لكل أم تحلم بالتوازن ولا تريد التنازل، اكتشفي “اساسيات العمل عن بعد” التي تغير قواعد اللعبة

تجلسين أخيرًا لتلتقطي أنفاسكِ، وترتشفي من فنجان قهوتكِ الدافئ، لكن هيهات لعقلكِ أن يهدأ. ضجيجُ الأفكارِ والهواجسِ يعصفُ بذهنكِ، فلا صوتَ يعلو على تلك الأسئلةِ الملحة: “كيف سأترك طفلي هذا وهو قطعةٌ من روحي في يدٍ قد لا تفهمه؟ كيف ستبرد نارُ قلبي وأنا بعيدة؟ وكيف سأركز في عملي؟” وفي ذات اللحظة، يهمسُ صوتٌ آخر بإصرار: “لا أريد أن أفقد وظيفتي، طموحي، وذاتي”.
وسط هذا الموج المتلاطم من المشاعر، ربما تبحثين عن بصيص أمل، في “اساسيات العمل عن بعد”؟ ها أنا ذا أصحبك في هذه الطريق لنمشي خطوة بخطوة، ونكتشف معًا كيف يمكن لهذه الأساسيات أن تكون طوق النجاة، وبداية التوازن الذي تحلمين به لكِ ولهذا الصغير.
“اساسيات العمل عن بعد” ملامحٌ لواقع جديد لا يُشبه الأمس
تجاوزي فكرة “نسخة طبق الأصل”: “أساسيات العمل عن بعد” ترسم لك ملامح الواقع الجديد
لابد لنا أن نعترف أنّ العمل عن بعد ليس مجرد تلك المرونة الزائدة التي طالما حلمنا بها، أو الحل السحري لمشاكل العمل من المكتب كأمّ. إنّه في جوهره تحوُّل جذري يمسّ صميم طريقتنا في إدارة ذواتنا وإنجاز مهامّنا. فبينما يمنحنا حرية اختيار المكان والزمان، ويفتح لنا آفاقًا جديدة، فإنّه يضع على عاتقنا مسؤوليات قد تكون غير متوقعة، ويتطلب منا صقل مهارات أساسية ربما لم نكن بحاجة ماسّة إليها بنفس القدر سابقًا. في السطور القادمة.
في هذا المقال، نغوص في ثلاثة من أهم الأساسيات التي تضمن لك تجربة عمل عن بعد ناجحة ومتوازنة:
بين نداء “ماما” وصوت الاجتماع العاجل، كيف ترسمين الحدود كأحد أهم “اساسيات العمل عن بعد”؟
حصلتِ أخيرًا على فرصة للعمل عن بُعد، يال الفرحة! أول ما يجول في خاطرك أنّك ستظلين بالقرب من طفلك، لكن تأتي المفاجأة لتجدي نفسك تتلقين طلبات العمل في أي ساعة، وكأنّ العمل عن بعد يعني أنّك متاحة في أي وقت!
طاولة الطعام أصبحت مكتبًا وغرفة المعيشة قاعة الاجتماعات، وضاعت معها حدود الخصوصية والشعور بالسيطرة والتحكم. يبكي الطفل الرضيع دون سابق إنذار ليتخلل صوته المكالمة المرئية مع قائد الفريق الذي يشرح لك المهمة، ويطلبكِ أخوه في أي وقت دون اكتراث لأوقات الدوام. تتداخل مهام العمل مع رعاية الصغار ومسؤوليات البيت وتشعرين أنّك تَدورِين في حلقة مفرغة. هنا تكمن أهمية رسم الحدود – لنفسك أولًا قبل كل شيء.
5 نصائح لتخفيف التشتت وزيادة التركيز أثناء العمل عن بعد.
كيف أرسم الحدود خلال العمل عن بعد؟
- خصصي مساحة عمل واضحة، حتى لو كانت زاوية بسيطة لتكون ملاذكِ المهني. هكذا يتم تأمين الإشارات والمحفزات الحسية والبصرية التي تهيئ عقلك للتركيز والدخول في إيقاع الإنتاجية.
- حددي ساعات عمل واضحة والتزمي بها قدر الإمكان، تمامًا كما لو كنتِ في مكتب خارجي. أبلغي عائلتكِ وفريق عملكِ بهذه الأوقات.
- خططي اجتماعاتك ومهامك بما يتناسب مع إيقاع حياة أطفالك ومتطلباتهم للتقليل من احتمالات الانشغال أو التشويش.
هذه الخطوات تساعد عقلكِ على الفَصل، وتقلل من سيل المشتتات التي تستنزف طاقتكِ ووقتكِ الثمين، وتُمكنكِ من استعادة زمام الأمور.
تذكّري: حماية وقتكِ وحدودكِ ليس أنانية، بل احترام لذاتك ولمن حولك.
حين يكون زميلك مجرد اسمٍ على الشاشة، يصبح التواصل الفعال جزءًا لا يتجزأ من اساسيات العمل عن بعد
كيف تبنين جسور التواصل الحقيقي عن بعد؟
تخيلي معي ليلى، مصممة الجرافيك الموهوبة، تتلقى رسالة عاجلة من مديرها: “ليلى، نحتاج تصميم بانَر للحملة الجديدة. اجعليه جذابًا وعصريًا. الموعد النهائي غدًا صباحًا!”. أمام عبارتي “جذاب وعصري” الفضفاضتين وضغط الوقت، انغمست ليلى في العمل لساعات، مستلهمة أحدث التوجُّهات، لتُسلِّم تصميمها المواكب لروح العصر بفخر قبل الموعد بقليل.
وتُفاجأ برد مديرها المستاء: “ليلى، هذا جميل، لكنّه لا يعكس هوية العلامة التجارية التي ناقشناها سابقًا! كنا بحاجة لشيء يركز أكثر على ألواننا الأساسية وروح البساطة التي نعتمدها، وليس هذا التوجُّه الجريء”. شعرت ليلى بمزيج من الإحباط والارتباك، وبأنّ ساعات من تركيزها وجهدها ذهبت أدراج الرياح. لم يكن المطلوب مجرد “جذاب وعصري” بالمعنى العام، بل “جذاب وعصري” ضمن إطار محدد جدًا لم يتم توضيحه بما يكفي كتابيًا، ولو كانت في المكتب، لربما التقطت تلميحات من نقاش سابق أو رأت نماذج مشابهة على شاشة زميل.
هذه القصة ليست غريبة على عالم العمل عن بُعد. إنّها اللحظات التي تُظهِر بوضوح كيف يمكن لسوء فهم بسيط، ناجم عن غياب لغة الجسد، وإيماءات الوجه، وتلك التفاصيل الدقيقة التي نلتقطها في التواصل المباشر، أن يتحول إلى مشكلة حقيقية، مهدرًا للوقت والجهد، ومُسببًا للتوتر.
لهذا، يُعد “إتقان فن التواصل عن بُعد” حجر الزاوية وأحد أهم الأساسيات التي لا غنى عنها في هذا النوع من العمل. الأمر يتطلب منكِ تَحوُّلًا واعيًا في طريقة التعامل مع الرسائل، إليكِ بعض المفاتيح:
فن التواصل عن بعد:
- الاستماع النشط والاستيضاح: درّبي نفسكِ على الاستماع بتركيز. لا تفترضي الفهم، بل اسعي إليه دائمًا، واستفسري عن مقصد مُحدثكِ إن التبس عليكِ الأمر.
- وضوح وتحديد محتوى الرسائل: اختاري كلماتك بدقة كتابيًا أو صوتيًا. تجنبي الغموض واحرصي على نبرة صوت مناسبة. ضعي نفسك مكان المُتلقي.
- استثمار التكنولوجيا بذكاء: لا تنسي أهمية الأدوات التكنولوجية التي تُسهل عليك مهمتك مثل zoom، Microsoft Teams، Slack، وغيرها، واستخدميها بفعالية.
- بناء العلاقات: تواصلي مع فريقك خارج نطاق العمل الرسمي؛ فهذا التعارف يعزز التفاهم ويخلق بيئة داعمة، ويجعل تفسير النوايا أسهل حتى عبر الشاشات، مُحوّلًا تحديات التواصل إلى جسور من الثقة والإنتاجية.
ولكي تجنبي نفسك موقف ليلى والكثير مما سيليه، ندعوك للاشتراك في ورشة إدارة التواصل الفعال المقدمة من موقع كلنا أمهات التي ستفتح آفاقك نحو تواصل يثري تجربتك في العمل عن بُعد.
وحدكِ الآن، والقائد هو أنتِ – “قيادة الذات” في صميم أساسيات العمل عن بعد
تجلسين للعمل في المنزل، مكان الراحة والاسترخاء والمسؤوليات المنزلية، أو كما اعتدت تصنيفه دائمًا! أين ذهب روتين الدوام المألوف؟ صوت خطواتكِ وهي تسرع نحو بوابة الشركة، همسات الزملاء في المصعد، نقرات لوحات المفاتيح وجدران قاعة الاجتماعات التي شهدت على أفكاركِ وخططكِ… كل تلك الإشارات التي كانت تهمس لعقلكِ “حان وقت العمل!” قد تلاشت. أفهم شوقك لتلك المحفزات الخارجية، لكن حان الوقت لاستدعاء الدافع الذاتي.
ربما يراودكِ شعور بأنّ إنتاجيتكِ كانت أعلى حين كنتِ محاطة بزملائكِ، تتشاركون نفس المساحة ونفس الهدف. هذا الإحساس الحقيقي، إنّما هو الصدى لظاهرة التسهيل الاجتماعي“؛ تلك الشرارة التي تزيد من فعاليتنا عندما نرى آخرين يعملون بجانبنا، حتى لو بصمت. لكن في عزلة منزلكِ، حيث لا عيون تراقب ولا إيقاع جماعي يضبط خطواتكِ، يصبح الانضباط الذاتي هو البوصلة.
فالمنزل، بكل دفئه، هو أيضًا حقل ألغام مليئ بالمشتتات. سلة الغسيل تناديكِ بصمت، طفلكِ المحبوب يتوق إلى لحظة اهتمام منكِ الآن وليس لاحقًا، وبريق شاشة الهاتف يغريكِ بجولة سريعة على وسائل التواصل. إنّ القدرة على رؤية هذه المغريات، والإقرار بها، ثم اختيار العودة بوعي إلى مهمتكِ، تتطلب قوة إرادة حقيقية وانضباطًا ذاتيًا يُصقل يومًا بعد يوم.
أنتِ قائدة نفسكِ في العمل عن بُعد. الانضباط الذاتي هو مفتاحكِ لإدارة وقتكِ بفعالية، وهنا أكثر النقاط أهمية في هذا الصدد:
خطوات قيادة الذات نحو الإنجاز
- فن ترتيب الأولويات: تعلمي كيف ترتبين مهامكِ – الأهم فالمهم. استخدمي قوائم المهام أو أي أداة تناسبكِ.
- التركيز على مهمة واحدة: ركزي على إنجاز كل مهمة قبل الانتقال للأخرى. تجنبي تعدد المهام الذي قد يشتت تركيزك ويقلل جودة عملك.
- الاحتفاء بالإنجازات الصغيرة: قدّري تقدمكِ، حتى لو كان صغيرًا. هذا يعزز دافعيتكِ ويساعدكِ على الاستمرار.
- التعلم المستمر والتكيف: كوني مستعدة لتعلم طرق جديدة لإدارة وقتكِ وتحسين إنتاجيتكِ. العمل عن بعد يتطلب مرونة وتكيفًا مستمرين.
تذكري أنّ قدرتكِ على إدارة وقتكِ وتحديد أولوياتكِ وقيادة نفسكِ هي ما سيجعلكِ تنجزين عملكِ بكفاءة وتشعرين بالرضا في نهاية اليوم.
أخيرًا
قد يطرق الحنين إلى المكتب الباب بين الفينة والأخرى، وهذا طبيعي جدًا. لكن دعي هذا الحنين يذكركِ بالرحلة التي قطعتها، وبالأسباب التي دفعتكِ لاختيار هذا المسار. فالعمل عن بعد ليس وعدًا بخيار خالٍ من التحديات، بل فرصة لتصميم حياة أكثر توازنًا وملاءمة لاحتياجاتك.
ومهما صعُبت الطريق، تذكري أنّ موقع “كلنا أمهات” اليد الحانية التي ترافقك. نحن هنا لنستمع إليك، وندعم خطواتكِ، ونحتفي معكِ بكل إنجاز، صغيرًا كان أم كبيرًا، حتى تحققي ما تصبين إليه من سكينة ونجاح.