قدمت لنا السيدة آمنة وهي أم لطفلة ملائكية رائعة، من أطفال التوحد. وصاحبة حساب “وللياسمين حكاية – taleofyasmine”. الذي تقوم من خلاله السيدة آمنة، بتقديم النصائح، ونشر الوعي المتعلق بأطفالنا الذين يعانون من اضطراب التوحد. حيث قامت بتلخيص كتاب ما لم أكن أتوقعه Not What I Expected، ومشاركته معنا ومعكم من خلال مقال سابق، ومن هذا المقال أيضاً.
سنكمل معكم اليوم الجزء الثاني من تلخيص الكتاب الرائع المليء بالمعلومات والنصائح القيمة. لمساعدة أهالي أطفال ذوي الهمم بشكل عام، وأهالي أطفال التوحد بشكل خاص؛ لإكمال رحلتهم الملهمة مع أطفالهم الملائكيين.
اقرأ الجزء الأول من المقال تلخيص كتاب ما لم أكن أتوقعه Not What I Expected
المراحل الخمسة كما جاءت بكتاب “ما لم أكن أتوقعه” – Not What I Expected هي التالية:
- الإنكار.
- الغضب والملامة.
- المفاصلة والكنترول والبحث عن حلول بأي ثمن.
- الاكتئاب والشعور بالعزلة والفشل.
- التقبل والتعايش.
تذكر الكاتبة أنه ليس بالضرورة أن يمر الأهالي بهذه المراحل بهذا الترتيب، وأنهم قد يتأرجحون بين مرحلة وأخرى. ولكن عادة ينتهي بهم المطاف إلى المرحلة الأخيرة، مرحلة التقبل والتعايش.
تحدثنا في الجزء الأول من التلخيص عن مرحلتي الانكار والغضب. وسنكمل حديثنا الشيق في هذا المقال عن باقي المراحل: المفاصلة والبحث عن حلول، الاكتئاب، التقبل.
البحث عن حلول والمفاصلة
البحث عن حلول:
في رحلتنا تجاه تقبل طفلنا المختلف، وبعد مرورنا بمرحلة الخوف من أننا فقدنا قدرتنا على التحكم في حياتنا؛ ندخل في مرحلة بلى أنا قادر على التحكم، وسأجد الحل لابني أو ابنتي. وهي مرحلة يستيقظ فيها الوعي أكثر من المشاعر. في هذه المرحلة، يبحث بعض الأهالي عن آخر الاختراعات. حتى وإن لم ينزل بها الله من سلطان! مثل قصص زرع خزعة في النخاع الشوكي، أو ممارسة ما يسمى الشفاء بالاحتضان، أو مثلاً إعطاء الأطفال مكملات غذائية وفيتامينات. أو حتى وضع الطفل في غرفة فيها مستويات عالية من الاوكسجين!
المشكلة في هذه الطرق، أنها لا تنفع أبداً! وبالعكس قد تكون مؤذية. وتذكر الأخصائية أنه يجب أن يتصالح الأهالي مع فكرة غموض اضطراب التوحد، وأيضاً التصالح مع فكرة أنه لا يوجد أي ضمان لما سيحدث في المستقبل. ثم تستنج الكاتبة، أن أهالي أطفال ذوي الهمم يعتمدون هذه الطرق بل ويصدقونها، فقط لأنهم يريدون حلاً واحداً وسريعاً لكل الصعوبات والتحديات!
المفاصلة:
المفاصل يقبل أن ابنه أو ابنته مختلفين، ولكنه لا يقبل التشخيص. وإنما يريد أن يسميه شيء آخر، أو أن يعتبره نوع من العبقرية التي لم يحصل قبلها. على سبيل المثال، بعض الأهالي يقولون هذا ليس اضطراب التوحد، وإنما فرط حركة فقط ADHD . هذه المفاصلة موجودة في ثقافتنا العربية، وخاصة عند طرح موضوع متعلق باضطراب التوحد. عندما يقول الأهل أن التشخيص ليس اضطراب التوحد وإنما (طيف من التوحد). ولكن في الواقع ليس ثمة اختلاف بينهما فالتوحد كله طيف! أو حتى عندما نصفهم بالاطفال المميزين أو الملائكة. ربما هي فعلاً كلمات جميلة ولطيفة، ولكن في طياتها هذا الشعور، الذي يخاف أن يعترف بالتشخيص ككل. ولهذا الحديث ربما مقال آخر، عن نظرة المجتمعات إلى الإعاقة، وكأنها شيء ينقص من قيمة الإنسان.
الخطير في موضوع المفاصلة، أن الطفل يخسر الوقت والأجواء والاهتمام الذي يستحقه لنجاحه وتمكينه. خوف الأهالي من الاعتراف الكامل وتسمية الاشياء بمسمياتها، وليس بأسماء مخففة؛ يجعلهم بشكل أو بآخر، يتقاعسون عن تأمين التأهيل الملائم لحالة الطفل.
أيضاً
تتطرق الكاتبة إلى الأهالي الذين يتحولون إلى علماء فجأة! الذين يبدأون بمراجعة كل الأبحاث والكتب الطبية، غير مصدقين أن حالة طفلهم ليس لها حل. بل ويغرقون في عالم الانترنت والأبحاث! في الواقع، لا نستنكر ولا نرفض أبداً اضطلاع أهالي أطفال ذوي الهمم بشكل عام، وأهالي أطفال التوحد بشكل خاص، على هذه المعلومات المهمة. ولكنها تشير إلى نقطة مهمة، أن الكثير من الأهالي ليسوا أطباء أو باحثين في عالم الاضطرابات العصبية. ولهذا؛ من شبه المستحيل أن يستطيعوا تقييم هذه الأبحاث. ولقد جربت بنفسي أن أقرأ بعضها، ولكن بالنسبة لي، وبناءً على خلفيتي غير الطبية، استهلكت مني قراءة هذه المعلومات الكثير من الوقت والجهد. ويجب ألاّ ننسى أيضاً، أن الكثير من الأبحاث لا يمكن الوصول إليها، إلا عن طريق أشخاص تابعين لجامعة أو مركز أبحاث.
لذلك تقترح الأخصائية في حال كان الأهل فعلاً يريدون أن يبحثوا عن شيء، لم يقترحه الطبيب، أو الفريق الذي يعمل مع طفلهم. ويشعرون بقوة أنه يوجد ثمة أبحاث علمية قد تفيدهم. تقترح أن عليهم أن يقوموا بتوظيف شخص باحث، ذو خبرة علمية وطبية، وقدرة على فهم وتقديم وتلخيص هذه الأبحاث للأهل.
كما وتركز الكاتبة على فكرة ألا ننجرف لأي معلومة، وإنما نضع هذا الجهد في الأبحاث العلمية من جامعات وأبحاث مراكز معروفة وموثوق بها.
الاكتئاب والشعور بالعزلة والفشل
الاكتئاب
بعد أن تزول الغمامة عن أعين الأهل، ويقبلون بالتشخيص، ويغضبون ثم يجدون الحلول. تستمر الحياة! ما بين التأهيل أو الأطباء أو العمليات وغيرها من الأمور المرتبطة بالتشخيص. في حال كان تحسن الطفل غير ملحوظاً أو طفيفاً، حينها يمر الكثير من الأهالي بمرحلة الاكتئاب.
قد لا تنبته الأم أنها مكتئبة، بل مكتئبة وبشدة! لأنه لا وقت لديها حتى تعترف لنفسها بذلك. وأيضاً، قد تشعر أنها أم أنانية إن اعترفت لنفسها، بل وتخاف من أن يقودها اكتئابها للتقصير بواجبها تجاه طفلها أو طفلتها من أطفال ذوي الهمم. وتستهجن على نفسها هذه المشاعر السلبية، وخاصة عندما تستذكر مصائب وهموم الآخرين من أهالي أطفال ذوي الهمم. فكيف لهذه الأم أن تسمح لنفسها بأن تقول عن نفسها أنها مكتئبة؟
تقول الأخصائية ريتا
أن الاكتئاب أيضاً هو من ردات الفعل الطبيعية، التي نمر بها بعد المرور بكل هذه المشاعر، الدماغ جهاز عصبي ينظم ويحافظ على نفسه، لإعادة تنظيم الهرمونات والحرارة والعواطف والوصلات العصبية في الجسم. قد يستطيع الأهالي تخطي مرحلة الاكتئاب، وإعادة تنظيم أنفسهم، في حال كان الاكتئاب مؤقتاً. ولكن في بعض الحالات، التي لا تحصل الأم فيها على مساعدة، بل وتكون عرضة لإرهاق جسدي ونفسي كبيرين. حينها قد تطول مرحلة الاكتئاب. وتنوه الأخصائية النفسية، أن الاكتئاب الشديد، هو حالة طبية لا يجب إهمالها، وخاصة في حال وجود أفكار انتحارية لدى الشخص الذي يمر في مرحلة الاكتئاب.
تقترح أيضا الكاتبة؛ أن ننتبه لأفكارنا السلبية الأوتوماتيكية. وتتطرق لأكثر طرق العلاج النفسي نجاحاً وسمعة Cognitive behaviour therapy. النظرية خلف هذه الطريقة في العلاج النفسي؛ أن أفكارنا تؤثر على مشاعرنا. لهذا علينا الانتباه ألاّ نقع في فخ هذه الأفكار السلبية. يمكنكم البحث عبر الإنترنت لمعرفة المزيد عن هذا الموضوع.
التقبل والتعايش
القبول والتقبل
أجمل ما تقوله الكاتبة في الفصل الأخير من الكتاب، أن قلوب أهالي أطفال ذوي الهمم تتسع للسعادة والحزن. الإنسان مخلوق خارق! لديه القدرة لعيش كلا الشعورين في الوقت ذاته. القبول لا يعني أنك سعيد لمعاناة طفلك من أحد الاضطرابات، بل يعني أننا نحب أطفالنا كما هم! نحب اختلافهم وتميزهم رغم التعب والمعاناة.
الكثير من أمهات أطفال ذوي الهمم، يتحدثن عن هذه المشاعر المتناقضة. مثل الشعور بالخوف والأمل في آن واحد! وقد أثبتت الباحثة اليزابث لارسون، أن الأهالي الذين يتقبلون هذه التناقضات في مشاعرهم، يمارسون تحكماً أكبر في حياتهم. ويعيشون بتفاؤل وإيجابية أكثر.
في النهاية
تركز الأخصائية ريتا بشكل خاص، على الاهتمام بصحتنا النفسية، وعلى وضع خطة لتحقيق ذلك على المدى الطويل. وتقدم بعض الاقتراحات:
- امضِ وقتاً في الطبيعة.
- الحركة الجسدية مهمة. حيث أثبتت العديد من الأبحاث، أن الرياضة تساعد على علاج الاكتئاب.
- افرحي بإنجازاتك مع طفلك مهما كانت صغيرة.
- التأمل.
- أن تكون جزء من مجموعة دعم، أو جالية؛ سواء ثقافية أو دينية، أو حتى مجموعة من الأشخاص الناشطين المهتمين بقضايا إنسانية وبيئية. فشعور الانتماء وشعور المشاركة ملهم لكل أفراد العائلة.
- حاولي أن تجدي أصدقاء حقيقين، وكوني صديقة حقيقية لمن هم بحاجة لذلك.
- لا تهملي الحميمية الجنسية مع شريك الحياة؛ لأنها جزء مهم من حياة البالغين. وأيضاً تخفف من الضغط، ولها فوائد صحية ونفسية. ولا تنسي أن الحميمة الجنسية، هي من أكثر الأمور تأثراً بين الزوجان ممن هم آباء أطفال ذوي الهمم. حيث أشارت بعض الإحصائيات، إلى ازدياد في نسب الطلاق بين الأزواج ممن هم آباء أطفال ذوي الهمم.
- اجعلها قضيتك. الكثير من الأهالي يصبحون ناشطين في مجال حقوق ذوي الهمم. مما يعطيهم ثقة أكبر، ويساعدهم على تخطي الأوقات الصعبة. ومن الملفت للنظر، أن الكثير من المبادرات التي تخص ذوي الهمم، تكون عادة من قبل أهالي نشطاء. حتى الكثير من القرارات والخدمات الحكومية، تصدر بعد ضغط من تلك العائلات.
بناءً على ذلك
لا تستهينوا بقدراتكم و بدوركم في خلق مجتمع أفضل لأطفالكم ولأنفسكم! عندما يحصل أطفالكم على ما يستحقون من حقوق ومعاملة كريمة، ستشعرون بالفخر! وستتمكنون من تخطي الصعاب. ليس بالضرورة أن تبدأ مشروعاً كبيراً، بل ابدأ بأي مبادرة مهما كانت صغيرة. ستمنحك شعوراً إيجابياً!
لا تستهينوا بصحتكم النفسية؛ فالكأس الفارغ لا يستطيع أن يملأ غيره!