عنف الولادة – هل تعرضتِ له؟ مقال توعوي

للأم الحديثة

عنف الولادة – هل تعرضتِ له؟ مقال توعوي

عنف الولادة

نشرت المخرجة والمصورة القصصية، والناشطة على وسائل التواصل الاجتماعي الاء حمدان، خبراً منقولاً عن قناة الجزيرة الإخبارية، بعنوان ملفت جداً للنظر:

“أمريكية تحصل على ١٦ مليون دولار تعويضاً عن عنف الولادة الذي مارسه ضدها مقدمو الرعاية الطبية أثناء الإنجاب. كارولينا مالاتيستا؛ لم يُسمح لها بالحركة أثناء المخاض وأُجبرت على الاستلقاء على ظهرها”.

عندما قرأت الشطر الأول من الخبر، تسرعتُ بحكمي “دون فخر” وقلت لنفسي: “طريقة جديدة لكسب المال! كيف ستلدين إن لم تستلقي؟ ابحثي عن طريقة أخرى أكثر إقناعاً”! وكم خجلتُ من نفسي، عندما تابعت تعليقات السيدات على صفحة الانستغرام. الخاصة بالناشطة “الاء حمدان”. عندما بدأنّ يسردن قصص مرعبة، عن تجاربهنّ أو تجارب المقربين لهن. قصص متعلقة بعنف الولادة مررنّ بها، دون أدنى تعاطف من فريق تقديم الرعاية الصحية، الذي أشرف على ولادة المشاركات.

ثم أكملت قراءة قصة كارولينا مالاتيستا، لأدرك أنها تعرضت لعنف ولادة حقيقي! نتج عنه إصابتها بجروح، وتم تشخيصها باضطراب ما بعد الصدمة! أدركت كارولينا أنها تعرضت للعنف من قبل الفريق الطبي، فرفعت دعوى قضائية ضد المشفى وربحت القضية. حيث حصلت على 16 مليون دولار، تعويضاً عن العنف الذي مارسه ضدها مقدمو الرعاية الطبية أثناء الإنجاب.

بالتأكيد لا نعمم هنا؛ فمهنة الطب والتمريض من أسمى المهن بل وأكثرها إنسانية. ولكن يبدو أن البعض قد نسي أو تناسى ذلك، بل ويبدو أن هناك من يعمل بالمجال الطبي والصحي لبناء سمعة و”سيط” حسن فقط!


ما هو عنف الولادة

هو ظاهرة تمارس ضد المرأة عند الولادة القيصرية أو الولادة الطبيعية. وهو الإهمال أو الاعتداء الجسدي أو الاعتداء الجنسي، أو عدم احترام الحامل أثناء الولادة. وهو أيضاً من صور انتهاك حقوق المرأة، ينتج عنه آثاراً نفسية وجسدية وصحية قد تؤدي إلى عواقب وخيمة. كما ينتج عنه امتناع السيدات الحوامل، من طلب الرعاية والمساعدة الطبية، من الطاقم الطبي أثناء عملية الولادة. وكما أنه -وللأسف الشديد- يعد حالة متكررة تحدث في مختلف أنحاء العالم.

عرفت منظمة الصحة العالمية عنف الولادة بأنه “الاستيلاء على جسد المرأة من قبل العاملين الصحيين، في شكل علاج غير إنساني. وإضفاء الطابع الطبي التعسفي، وأيضاً إضفاء الطابع المرضي على العمليات الطبيعية. بما في ذلك؛ فقدان المرأة القدرة على اتخاذ قراراتها بحرية بشأن جسدها وحياتها الجنسية”.

أشكال عنف الولادة

لكم وصفع وصراخ! نعم أنا لا أبالغ هنا؛ بل أنني نقلت لكم هذه الأشكال من دراسة مشتركة، قامت بها منظمة الصحة العالمية واليونيسيف، وعدد من المنظمات الدولية الأخرى.

حيث أظهرت هذه الدراسة؛ أن 42٪ من النساء المشاركات في هذه الدراسة، قلن أنهن تعرضن لأشكال مختلفة من عنف الولادة، من الإيذاء الجسدي أو اللفظي أو التمييز العنصري، إلى اللكم والصفع والصراخ في وجوههن، أو الاستهزاء بهن. المصدر


تجارب سيدات واقعية وحقيقية

تعددت أشكال عنف الولادة، وامتدت إلى ممارسات صعبة التصديق. ولكنها للأسف ظاهرة موجودة ومنتشرة! بين استخدام القوة، والحرمان من مسكنات الألم، وانعدام الخصوصية، وإطلاق الشتائم. حيث شاركتنا إحدى السيدات بسرد قصتها لفريق عمل كلنا أمهات قائلة؛ أن مقدم الرعاية الصحية شتمها قائلاً: “يكفي صراخ مثل البقرة” فقط لأنها كانت تصرخ ألماً!

وحتى اللمس المفرط، بحجة “الفحص الداخلي”، والضغط بقوة! الذي قد سبب لأحدى السيدات التي قررت أن تشارك تجربتها اليوم مع موقع كلنا أمهات، حيث أدى الضغط المفرط على ساقها “لتثبيتها” أثناء الولادة، لتعرضها لجلطة دموية تكونت في مكان الضغط!!! وشاركتنا أخرى قائلة؛ أن بعض أفراد الفريق الطبي قاموا بضربها على بطنها ضرباً مؤلماً بحجة “انقاذ الجنين”!

كما تحدثت العديد والعديد من النساء عن الصراخ في وجوههن، ولومهنّ بشكل مباشر على أنهنّ من تسببن لأنفسهنّ بالألم قائلات: “مش بدك تلبسي الأبيض؟ اتحملي”!

العديد من القصص المؤلمة، والعديد من الذكريات المحزنة التي آلمت أرواح السيدات. فهذه توسلت للحصول على شربة ماء مُنعت عنها دون شرح السبب، وأخرى تُركت وحيدة في غرفة الولادة أثناء خروج الجنين، عقاباً لها على صراخها ألماً! وغيرهنّ من تعرضنّ لتحرشٍ جنسي بحجة “الفحص الداخلي”.


الهدف هنا هو الإدراك ونشر الوعي

أثناء قراءتي لقصص وتجارب السيدات، تذكرتُ أنه وأثناء ولادتي الأولى، تعرضتُ لعنف الولادة بطرق مختلفة. ولكنني لم أكن أعي أن ما أتعرض له هو عنف الولادة! كما أنني كنتُ سأحذر السيدات الحوامل في بداية هذا المقال من قراءته، خوفاً من أن يزرع الخوف والتوتر في قلوبهن. ولكن وبعد التفكير؛ فضلتُ ألا أكتب أي تحذير! ولكن سأرجو الحوامل ممن يقرأن هذا المقال، أن يقرأنه بعين الباحث عن المعرفة،  وبعقل الراغب بتمييز حقوقه. أنا أكتب لكنّ اليوم؛ لتعرفنّ حقوقكنّ في غرفة الولادة، ولتدركنّ أنكنّ تتعرضنّ لعنف الولادة فيما لو تعرضتنّ له.

ظاهرة عنف الولادة ليست خطأ المرأة، وليست خطأ فئة معينة. إنما هي مشكلة منهجية، تغذت على ممارسات منهجية خاطئة؛ مثل الافتقار إلى المسائلة، وسهولة الإفلات من العقاب في التسلسل الهرمي الخاص بالمنشآت الطبية، فما العمل؟

سنقدم لكم اليوم بعض النصائح بهدف نشر التوعية حول عنف الولادة، وكيفية تجنب حدوثه، وحتى كيفية التعامل معه من خلال النقاط التالية:

  • التصديق بوجود هذه الظاهرة هو الخطوة الأولى والأساسية التي تساهم في تجنب تعرض العديد من النساء لعنف الولادة.
  • ثقفي نفسكِ وكوني على دراية بكل أشكال عنف الولادة، فهذا سيزيد من قدرتك على تمييز علامات عدم الاحترام أو سوء المعاملة الصادر من فريق مزود الرعاية الصحية.
  • تستطيع العديد من السيدات زيادة وعيهن بكل ما يتعلق بالعنف بشكل عام، وعنف الولادة بشكل خاص. من خلال حضور فصول Doulaالتي تتعلق بتعليم السيدات كل ما يخص عملية الولادة. والتي تساهم بتحديد الإساءة التي قد تتعرض لها السيدة الحامل أثناء الولادة، والحديث عنها بشكل واقعي وحقيقي، وذكر كل المعلومات المتعلقة بهذه الإساءة مثل أشكالها وطرق التعامل معها.
  • ابذلي مجهوداً، وابدأ البحث عن المؤلفات والكتب التي تتحدث عن التنمر والإساءة اللفظية، واقرئيها جيداً. ستساعدك على اكتساب مهارة تمييز الإساءة من غيرها.
  • قبل الولادة؛ اطرحي الأسئلة على طبيبتك حول الإجراءات والعلاجات والتدخلات أثناء المخاض، وفكري جيداً قبل الموافقة على أي منها.

أثناء الولادة؛

  • واجهي السلوك غير المقبول مباشرة؛ لا تخافي ولا تصمتي عن حقوقك. في حال تم الصراخ عليكِ واجهي هذا السلوك وعبري عن رفضك له.
  • من أبسط حقوقك عزيزتي، الحصول على فريق دعم داخل غرفة الولادة؛ كالزوج أو الأم. فالمرأة أثناء الولادة قد تكون منهكة، لدرجة عدم قدرتها على إدراك الذي يحصل من حولها، ولدرجة عدم قدرتها على اتخاذ أي قرار. لذا أنت بحاجة لشخص ما إلى جانبك.
  • أيضاً كوني على علم أنه من واجب من يقوم بعمل أي إجراء روتيني خاص بك؛ كالفحص الداخلي مثلاً، أن يستأذنك أولاً، وأن يخبرك بسبب قيامه بهذا الإجراء بشكل مختصر. مثلاً: “سيدتي سنحقنك في هذا المكان حتى نتأكد من عدم تحسسك من المضاد الموجود في المحلول”. بهذه البساطة!
  • أثناء الفحص الداخلي؛ اطلبي وجود زوجك إلى جانبك، أو اطلبي وجود ممرضة إلى جانب المسؤول عن هذا الإجراء. وأصري على ذلك في كل مرة!
  • لا تنسي أن تقومي بأبحاثك الخاصة المتعلقة بالمستشفى بشكل عام، وبقسم الولادة في هذا المستشفى بشكل خاص. وأيضاً المتعلقة بالطاقم الطبي القائم والمشرف على عملية ولادتك.
  • في حال تعرضك لعنف الولادة، لا تترددي بتقديم شكوى تشرح ما تعرضت له لإدارة المستشفى. إن لم تجدي التعاون الكافي منهم، توجهي لجهة أخرى كالنقابات! تصرفك هذا سينشر الوعي وسيشجع الأخريات، وسيجعلك جزءً من الحل.

الرأي والرأي الآخر

تعددت قصص عنف الولادة، وروت العديد من السيدات من مختلف أنحاء العالم قصصاً تدمع لها الأعين. من غرف الولادة الجماعية، مروراً بترك السيدة وحيدة أثناء الولادة “عقاباً لها” على صراخها خوفاً.  إلى ترك السيدة تلد على “الأرض”، بسبب عدم تعامل المستشفى مع الضغط بشكلٍ صحيح وإنساني!

بينما روت سيدات تجارب ولادتهن الرائعة، التي ساهم بها فريق طبي إنساني. حيث تذكر إحدى السيدات أنه وأثناء ولادتها بالغربة، دون وجود أم تدعمها أو أب يطمئنها، أن القابلة أمسكت بيدها طوال عملية الولادة، وأخبرتها ألا تخاف من أي شيء. قائلة: “إن كانت أمك لا تستطيع التواجد معك فأنا أمك اليوم. لا تخافي سأبقى هنا إلى جانبك حتى تلدي بأمان”. وفعلاً هذا ما حصل.

من المسؤول

نحن اليوم نتحدث عن نساء معنّفات، نساء تعرضن لتجارب قاسية أثرت بهن. نتحدث عن ظاهرة مرعبة ومنتشرة، ولكن لا أحد يجرؤ على الحديث عنها!

نعم النسبة الأكبر من مقدمي الرعاية الصحية والطبية هم أشخاص محترفين وإنسانيين. يؤدون عملهم بأعلى الأخلاق وبأفضل طريقة، ويبذلون كل جهدهم لتشجيع السيدة ودعمها والتخفيف عنها أثناء عملية الولادة. ولكن هذا لا يعني أن كل مقدمي الرعاية الطبية يتمتعون بنفس الأمانة والأخلاق المهنية!

بالرغم من ذلك؛ نحن هنا لتوعية السيدات بحقوقهن أثناء عملية الولادة، لا لتوجيه أصابع الاتهام لأي طرف من الأطراف. قد يكون المسبب الأول والأخير لهذه الظاهرة هو الاقتصاد، وقد يكون عنف الولادة نتيجة سنوات من عدم كفاية الموارد، وقد يأخذ الوقت المحدود الناتج عن الضغط الهائل الذي ترزح تحته بعض المستشفيات، نصيبه من هذا الاتهام! عدم كفاية الوقت يعني العديد من الإجراءات التي تتم دون موافقة الأم أثناء عملية الولادة، وهو من أهم أشكال عنف الولادة.


اترك التعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

0
0