قصتنا اليوم لأم ملهمة عاشت اكتئاب ما بعد الولادة بكل تفاصيله، ولكنه لم تستسلم له ووقفت في وجهه لتتحداه لتبث لنا اليوم بصيصاً من الأمل يلوح لنا من بعيد ليخبرنا بأننا أمهات رائعات وبأننا نستطيع تخطي هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها الكثير من الأمهات الجدد.
عرفينا عن نفسك
إسمي ليال عدنان، وأنا أم لطفلتين وحالياً حامل بطفلي الثالث، أعمل كاستشارية دمج الأطفال من ذوي الهمم في المدارس والمجتمع في الإمارات العربية المتحدة.
ما الذي جعلك تشاركين قصتك عن اكتئاب ما بعد الولادة على مواقع التواصل الاجتماعي؟
شاركت قصتي; لأيماني بأهمية التوعية باكتئاب ما بعد الولادة; لأننا في عالمنا العربي، نحاول إخفاء هذا الجانب من أمومتنا; بسبب برمجة المجتمع لعقولنا على ربط مشاعر الحزن بالضعف، ولخوفنا من أحكام المجتمع علينا بأننا لا نستحق لقب الأم، وكأننا غير ممتنين لتلك الهدية الربانية التي نحملها بين يدينا. أردت أن أكون صوتاً لهؤلاء الأمهات ;ليعرفوا أنها حالة نفسية متكررة ويمكن علاجها وتخطيها.
كيف علمتِ بأنك مصابة باكتئاب ما بعد الولادة؟
خلال فترة حملي بطفلتي الأولى، حاولت قدر المستطاع تثقيف نفسي جيداً، من خلال حضور العديد من ورشات العمل في أبو ظبي عن كل ما يخص الأمومة، كما كان زوجي داعماً لي في رحلة حملي، فكان يرافقني في تلك الورشات; لرغبته في مساعدتي بالاعتناء بطفلتنا.
في آخر أيام حملي، كنت أشعر بقمة السعادة والحماس لمقابلة طفلتي للمرة الأولى، وضمها لحضني، وكنت أتخيل ابتسامتها الجميلة ترتسم على ملامحها الملائكية. كنت متحمسة لأن أصبح أم، ولم أواجه أبدا اكتئاب الحمل، ولكن حدث ما لم يكن بالحسبان، فبمجرد ولادتي لها، ومغادرتي للمستشفى، تحولت مشاعري من مشاعر سعادة الى مشاعر قلق وتوتر تزيد وتتراكم يوماً بعد يوم.
حينما عدت إلى المنزل، نظرت إلى نفسي في المرآة ولم اعرفني! بدأت أتذكر قوامي الممشوق قبل الحمل، ولم أستطع تقبل الخطوط البيضاء التي ارتسمت على جسدي. بدأ يراودني الشعور بالحنين لارتداء ملابسي القديمة التي لم تعد تلائمني.
شعرت بثقل المسؤوليات المتراكمة على كتفي، وهنا، تغيرت حياتي بشكل جذري وباتت تقتصر على تغيير الحفاظات، و الرضاعة الطبيعية والسهر في الليل والصداع من قلة النوم، وانقلب ليلي ونهاري وبدأت أشعر بالوحدة، على الرغم من وجود الدعم الكافي ممن حولي ولكنني كنت أشعر بأنني أخوض هذه التجربة بمفردي لإثبات قوتي لنفسي ولمن حولي.
ما الذي يصعب على الأم اكتئاب الولادة؟
أولاً: أحكام المجتمع
عدم امتلاك الأم للجرأة الكافية للاعتراف بمشاعرها، ولطلب المساعدة النفسية ;خوفاً من أحكام المجتمع عليها، لأننا بكل بساطة نحتفل بقدوم الطفل ونراه كنعمة من الله – وهو كذلك حقاً- يتمناها الكثيرون، فيستمر من حولها بإشعارها بالذنب، وبأنها لا تستحق نعمة الأمومة.
ثانياً: المقارنة مع تجارب الأمهات الأخريات
فتقول في داخلها: لما أنا؟ لما اشعر بهذه المشاعر السيئة، علي أن أكون ممتنة لوجود طفلي بين يدي كما شعرت تلك الأم التي اعرفها؟ لما لا أستطيع الاستمتاع، والفرح بطفلي الصغير وتبدأ دائرة جلد الذات والملامة، دون معرفة السبب الحقيقي ورائها.
ما السبب الذي يدفع الأشخاص لانتقاد الأم من وجهة نظرك؟
الإنسان المنتقد لديه شيء لم يحله بينه وبين نفسه، لذلك أنصح الأمهات بأخذ جميع الانتقادات بطريقة إيجابية، لأنه لولا النقص الذي شعر به ذلك الشخص، ولو لم يجد في أمومتي نقطة قوة ذكرته بنقطة ضعف لديه، لما انتقدني.
ما هي أعراض اكتئاب ما بعد الولادة؟
- يكون اهتمامك بطفلك بدافع الواجب، دون متعة أو حب، فتشعرين بأنك مجبرة على الاعتناء بطفلك الصغير.
- تشعرين بأن طفلك قد اقتحم عالمك وسرق كل وقتك ولا تمتلكين بعض الدقائق للاهتمام بنفسك.
- العصبية والتوتر.
- جلد الذات بسبب اعتقادك بأنك أم سيئة لا تقوم بواجباتها على أكمل وجه، وموظفة مهملة لا تستطيع التركيز في عملها كما ينبغي.
- الشعور بأن طفلك هو السبب في تدمير حياتك فلم تعودي قادرة على الخروج للترفيه عن نفسك، ولا مشاهدة فيلمك المفضل بهدوء وسلام، ولا التركيز في عملك.
ماذا تقدمين من نصائح للأمهات الجدد عند شعورهن بأعراض اكتئاب النفاس أي علامات اكتئاب ما بعد الولادة؟
- طلب المساعدة من أخصائي نفسي
أنصحهم بأن يدركن، ويعترفن بوجود الاكتئاب لأن الإدراك يقودهن للانتباه، والانتباه يؤدي للاختيار ما بين إصلاح حالتك النفسية- من خلال اللجوء لطلب المساعدة من أصحاب الاختصاص، أو أن تستمري بالدوران في دوامة الاكتئاب، مما سيؤثر بالسلب على تربيتك لأطفالك.
- طلب المساعدة من الزوج والأب
كما أنصحهن بالبحث في الأسباب التي تسبب شعورهن بالتوتر والقلق، فمثلاً إن كان سبب التوتر عند الأم هو عدم قدرتها على الموازنة بين ترتيب المنزل وتنظيفه، عليها بطلب المساعدة من عاملة منزلية لتساعدها… وإن شعرت بالتعب من السهر مع طفلها، عليها ألا تخجل من طلب المساعدة من زوجها، فهي ليست المسؤولة الوحيدة عنهم ،ودور الأب في تربية الأبناء يبدأ من لحظة الولادة.
- التوقف عن جلد الذات
تذكري بأنك أم رائعة، فأنت تسهرين طوال الليل من أجل راحة أطفالك، وتبذلين مجهوداً مضاعفاً ليكونوا بخير، فتوقفي عن جلد ذاتك، واستمتعي بأمومتك ولا تهتمي بانتقادات من حولك.
عزيزتي الأم تذكري،
إن لجأتَ لطلب المساعدة النفسية، عليك ان تفتخري بذلك، لأنك تفعلين ذلك من أجل أطفالك. لا شيء يعوض اللحظات السعيدة التي تعيشينها بالقرب من صغارك، وتذكري بأنك تصنعين ماضيهم الذي سيتذكرونه كلما كبروا.