إن تربية الأبناء ليست بالأمر الهين، فنحن نريد الأفضل لهم دائمًا وأبدا. ولأننا نتعرض لضغوطات الحياة فأحيانًا لا نتعامل بالشكل الجيد مع تلك الضغوطات، بل وتظهر في تعاملنا مع أبنائنا. فنجد أننا قد نصرخ عليهم أو يزداد حدة التوتر والانفعال على أبسط الأمور. ولا نرى طريقة أخرى للتعامل معهم، بينما الضرب والصراخ لا يجدي نفعًا، بل يترك أثرًا سلبيًا على المدى البعيد ويسبب مشكلات وآثار لا تُمحى مع مرور الزمن. عندما نعلم أن شيئًا ما لا يُجدي نفعًا كتلك الأساليب، فهذا سبب وجيه للبحث عن نهج مختلف يتوافق مع أطفالنا، ويساعدنا على تربيتهم بطريقة صحيحة. لكن ما هو النهج المختلف؟! هذا النهج هو التربية الإيجابية.
التربية الإيجابية:
تفترض فلسفة التربية الإيجابية أن الطفل يولد على فطرته، ويحتاج في تربيته إلى الحب والحنان والتوجيه في الصغر حتى يصبح مسؤولًا وخلوقًا في الكبر. فالتربية الإيجابية تجمع ما بين الحنان والحزم في آن واحد؛ فهي مزيج بينهم فلا تكن لينًا فقط أو حازمًا فقط. وتهدف إلى الاستماع الفعال للطفل والتواصل معه. وأن تقدم له اختيارات وتعقد اجتماعات أسرية بشكل دوري لمناقشة أمور الأسرة ثم الوصول إلى حل معًا في الأمور التي تحتاج إلى التعديل.
لماذا التربية الإيجابية؟!
لأن التربية الإيجابية تهدف إلى تربية طفل منضبط ذاتيًا. من خلال التواصل والاستماع إليه وتوجيهه وتحمل عواقب الأمور ومناقشته، والعمل على إيجاد حلول للمشكلات. كما إن التربية الإيجابية؛ تهدف إلى تربية طفل منضبط انضباطاً إيجابيًا بعيدًا عن الضرب والصراخ.
استراتيجيات التربية الإيجابية
- اظهر لطفلك أفعالك وأقوالك وحدثه عنهم
الأفعال أبلغ من الأقوال. ففي بعض الأحيان أفضل ما يمكنك عمله، هو أن تنفذ دون أن تتكلم. لذا عرف طفلك الصواب من الخطأ، من خلال الكلمات الهادئة والأفعال. فأنت نموذج للأفعال والأقوال التي تريدها في طفلك.
- ضع الحدود
يعلم الأطفال أنهم سوف يعاقبون عند اختراقهم للقواعد، إلا أنهم لا ييأسون أبدًا من اختبار تلك القواعد و رد فعلك على العبث بها. باحثين بتلك المحاولات عن نقاط ضعف تمكنهم من اختراقها. لذا ضع قواعد واضحة ومتسقة يمكن لأطفالك اتباعها. مع ضرورة التأكد من شرح تلك القواعد لطفلك بلغة تتناسب مع عمره حتى يفهمها.
اجعل طفلك يتحمل عواقب أفعاله
أسمح لطفلك أن يجرب عواقب أفعاله ولا تفرض عليهم عقاب من صنعك أنت كالضرب. على سبيل المثال: أخبر طفلك أنه إذا لم يلتقط ألعابه من على الأرض، فسوف تقوم بإخفائهم في مكان بعيد عنه طوال اليوم ولن يستطيع اللعب بهم. ولا تنسى متابعة الأمر، هل التقطهم أم لم يهتم؟ ثم لا تستسلم وتتراجع عن قرارك إذا قرر طفلك التقاطهم بعد فوات الأوان. ولكن لا تطبق هذا على شيء كالأشياء الضرورية من احتياجات طفلك كالأكل والشرب.
- الإنصات الفعال لطفلك
الإنصات الفعال يختلف عن الاستماع. فالإنصات هو الاستماع بكل جوارحك، والاستماع باهتمام والبحث عن الرسائل الخفية التي يريد الطفل إرسالها إليك. وأيضًا أن ترسل له بلغات جسدك بعض الرسائل أثناء الاستماع إليه؛ تلك الرسائل التي تفيد بأنك مهتم من خلال الابتسامة أو نبرة الصوت المعبرة عن الحنان والود من وقت لآخر أو ملامح وجهك المعبرة عن تفهمك للموقف.
- امنحهم انتباهك
من أدوات التربية الإيجابية الفعالة هي منح طفلك الانتباه؛ لتعزيز السلوكيات الجيدة وتجاهل السلوكيات الأخرى.
- التركيز على الحلول دائما
حاول التركيز على إيجاد حلول، بدلًا من التركيز على فرض العواقب لكل سلوك يقوم به الطفل؛ مع مشاركة طفلك في مناقشات عن تلك الحلول. فعندما يشارك الطفل في إيجاد حلول للمشكلات لن يشعر بقسوة العواقب. كما أن استخدام الاجتماعات الأسرية لمناقشة تلك الحلول للمشكلات التي تتسبب بالتوتر لأفراد الأسرة. على سبيل المثال: مشكلات فترة ما قبل النوم والواجبات المدرسية والشجار ما بين الأخوة. فإن التوصل إلى حل من خلال التفاوض مع الأبناء أمر فعال لإيجاد حلول ووضع قواعد للأمور.
- تجنب التدليل
يخطيء الآباء عندما يدللون أبنائهم تدليل زائد تحت مظلة الحب. فالتدليل الزائد ينمي بداخلهم شعورًا؛ بأنه ينبغي على الجميع تلبية احتياجاتهم ورغباتهم وفعل كل شيء لهم وعنهم. فيتعلم الأبناء أنهم يستطيعون فعل الأشياء عندما يتعلمون كيفية التكيف مع تقلبات الحياة بحلوها و مُرها.
- التشجيع بدلًا من المدح
يحتاج الأطفال إلى تشجيع على السلوك الجيد حتى تعزز السلوك الجيد لديهم. ولكن احذر المدح؛ لأن المدح يركز على مدح الشخص ذاته. عكس التشجيع فهو يركز على الفعل ووصف الفعل. على سبيل المثال: أن تقول له لقد أصبحت ماهرًا في حل المسائل الرياضية، بدلًا من أن تقول له أنت عبقري.
لماذا التشجيع أفضل من المدح؟
التشجيع له أثر ممتد في تعزيز السلوكيات الإيجابية. عكس المدح بصفات غير ملازمة للطفل. كما أن كثرة استخدام المدح؛ يدفع الطفل إلى البحث عن كلام المدح والبحث عن حافز خارجي للإستمرار في السلوكيات الجيدة. فلا يشعر بالرضا أو الإنجاز لأفعاله إلا بوجود حافز خارجي. على عكس التشجيع يجعل الطفل يفعل السلوكيات الجيدة والاعتماد على الحافز الذاتي.
- اعرف متى تتجاهل السلوكيات
طالما أن طفلك لا يفعل شيئًا خطيرًا ويحظى بتعزيز وتشجيع السلوكيات الجيدة؛ فإن تجاهل السلوكيات السيئة يمكن أن يكون وسيلة فعالة لإيقافه. يمكن أن يؤدي تجاهل السلوك السيئ أيضًا إلى تعليم الأطفال العواقب الطبيعية لأفعالهم. على سبيل المثال: إذا استمر طفلك في إسقاط الكوكيز على الأرض متعمدًا؛ فإن العاقبة الطبيعية للأمر أنه تخفي كل الكوكيز فلن يكون لديه أي كوكيز ليأكله! فيتعلم بعد ذلك الحفاظ على الأشياء حتى لا يفقدها.
- بناء علاقة إيجابية مع أطفالك
من استراتيجيات التربية الإيجابية بناء علاقة إيجابية مع أطفالك؛ لضمان الانضباط الإيجابي. وأن تأخذ مشاعر أطفالك في الاعتبار، وتشجعهم على الاعتراف بمشاعرهم ومشاركتها معك، ومناقشة أخطائهم وأفكارهم بلا خوف أو تردد، مع الحفاظ على الاحترام في الحديث.
- أعتذر عندما تخطيء
أن تكون نموذج لطفلك بأن تعتذر عندما تخطيء؛ فالتعامل مع الأخطاء هي جزء أساسي من الانضباط الإيجابي. لذلك عندما تخطئ، تأكد من الاعتذار لطفلك. هذا يعلم الأطفال أهمية تحمل المسؤولية عن سلوكياتهم ويُظهر أهمية التعلم من الأخطاء.
- استخدم الانضباط بدلا من العقاب
يميز التأديب الإيجابي ما بين الانضباط والعقاب. لا يقصد بالعقاب (العواقب التي من صنع البشر كالضرب). ولكن بدلاً من ذلك؛ يجب أن يتعلم الانضباط من خلال تجربة العواقب الطبيعية لأفعاله.
كيف تستخدم الانضباط الإيجابي لطفلك:
- إعادة التوجيه
يتمتع الصغار بفترة انتباه قصيرة، لذا فيسهل إعادة توجيه انتباههم إلى نشاط آخر. على سبيل المثال: إذا كان طفلك الصغير يلعب بشيء قد يكون خطيرًا؛ فقدم له لعبة أخرى تجذب انتباهه. إذا لم يفلح ذلك، اصطحبه إلى غرفة أخرى أو اذهب به خارج الغرفة لتشتيت انتباهه.
2. التعزيز الإيجابي
اغتنم كل فرصة لتعزيز السلوك الجيد. لأن تعزيز الطفل سيزيد من فرصة تكرار السلوكيات الإيجابية فالمستقبل. ولكن عند استخدام التعزيز الإيجابي، لا تنسى تشجيع الطفل على الفعل أو السلوك وليس تركيز التشجيع على الشخص نفسه.
3. استخدم تذكيرات من كلمة واحدة
بدلاً من أن تطلب من طفلك الأمر بأكثر من كلمة، قل كلمة واحدة توصل رسالتك بها. على سبيل المثال: بدلاً من إخبارهم بالصعود إلى الطابق العلوي وتنظيف أسنانهم وتنظيف الحوض بعد ذلك، فقط قل “أسنان”. لا تذكر طفلك باستخدام عبارات التهذيب عند طلب شيء ما وشرح بالتفصيل سبب أهميته؛ اطلب منهم ببساطة “من فضلك”. فيستجيب الأطفال بشكل أفضل للتعليمات البسيطة والمباشرة في هذا الوقت؛ و لاحقًا يمكنك شرح أسبابك.
إذا لم يمتثل طفلك لأوامرك على الفور، فسيكون من الأفضل تكرار ما تقوله. ولكن خذ وقتًا قبل القيام بذلك. لأنك إذا اعتدت تذكير الأطفال بشيء قلته للتو، فسوف يتعلمون انتظار تكرار الأوامر و المتابعة قبل تنفيذ الأمر.
4. التجاهل الانتقائي
عندما تكون مشكلة بسيطة، فإن تجاهل السلوك يمكن أن يكون فعالًا. فلا تستجيب لسلوكيات طفلك التي تهدف للفت الانتباه إليه. على سبيل المثال عندما يسكب طفلك الحليب عمدًا على الأرض أو يقاطعك بشكل متكرر عندما تجري محادثة مع شخص آخر. فعندما يفشل الطفل في إثارة رد فعل منك، سواءً كان هذا الرد إيجابيًا أو سلبيًا، فمن المحتمل ألا يكرر هذا السلوك مرة أخرى.