم من تقديم نموذج صحي لأطفالها.
  3. التكيف مع التغيرات: الأمومة هي رحلة مليئة بالمواسم والمراحل المختلفة، وكل مرحلة تتطلب نوعًا مختلفًا من الارتباط والتواصل. التكيف مع هذه المراحل بمرونة يساعد الأم على تلبية احتياجات أطفالها دون أن تُثقل كاهلها.
  4. إدارة الأولويات: إدراك أن كل موسم من الأمومة يتطلب طاقة وتركيزًا مختلفًا يساعد الأمهات على التخلي عن السعي للكمال وتحديد الأولويات بوعي، مما يقلل من الشعور بالضغط والإنهاك.
  5. بناء نظم دعم: إدراك أهمية المجتمعات الداعمة وتكوين شبكات من الأصدقاء أو العائلة لتوفير الدعم العاطفي واللوجستي يمكن أن يخفف العبء عن الأمهات ويعزز قدرتهن على مواجهة التحديات.

تنمية هذه المهارات لا تساعد فقط في تحسين تجربة الأمومة، بل تساهم أيضًا في التمكين للأمهات من بناء علاقات متوازنة وصحية مع أنفسهن وأطفالهن ومع المجتمع من حولهن.


أولاً، علينا أن نعيد تعريف مفهوم العمل. الجميع عاملون، سواء كان العمل داخل المنزل أو خارجه. العمل داخل المنزل يتطلب جهدًا مستمرًا ودائمًا، لكنه للأسف غير معترف به أو مقدر ضمن المنظومة الاقتصادية، في حين أن العمل خارج المنزل يتم ملاحظته وتقديره بمكافآت مالية. هذا هو الفرق الحقيقي، وليس في قيمة الجهد المبذول.

للأمهات اللاتي يعملن خارج المنزل، أنتن تقومن بعمل مزدوج؛ موازنة بين متطلبات الوظيفة ومتطلبات المنزل والأسرة. هذا العبء المزدوج يستحق التقدير وليس الشعور بالذنب. تذكري أن دورك كأم وكامرأة عاملة يقدم لأطفالك مثالًا قويًا عن المثابرة والتوازن.

إقرئي أكثر عن دور الأسرة في دعم الأم العاملة.

أما الأمهات اللاتي يعملن داخل المنزل، فإن العمل الذي تقمن به هو حجر الأساس للأسرة والمجتمع. قد لا يتم قياس جهودكن بالمال، لكنها جوهرية ولا غنى عنها. الشعور بعدم الإنتاجية هو انعكاس لقيم اجتماعية تحتاج إلى إعادة نظر، وليس انعكاسًا لحقيقة ما تقدمينه لعائلتك. دورك مركزي، وأثره عميق.

الكل يعمل، والكل يواجه تحديات وضغوطًا، لكن ما نحتاجه هو تغيير المفاهيم السائدة والاعتراف بأن كل دور له قيمته. الأهم أن نخفف الضغط الذي تفرضه علينا التوقعات التي تخص الأم المثالية، وندرك أن أي جهد نبذله في داخل البيت أو خارجه هو مساهمة حقيقية في بناء أسرنا ومجتمعنا.


للتواصل مع أنيسة الشريف عبر موقعها الإلكتروني “تنشئة”، ولمتابعتها على اليوتيوب زوروا قناة “تنشئة”.

كُتب هذا المقال بقلم ميساء العجمي خريجة دورة كتابة المحتوى التسويقي باللغةِ العربية.

1 تعليقات

  1. ديمة
    يناير 11, 2025 في 8:01 م

    محاور ومواضيع المقال مميزة جدآ أنيسة شخصية رائعة ذات مستوى رفيع من العلم والوعي وبصمتها التوعوية دائمآ واضحة . استمعت بقراءة المقال الجميل

اترك التعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *