تعرضت العديد من السيدات وفي مختلف أرجاء العالم لجريمة الاعتداء الجنسي في طفولتهن، وجاء هذا التحرش أو الاعتداء في الغالب من محيطهن، وبالتحديد الأقارب من الدرجة الأولى! العديد من القصص التي ترويها السيدات، والتي تتحدث عن متحرشٍ لا يخاف الله، بعيد كل البعد عن الإنسانية، وحش على هيئة بشر! درس فريسته واختارها بدقة، وأشبع بطريقة أو بأخرى شهوته الحيوانية ورغباته المنحرفة، باستخدام طفلة لا تعلم ما الذي يحصل لها بل ولا تشعر به أيضاً! طفلة لا حول لها ولا قوة، فتاة صغيرة بعمر الزهور. عندما شعرت بشيء غير سوي اعترضت! فهددها فخافت وصمتت. وحملت ألمها وخوفها معها في كل مراحل حياتها اللاحقة.
كبرت هذه الصغيرة وأصبحت شابة طبيعية. أحبت وتزوجت وأنجبت الأطفال، ظنت أن ما مرت به قد اختفى من تفكيرها، وظنت أنه لم ولن يؤثر على حياتها. ولكنها تعلم جيداً، أنه هناك، في الجزء الخلفي من دماغها، دفنته فقط. تحاشت التفكير به، ولكنه هناك! يطرق باب تفكيرها بين الحين والحين، فتعيش من جديد كل المشاعر المخيفة التي رافقت هذه الجريمة.
ما هو الاعتداء الجنسي على الأطفال؟
الاعتداء الجنسي أو التحرش الجنسي على الأطفال؛ هو شكل من أشكال الاعتداء على الأطفال. ويتم من خلاله استخدام هذا الطفل، من قبل شخص بالغ وراشد، أو حتى من قبل طفل أكبر منه سناً “في مرحلة المراهقة”، بهدف إشباع رغبات المعتدي الجنسية. أو لحاجة المعتدي بالشعور بالقوة والسلطة، ظناً منه أن التحرش سيمنحه هذا الشعور. قد يدفع المتحرش الطفل إلى الانخراط في نشاطات جنسية ترضي رغبة المتحرش.
أشكال الاعتداء الجنسي على الأطفال
- الانخراط في أنشطة جنسية مع الطفل. سواء عن طريق طلب ذلك منه أو إجباره.
- التعرض غير اللائق للطفل. ومعنى هذا؛ أن يقوم المتحرش بعرض جزء من جسده بطريقة تتعارض مع المعايير الدينية والعرفية والمحلية للسلوك المناسب.
- التقرب من الطفل. ويكون ذلك من خلال تكوين صداقات وعلاقات قوية مع الطفل وعائلته، إلى أن يشعر جميع الأطراف بالراحة تجاه المتحرش. وتزيد المرات التي يلتقي فيها المتحرش مع الطفل.
- عرض صور أو فيديوهات إباحية على الطفل وإجباره على رؤيتها.
آثار الاعتداء الجنسي الشائعة على نفسية الأطفال
- الاكتئاب. وهو حالة مزاجية منخفضة ونفور من النشاط، ويمكن أن تؤثر على أفكار الطفل وسلوكه.
- اضطراب ما بعد الصدمة. وهو اضطراب عقلي، يمكن أن يتطور بعد التعرض لحادث صادم. مثل: الاعتداء الجنسي، أو الحرب، أو الحوادث القوية وغيرها من الأمور التي تهدد حياة الطفل.
- القلق. وهو عاطفة تتميز بحالة مزعجة من الاضطراب الداخلي، وغالباً ما تكون مصحوبة بسلوك عصبي. مثل المشي بسرعة ذهاباً وإياباً.
- اضطراب الاجهاد اللاحق للصدمة. وهو اضطراب نفسي، يمكن أن يتطور بسبب تجربة طويلة ومتكررة، دون القدرة على الهروب من التفكير بها.
- الميل للإيذاء في مرحلة البلوغ. وذلك ميلاً من المعتدى عليه للتعبير عن نفسه كضحية، وقد يساعد إيذاء النفس على تحقيق هذا الشعور لديه.
- صدمة نفسية طويلة الأمد خصوصاً إذا كان المعتدي أحد الوالدين. وهي الضرر الذي يلحق بعقل الطفل المعتدى عليه، نتيجة لحدث قوي ومعقد وصعب. والذي يسبب كميات هائلة من التوتر، تتجاوز قدرة هذا الطفل على التعامل مع مشاعر معينة. مما يؤدي في النهاية إلى عواقب سلبية وطويلة المدى.
لنتعمق أكثر بهذا الموضوع الصعب والمعقد، والذي قد تكون عواقبه وخيمة على الطفل الذي تم الاعتداء عليه. قمنا اليوم بالتحدث مع الأخصائية النفسية رنا طيارة، لتجيبنا عن بعض الأسئلة التي تتعلق بالآثار النفسية التي تؤثر على المعتدى عليه، والتي قد تظهر بعد مرحلة البلوغ.
ما أثر الاعتداء الجنسي على تقبل المعتدى عليه للزواج والعملية الجنسية وتكوين عائلة في المستقبل؟
لا جواب محدد على هذا السؤال؛ فالحالات تختلف باختلاف شخصية الفرد، وكيفية تعامله مع ما تعرض له من اعتداء أو تحرش. يتأثر الأشخاص بطرق مختلفة، قد ينفر البعض من العملية الجنسية والزواج بشكل عام. وقد تتولد لديهم ردة فعل مزعجة وأفكاراً سوداوية ضد جميع الرجال. ومن الممكن أن يرافق البعض الآخر الخوف والقلق المستمر، من التعرض للاعتداء مرة أخرى، أو حتى من تعرض أطفاله/ا لتجربة الاعتداء المؤلمة. وللأسف نرى بعض المعتدى عليهم، وقد تحولوا لمعتدين بدورهم! وهناك فئة من المعتدى عليهم، الذين استطاعوا أن يتعاملوا مع الموضوع بطريقةٍ إيجابية، والذين يعيشون حياة عائلية وزوجية سليمة.
هل هناك حالات قد لا يتأثر بها المعتدى عليه نفسياً؟
الأثر حاصل لا محالة! ولكنه يكون بدرجات وطرق مختلفة. تعتمد مرة أخرى على شخصية المعتدى عليه. رأينا بعض الأشخاص الذين تعرضوا لاعتداء سطحي، كلمسة واحدة على الفخذ مثلاً، وكان لذلك أثراً كبيراً وخطيراً عليهم. ورأينا أيضاً بعض الأشخاص، الذين تعرضوا لاعتداء جنسي أقوى “كالاغتصاب”، وكان تأثرهم بذلك أخف وطأة.
ما أريد قوله والتأكيد عليه هنا أن الأثر حاصل، ولكن قوة الأثر تعتمد أولاً وأخيراً على شخصية المعتدى عليه.
ما هي خطة العلاج النفسي لسيدة تم الاعتداء عليها جنسياً في طفولتها؟
لن أتحدث عن خطة علاج هنا. فالسيدة التي تم الاعتداء عليها في مرحلة ما من مراحل حياتها، ليست سيدة مريضة تحتاج إلى علاج! نحن نعالج المشاعر والأفكار السلبية والسلوكيات غير المرغوبة، التي قد نتجت بسبب هذا الاعتداء.
بشكلٍ عام؛ معظم الأشخاص الذين تعرضوا للاعتداء الجنسي، لا يتذكرون تفاصيل هذه الحادثة، أو لا يريدون تذكرها. فنبحث في مشاعرهم وأفكارهم السلبية، الناتجة بسبب الحادثة. لا نتعامل مع الحادثة كحادثة، فهي قد حصلت وانتهت. بل نبدأ بالتعامل مع هذه الأفكار وهذه المشاعر أو حتى السلوكيات السلبية؛ لتحليلها وتذويبها حتى يتخلص الشخص منها ومن أثرها.
اقرأ أىضاً التربية الجنسية كيف تعلم طفلك حماية نفسه من التحرش الجنسي
كيف يصل المعتدى عليه لمرحلة المصالحة مع نفسه وتقبل الذات؟
بالتخلص من مشاعر الخجل والذنب والعار، التي قد يشعر بها من مرّ بتجربة مشابهة. فمن عاش إحدى تجارب الحياة المؤلمة، مثل التعرض للاعتداء الجنسي؛ يجب أن يتوقف عن لوم نفسه والتفكير أنه السبب في هذا الحدث. بل يجب اعتبارها تجربة مؤلمة، مرّ بها واستطاع تخطيها. كان دوره في هذه التجربة وفقط في هذه التجربة كضحية وليس الجاني، وليس الشخص الذي يجب أن يتلقى اللوم والتأنيب. عند إيمان الضحية وتصديقها لهذا الكلام وتخلصها من عقدة الذنب والشعور بالعار، ستبدأ بتقبل نفسها أكثر.
هل يؤثر موت المعتدي على تحسن نفسية المعتدى عليه؟
للأسف الشديد لا. فقد رأيت تجارب لأشخاص تم الاعتداء عليهم، وبعد موت المعتدي شعروا أنهم لم يأخذوا حقهم بعد، بل قد مات هذا المعتدي، دون أن يعلم الناس أنه مجرم. وبعد موته يصبح الحديث في هذا الأمر بلا معنى، فقد مات وانتهى! موت المعتدي هنا لا يمنح الضحية الناجي من الاعتداء الجنسي الخاتمة التي يتوقعها، بل يبقى الألم بالقلب في انتظار علاجه.
سؤال من أم تم الاعتداء عليها جنسياً في طفولتها من أقارب الدرجة الأولى:
لا أحب العلاقة الجنسية ولا أرغب بها أبداً، دائما ألعب دور الضحية في العديد من أمور الحياة. ما الحل؟ هل من الصحي التحدث في الموضوع مع زوجي؟
حالات الاعتداء الجنسي متشعبة جداً، ومن المؤكد أن العلاج النفسي في هذه الحالات هو أُفضل حل. تحدث السيدة مع زوجها في هذا الأمر مفيد طبعاً، ولكنه يفيد فقط في حال كانت السيدة متأكدة من تفهمه للأمر. العديد من الرجال في المجتمع العربي للأسف، لا يتقبلون هذه الأمور، بل وقد يصدر منه ردة فعل عكسية ضد زوجته. أما في حال تفهم الزوج، وسماعه لها وتفهمه لما مرت به زوجته؛ فهذا بالتأكيد سيساعد الزوجة بعلاقتها مع زوجها ومع نفسها أيضاً.
في حال تعرض السيدة لاعتداء جنسي أو تحرش من قبل أحد الأقارب وقررت إخفاء الأمر وعدم البوح به؛ فما هو التصرف الصحيح في حال رأته ضمن زيارة ما؟
السيدة التي تعرضت لاعتداء جنسي، غير مجبورة بتاتاً على رؤية المتحرش، حتى لو كان من ضمن دائرة القرابة من الدرجة الأولى! بل ويجب أن تكون واعية جيداً أنه إن توقف عن التحرش بها، فهو يتحرش بأطفال آخرين من أطفال العائلة! وليس هناك أي ضمانة تؤكد توقفه عن فعله المشين هذا. ففي هذه الحالة، لا! لا تجبري نفسك على رؤيته، ولا تتصرفي بشكل طبيعي مع المتحرش أبداً؛ فتصرفك بشكل طبيعي تجاه المتحرش، “حتى لو كان تمثيلاً أمام الآخرين”؛ سيضعك بموقف غير سليم، وسيضع الآخرين بخطر.
الدكتورة رنا طيارة
الدكتورة رنا طيارة. حاصلة على درجة الدكتوراة في علم النفس بتخصص علاج صدمات الطفولة، كما أنها حاصلة على شهادة في التربية الخاصة، وماجستير في علم النفس التربوي. تتمتع بخبرة واسعة كمستشارة نفسية، وتعاونت مع العديد من المنظمات غير الربحية في لبنان والأردن والمملكة المتحدة.
كان تركيزها على الأطفال والشباب، حول زيادة الوعي ضد إساءة معاملة الأطفال، وبشكل أكثر تحديدًا الاعتداء الجنسي على الأطفال. تعمل الدكتورة رنا حاليًا كمحاضر متفرغ في جامعة كانبيرا في أستراليا.
يمكنك اليوم حجز جلسة علاج نفسي مع الدكتورة رنا طيارة ومن خلال موقع كلنا أمهات، لمدة ساعة بقيمة ٣١٥ درهم فقط، حيث تساعدك الدكتورة في الأمور التالية:
- التعامل مع الصدمات وتجاوز الأزمات النفسية
- التغلب على الاكتئاب والقلق.
- علاج صدمات الطفولة.
- علاج الحالات النفسية للأطفال
- توطيد العلاقات بين الأهل والأطفال وحل المشكلات التي يواجهونها سوياً.