حاز الشعب الدنماركي على لقب أسعد شعب في العالم، من قبل منظمة التعاون الاقتصادي كل سنة تقريباً منذ العام 1973. فما سر احتفاظ الدنماركيين بهذا اللقب لأكثر من أربعين عاماً؟ تعرفنا إلى هذا السر من خلال كتاب “التربية الدنماركية” للكاتبتان “جيسيكا ألكسندر – إيبين ساندال”، الذي يتحدث عن الطريقة الدنماركية في التربية. حيث تعتقد الكاتبتان أن سر سعادة الدنماركيين يكمن في طريقة تربيتهم؛ التي تركز على بناء شخصية الطفل ككل، وإعطاء الأولوية للجانب النفسي والعاطفي. هذا ما يميز هذا الكتاب عن غيره من الكتب التي تركز على الجوانب العقلية والتعليمية للطفل.
لنتعرف أكثر إلى هذا الكتاب من خلال التلخيص، الذي قامت بإعداده وكتابته السيدة شهد خالد؛ صانعة المحتوى المتعلق بالكتب والتنمية الذاتية. والتي تستعرض هذه المعلومات القيمة، من خلال حسابها على منصة إنستغرام “شهد علي Shahd Ali”. شاكرين مجهودها الرائع بتلخيص هذا الكتاب بشكل ممتع ومفيد.
**ملاحظة: المقال أدناه بقلم السيدة شهد خالد.
نظم الكتاب حول ستة محاور تكون كلمة PARENT
- Play اللعب.
- Authenticity المصداقية.
- Reframing إعادة الصياغة.
- Empathy التعاطف.
- No ultimatums لا تهديد.
- Togetherness روح الجماعة.
اللعب / Play
لا يدرك الكثير من الآباء أهمية اللعب للطفل، ويعتبرون اللعب الذي لا يخدم مهارة منظمة يمكن قياسها؛ أقل أهمية من الأنشطة المنظمة. لسنوات كثيرة لم يبدأ الأطفال الدنماركيون المدرسة قبل سن السابعة؛ لإيمان التربويون بأهمية اللعب في سنوات الطفل الأولى. يساهم اللعب في تكوين شخصية الطفل، ودعم استقلاليته وثقته بنفسه، ويقوي قدرته على التعامل مع مشاعره في المواقف الصعبة. كذلك يساعد اللعب مع أطفال آخرين؛ في تعليم الأطفال القدرة على التعامل مع الشخصيات المختلفة، وحل النزاعات والتعاون فيما بينهم. كما يزيد اللعب من مرونة الطفل النفسية؛ وهي القدرة على التشافي من النكسات وتجاوز التجارب السيئة. أيضاً تؤكد الأبحاث أن المرونة النفسية؛ هي أفضل وسيلة للوقاية مستقبلاً من القلق والاكتئاب، كما أنها إحدى السمات المميزة للأشخاص الأكثر نجاحاً.
يؤثر اللعب على عاملين أساسياً في عملية النمو لدى الطفل وهما:
مركز التحكم الداخلي و الخارجي Internal / external locus of control
مركز التحكم في علم النفس؛ هو مقياس للشخصية يقيس لأي درجة يعتقد الشخص أنه يتحكم بمجريات و أحداث حياته. كلنا نتأثر بظروفنا المحيطة، ولكن نظرتنا لما يمكن عمله هو ما يميز ذوي مركز التحكم الداخلي عن الخارجي. يعتقد الأشخاص ذوي مركز التحكم الداخلي؛ بأن لديهم القدرة على التحكم بما يحدث لهم.
الدافع لهؤلاء الأشخاص ينبع من داخلهم، ومن إحساسهم بالقوة تجاه ما يستطيعون فعله. بينما يعتقد الأشخاص ذوي مركز التحكم الخارجي؛ بأنهم نتيجة لظروفهم و أنه ليس لهم القدرة على التحكم بمجريات حياتهم. دوافعهم تأتي من الخارج وغالباً ما يلومون الأشخاص والعوامل الخارجية عند الفشل في تحقيق مبتغاهم. أثبتت الدراسات أن الأطفال و البالغين ذوي مركز التحكم الخارجي؛ هم أكثر عرضة للتوتر والاكتئاب لشعورهم بالعجز وقلة الحيلة.
النمو الوشيك Proximal development
في الدنمارك؛ يحاول الأهل عدم التدخل لمساعدة الأطفال، إلّا إذا كان ذلك ضرورياً جداً. يصف علماء تطور الطفل ذلك بدعم النمو الوشيك، الذي يعني إعطاء الطفل المساحة الكافية لينمو ويتعلم بما يناسب قدراته الحالية، بالقدر الصحيح من المساعدة. تلك المساحة مهمة لبناء الأساسيات و الدعامات لثقة الطفل بنفسه، بل وتجعله هو -لا المربي- متحكماً بتطوره.
كذلك؛ تجدر الإشارة إلى أن دفع الأطفال لتعلّم مهارات تفوق مستوياتهم أو الضغط عليهم، يفقدهم المتعة في التعلم، بل ويزيد من توترهم. يسعى الدنماركيون لوضع أطفالهم في مستويات تناسب تطورهم، ثم يتحدونهم للصعود لمستويات أعلى و تجربة أشياء جديدة.
المصداقية / Authenticity
التربية بمصداقية وواقعية؛ هي ما يحتاج إليه الأطفال من ذويهم لا المثالية. يراقب الأطفال طريقة تعاملنا مع المشاعر التي نمر بها، سواء أكانت إيجابية أم سلبية. اصطناع القوة أمامهم في مواجهة المشاعر السلبية؛ لا يعكس لهم الطريقة الصحيحة أو السليمة للتعامل مع هذه المشاعر.
كذلك تكون المصداقية في التربية بالاعتدال عند الإطراء على الطفل، والتركيز على المهارة والجهد ليس على قدرة الطفل
وذكائه. الإطراء على مجهود الطفل لا على شخصه؛ يقلل من الضغط الذي قد يشعر به، ويشجعه على العمل أكثر لتطوير مهاراته.
وقد يؤثر ذلك على محورين أساسيين:
- العقلية النامية Growth mindset
- العقلية الثابتة Fixed mindset
يعتقد الكثير من الأهل أن الإطراء على ذكاء ومقدرة الطفل، يزيد من ثقته بنفسه ودافعه للتعلم. ولكن جائت الدراسات في كتاب الطريقة الدنماركية في التربية لتثبت عكس ذلك! يطور الأطفال الذين يتلقون الكثير من الإطراء على ذكائهم وقدراتهم؛ ما يسمى بالعقلية الثابتة. فذكاؤهم وقدراتهم هي مقادير ثابتة يمتلكونها أو لا يمتلكونها.
بينما يطور الأطفال الذين يطري ذويهم على الجهد الذي يبذلونه عقلية نامية، حيث بذل الجهد هو أمر محمود و متوقع لإنجاز المهام. يولي الأطفال ذوي العقلية الثابتة الكثير من الاهتمام لنظرة الآخرين لهم ( ذكي وقادر أو غير ذلك)، وبذلك يعتبرون بذل الجهد إشارة على نقص قدراتهم وذكائهم. هم يعتقدون أنه لو كانت لديهم المقدرة والموهبة بالفعل، فلا حاجة لبذل جهد إضافي لتحقيق ما يريدون.
بينما يهتم الأطفال ذوي العقلية النامية بالتعلم والمحاولة. هؤلاء الأطفال يزيدون من جهودهم لتجنب الفشل، ويبحثون عن طرق بديلة لتحقيق ذلك. هذا هو التعريف الحقيقي للمرونة والثبات.
إعادة الصياغة/ Reframing
القدرة على صياغة المواقف بإيجابية وواقعية؛ هي سمة يتميز بها الدنماركيون، وتحدثت عنها الكاتبتان من خلال كتاب الطريقة الدنماركية في التربية. بعيداً عن الإيجابية الزائفة، التي تحض على التغاضي عن الأمور التي يجب التعامل معها وحلها. إنما إيجابية واقعية تدعو إلى تقبل ما لا يمكن تغييره، والتركيز على الجانب الإيجابي منه.
تعتقد الكاتبتان أن هذه النظرة الإيجابية؛ هي من أهم الأسباب التي تجعل الشعب الدنماركي من أسعد الشعوب على الإطلاق. لذا تحدث كتاب الطريقة الدنماركية في التربية؛ عن كيف يدرب الدنماركيون أطفالهم على توجيه نظرهم في المواقف المختلفة، على ما يستطيعون تغييره بدلاً مما لايستطيعون تغييره. مع الممارسة المستمرة على طريقة التفكير هذه تبرمج عقلية الطفل، ويصبح ذلك الأسلوب التلقائي عند مواجهة المواقف المختلفة.
كذلك
يتجنب الدنماركيون استخدام اللغة المحددة عند التحدث عن أطفالهم. فعندما يستخدم الأطفال لغة محددة مثل: “لا أحب ذلك” أو “لا أستطيع القيام بذلك”؛ فإنهم يقومون برسم صورة محددة لقدراتهم أو ما يمكن فعله في مواجهة المواقف والمشاكل. الطريقة المحددة التي ننظر بها لأنفسنا تستمر معنا حتى البلوغ، وتصبح جزءً من نظرتنا لأنفسنا، بل ويصبح من الصعب تغييرها.
لذا؛ نصح كتاب الطريقة الدنماركية في التربية؛ أن نقوم بإعادة صياغة اللغة التي نتحدث بها مع أطفالنا، وأيضاً يجب تجنب استعمال الصفات المحددة. مثل: أنت أناني، أنت مشاغب، أنت كسول؛ بالإضافة فالطريقة التي نصف بها أطفالنا، تحدد أيضا كيف نفكر بهم وكيف نتعامل معهم. يمكن النظر إلى الطفل العنيد على سبيل المثال بأنه ذو شخصية قوية وقيادية، ستساعده على النجاح في المستقبل. وبتغيير نظرتنا لتصرفات أطفالنا يسهل علينا الحفاظ على هدوئنا، ويقودنا للتعامل معهم بحكمة أكبر.
اقرأ أيضاً كيف أتعامل مع طفلي العنيد – قوي الإرادة؟
التعاطف / Empathy
يخطئ الكثير من الآباء بعدم اعترافهم بمشاعر أطفالهم السلبية، مثل الحزن والغضب والخوف، ظناً منهم أنهم بهذا الإنكار، قد يحمون أطفالهم من هذه المشاعر السلبية! عندما لا يتمكن الطفل على الربط بين ما يشعر به وما يعكسه المربي له، يفقد الصلة بينه وبين مشاعره، بل ولا يستطيع تطوير قدرته بشكلٍ كافٍ لفهم مشاعر الآخرين. يصبح هؤلاء الأطفال أكثر عرضةً للنرجسية والاكتئاب مستقبلاً، فعدم فهمهم لمشاعرهم لا يساعدهم على تجاوزها.
أيضاً
جاء في كتاب الطريقة الدنماركية في التربية، أن عدم قدرتهم على فهم مشاعر الآخرين يعيق تواصلهم الاجتماعي وتكوين علاقات صحية وسليمة. تعليم المشاعر هو أمر يدخل في برامج التعليم الدنماركية للسنوات الأولى. حيث تُعرَض على الأطفال صور لأطفال آخرين بمشاعر مختلفة، ثم يتم التحدث معهم عن هذه الصور المختلفة. يتعلم الأطفال بهذه الطريقة قراءة وجوه الآخرين ومن ثم فهمهم والتعاطف معهم. اقرأ أيضاً نصائح لتربية طفل ذكي اجتماعياً
هناك أيضاً برامج للأطفال بين سن الثالثة والثامنة للتحدث عن التنمر ليتعلم الأطفال عن التعاطف مع مشاعر الآخرين وتجنب المضايقات بينهم. اقرأ أيضاً كيف أعلم طفلي التصدي للتنمر
من العادات التي يتمتع بها الدنماركيون أيضاً
هي العناية بطريقة تحدثهم عن الأطفال الآخرين أمام أطفالهم. يتجنب الدنماركيون التحدث بالسوء عن طفل آخر بل أنهم قد يحاولون لفت انتباه أطفالهم للتصرفات اللطيفة التي قد تصدر من طفل آخر. فإذا أخذ طفل لعبة طفلهم عنوة قد يتسائل المربي عن سبب ذلك. هو بذلك يحاول أن يدفع طفله للتفكير في أسباب ومشاعر الطفل الآخر ، فيقول شيئاً مثل: لماذا تعتقد أنه أخذ لعبتك؟ هل تعتقد أنه ربما يريد استعارتها أو مشاركتها؟ هذا يساعد الطفل أيضاً على تعلم الهدوء و حل النزاعات السلمي، وهو أساس من أسس الطريقة الدنماركية في التربية.
اقرأ أيضاً قصص قصيرة للأطفال تعلم التعاطف
لا تهديد/ No ultimatums
الدنماركيون أكثر الشعوب ديمقراطية مع أطفالهم! يحبذون الحوار بدلاً من الضرب والتهديد. من خلال الطريقة الدنماركية في التربية يضع الدنماركيون قوانين واضحة لأطفالهم ولكنهم أيضاً يرحبون بأي آراء أو أسئلة متعلقة بهذه القوانين. هذا لا يعني أنهم متساهلين بالتربية، بل أن الطريقة الدنماركية في التربية تعتمد على احترام الطفل ثم مطالبته بالاحترام. يتوقف الطفل عن ممارسة الأساليب الخاطئة عند التهديد في كثير من الأحيان تفادياً للعقاب، ولكنه قد يلجأ في بعض الأحيان إلى اللجوء للكذب. الهدوء وتفادي صراعات القوة يخلق جواً هادئاً بعيداً عن التوتر ويميز فيه الطفل أخطائه التي يتعلم منها بعيداً عن العناد. اقرأ أيضاً عقاب الأطفال بالفلفل!
يمتد تعليم الأطفال “الديمقراطية” إلى البيئة المدرسية أيضاً
حيث يتم إشراك الأطفال في صناعة القوانين في كل صف مدرسي حسب الطريقة الدنماركية في التربية. في بداية كل عام دراسي يناقش الطلاب مع معلميهم التصرفات المتوقع منهم الالتزام بها و الأخرى المطلوب تفاديها. المميز في هذا الأمر أن الطلاب هم من يختار القواعد و العقوبات المفروضة التي تختلف من صف دراسي لآخر.
على سبيل المثال تروي الكاتبة أن الطلاب في صف ابنتها قرروا في إحدى السنين عقوبة غريبة في حال قام أحدهم بالتشويش على غيره أثناء الشرح، فلو حدث ذلك فعلى جميع الطلاب أن يقفوا ويمشوا حول الغرفة ويصفقوا عشر مرات. جاء هذا الاقتراح من الطلاب أنفسهم ليشعر الذين يشوشون على غيرهم بتأثيرهم المباشر على جميع من في الغرفة ليس المعلمة فقط.، وقد نعتبر هذا القرار أحد الآثار الإيجابية للطريقة الدنماركية في التربية.
Togetherness / روح الجماعة
يعرف الدنماركيون باهتمامهم بالوقت النوعي بين أفراد العائلة و الأصدقاء hygge. يتعاون جميع أفراد الأسرة على صنع جو دافئ عن طريق إضاءة الشموع وإعداد الطعام وتجهيز الألعاب وتوفير جلسات مريحة. يتجنب الحاضرين الحديث عن العمل أو النزاعات أو أي مواضيع قد تعكر صفو الأجواء الهادئة. يزدهر الأطفال حين نخصص لهم الوقت النوعي و عندما يشعرون بالحب غير المشروط الذي توفره لهم الأسرة.
9 عوامل مؤثرة في الصحة النفسية للطفل - كلنا أمهات
أبريل 28, 2021 في 5:21 م[…] […]
تعرف على أفضل الدول لانجاب الأطفال في العالم إحداهما عربية - كلنا أمهات
يونيو 17, 2021 في 12:33 م[…] على مقال “الطريقة الدنماركية في التربية” -ما يعلمه أسعد شعب في العالم عن تربية أطفال واثقين متمكني…، للاطلاع على أهم طرق التربية التي […]
أفضل الدول لانجاب الأطفال في العالم إحداهما عربية - كلنا أمهات
أكتوبر 14, 2022 في 8:35 م[…] على مقال “الطريقة الدنماركية في التربية” -ما يعلمه أسعد شعب في العالم عن تربية أطفال واثقين متمكني…، للاطلاع على أهم طرق التربية التي […]