هل يمكن أن تكوني مصممة ورائدة أعمال في ظل حرب غزة؟
محتويات المقال:
تُعتبر رائدات الأعمال في أوقات الحروب، من أكثر الفئات تحديًا. حيث يواجهن مجموعةً متنوعةً من الصعوبات التي تؤثر على حياتهن المهنية والشخصية، خاصةً المتعلقة بالاستقرار والأمان. ففي ظل الصراعات والنزاعات المسلحة، تصبح البيئة الآمنة للعمل والعيش مهددةً. مما يضطرهن إلى اتخاذ قراراتٍ صعبةٍ بشأن استمرارية أعمالهن، أو الانتقال إلى مناطق أكثر أمانًا. ولكن رغم هذه التحديات تولد قصص ملهمة تبعث الأمل والنور، كما هي حال قصتنا اليوم لأمٍ وريادية أعمالٍ. قصة أم تحت القصف من قطاع غزة، أم عظيمة تحدت الصعوبات قبل وأثناء الحرب على القطاع، لتستمر في طريقها نحو تحقيق حلمها والوصول للنجاح.
عرفينا عن نفسك
أنا أريج معالي سلمي. فلسطينية من قطاع غزة، عمري 36 سنة. ولدت في دولة الإمارات، وحاصلة على درجة البكالوريوس في تخصص آداب اللغة الإنجليزية. أمٌ لثلاثة أطفال، رائدة أعمال، مديرة ومؤسس تنفيذي لمشروعي المنصة العربية لتصميم المتاجر الإلكترونية.
أخبرينا عن بداية مشوارك المهني
لم يكن مشواري في هذه الحياة سهلاً أبداً. فقد توفيت والدتي عندما كنت على مقاعد الدراسة في الجامعة، وكنت الفتاة الوحيدة في المنزل. من هنا كانت بداية تحمل المسؤولية! من ناحية تنظيف المنزل والطبخ بالإضافة إلى الدراسة. ثم بدأت حياتي الزوجية بعد انتهائي من دراستي الجامعية مباشرةً.
رغم انعدام الفرص الوظيفية في قطاع غزة، إلا أنني كنت سعيدة الحظ بحصولي على عقودٍ متتاليةٍ في أكبر الشركات الفلسطينية! كشركة “جوال”، “إتصالات” و “أوريدو”. ثم بعد ذلك انتقلت للعمل في شركاتٍ أجنبية عبر الإنترنت. قررت أثناء عملي بإنشاء مشروعي الخاص، والذي من خلاله قمت بالحصول على العديد من الفرص، بالإضافة للسفر لعدة دول عربية و أوروبية، ثم الحصول على جوائز مميزة.
ما هي أبرز الصعوبات التي واجهتها كـ رائدة أعمال؟
واجهت الاضطهاد الكبير لشخصي أثناء عملي في وظيفة معينة، ولم يكن لدي سوى خيارين اثنين: إما السكوت واحتساب أمري عند الله، أو تقديم شكوى ضدهم لدى الشرطة لاتخاذ الإجراء القانوني اللازم، وبهذا أكون قد دافعت عن حقي حتى لو اضطررت الانتظار عدة سنوات قبل استرداده. وبناءً عليه قمت باتخاذ الخيار الثاني، حيث تم اتخاذ الإجراء اللازم لرد حقي على الرغم من اعتباره مستحيلاً من وجهة نظر كل من المدير وزوجي. لكن إصراري وعزمي على المطالبة بحقي وثباتي على قراري رغم المعاناة، والذهاب إلى المحاكم لمدة سنه كاملة، أدى إلى حصولي عليه أخيراً.
حدثينا عن رحلتك أثناء حرب غزة. ما هي التحديات والصعوبات التي واجهتها كزوجة ورائدة أعمال وأم تحت القصف؟
كنت أسكن في حي الشيخ رضوان في غزة قبل الحرب، والآن أنا نازحة في منطقة الزوايدة الوسطى بعد قصف منزلي وأنا بداخله مع أولادي. كل ما أذكره أنني كنت أمسك بيد ابني الصغير “نور الدين”، الذي كان يقول لي: “سنموت يا أمي، سنموت أليس كذلك؟”. أجبته حينها: ” لا يا حبيبي. لكن يجب أن نستمر بقراءة القرآن والدعاء لله”.
بفضل الله خرجنا من تحت الأنقاض بخير وسلامة والحمدلله. ثم قمنا بالنزوح من منزل إلى آخر، وذلك بسبب استهداف كل المنازل التي قمنا بالنزوح إليها، حيث تعتبر مناطق خطرة. لكن وفي النهاية، قمنا بالنزوح إلى الجنوب ضمن ممر يسمى “بالممر الآمن”، الذي شاهدنا فيه ويلات لاتوصف. لكن ورغم المواجهات الصعبة والتحديات، مع انعدام توفر الكهرباء والمياه والإنترنت؛ تمكنت من الحصول على شريحة “eSIM” التي زودت هاتفي الجوال بالإنترنت. كنت أقوم بشحن جوالي وجهاز الحاسوب المتنقل عند شخص يملك وحدات طاقة شمسية كل يوم لمدة ساعة.
استمريت بالعمل على مشروعي رغم الإمكانيات الضئيلة جداً. استشهد بعض الموظفين الذين كانوا يعملون لصالحي، والبعض الآخر تم حجز أجهزة الحاسوب المتنقلة الخاصة بهم، كما أن العديد منهم قد فقدوا كل ممتلكاتهم تحت الأنقاض. من حسن حظي كان لدي موظف مقيم في مصر، عمل معي بداوم جزئي منذ قبل بدء الحرب ولم يستطع العودة للقطاع، فأصبح يقوم بمتابعة جميع مشاكل مواقع العملاء.
شق الفرح طريقه لحياتي من جديد في خضم كل هذا؛ فقد علمت بترشيحي للحصول على جائزة إسكوا “ESCWA” التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، كأفضل محتوى عربي رقمي. تمت دعوتي للسفر إلى لبنان – بيروت لاستلام الجائزة، ولكن بسبب ظروف الحالية للحرب، وصعوبة تنسيق الإجراءات على معبر رفح لمغادرة القطاع؛ قامت صديقتي في مصر بالسفر نيابة عني لاستلام الجائزة.
مشواري لم يكن سهلاً أبداً، بل كان مليئاً بالتحديات والصعوبات والبكاء الطويل. من ناحية تنظيم الأعمال المنزلية والمهنية والريادية، إلى التوتر وضغط العمل في وظيفتي الخاصة، إضافة إلى العمل على مشروعي التقني والتواصل مع الفريق وخلق روح التعاون فيما بينهم، ثم الخوف من احتمالية عدم حصولي على دخل شهري من مشروعي لأقوم بتغطية تكاليف الدخل الشهري للموظفين. لكن الحمد الله، فأنا أؤمن بأن الغد أفضل إن شاء الله.
ما هو مصدر قوتك الذي ساعدك لتخطي هذه الصعوبات والتحديات؟
مصدر قوتي يكمن في نفسي. لا أنكر دعم عائلتي لي من ناحية اجتماعية ونفسية ومادية، حيث وقفوا إلى جانبي وبادروا بتقديم المال لي كدين بدلاً من طلب قرض شخصي من البنك حين كنت في أمس الحاجة للدعم المالي. أيضاً قدم لي زوجي الدعم الكبير وتقبل غيابي وتقصيري بالمنزل والأولاد في بعض الأحيان. لكني أعتبر أن ثقتي بنفسي وبموهبتي وقدرتي على تخطي الصعاب، وبأن كل يوم هو يوم جديد يحمل الأمل؛ هو مصدر القوة لدي. قوبلت بالرفض في العديد من المرات، تقبلت هذا الرفض واعتبرته دافع لي لأبحث عن الحل وأجده. وحافز يدفعني لخوض التجارب بدلاً من الخوف منها. لذلك نعم؛ أنا الداعم الأول لنفسي.
كيف ساهمت الأمومة في دورك كـ رائدة أعمال، وكيف تصفين علاقتك بأطفالك؟
كوني أم لثلاثة أطفال، زين الدين وعمره 14 سنة، أحمد وعمره 12 سنة، و نور الدين البالغ من العمر 7 سنوات؛ لم يكن من السهل أبداً الموازنة بين دوري كأم في المنزل وآمالي المهنية والريادية. فقد كان ابني زين الدين يأتي معي إلى اجتماعاتي في أيام إجازاته المدرسية. وكان دائماً يراني الأم القوية والمثالية. كما كان يفرح كثيراً عند زيارتي لمدرستة للسؤال عنه، وكنت أرى السعادة عارمة في عينية عندما يقول : “أنا ابن أريج”.
إن الحرب ما زالت قائمة. لذلك فإن العائلة هي السند الوحيد للأطفال في هذه المحنه، فنحن نحاول قدر المستطاع زرع الثقة فيهم.
ما هي رسالتك للأمهات؟
- كونك أم هو أكبر تحدٍ لك عند بدئك أي مشوار عملي لك.
- لا تكوني أسيرة جدران منزلك. بل اجعلي منزلك بوابتك لرؤية العالم من منظور جميل جداً.
- اسعي وسافري وقومي بتربية أولادك وكوني سنداً لهم ولزوجك.
في الختام، إن التحديات التي تواجهها الأمهات رياديات الأعمال في الحروب هي تحديات صعبة ومتنوعة. ولكن مع الدعم المناسب وتقديم بعض النصائح والحلول، من خلال برامج التمويل والتدريب والإرشاد والدعم النفسي، يمكن للأمهات التغلب عليها وتحقيق النجاح في مجال ريادة الأعمال.
نحن في موقع كلنا أمهات، نقوم بتقديم خدمات متنوعة للدعم النفسي والإرشاد، بالإضافة إلى ورشات جماعية لتشجيع هؤلاء الأمهات على تشكيل شبكات دعم متبادل وتبادل الخبرات فيما بينهن. للمزيد من التفاصيل اضغط على الزر بالأسفل.
هذا المقال بقلم عبير الزعبي
يتقدم فريق كلنا أمهات بالشكر والعرفان للأستاذة عبير الزعبي لتقديمها هذا المقال المُلهم المليء بالفائدة.
اقرأ أيضاً قصة نجاح المهندسة ديانا صلاح، من الهندسة لريادة الأعمال في مجال تعليم الأطفال البرمجة
أميرة
مايو 22, 2024 في 10:39 صكل التقدير والاحترام لهذه الأم البطلة التي تواصل العمل والإبداع رغم كل الظروف الصعبة.
أتمنى لك أريج كل النجاح والتوفيق وأدعو الله تعالى أن يحفظك ويحفظك عائلتك وأن يرفع عنكم الظلم والعدوان.
شكرا عبير على أسلوبك الرائع في الكتابة.