إيمان الميداني – قصة أم جعلت من شغفها بالتقنيات وأمومتها حافزاً للنجاح في ريادة الأعمال
يمتلك كل منا شغفاً مختلفاً بالحياة. ذلك الشغف الذي إن وضعناه في القالب الصحيح كان سبباً لنجاحنا وتميزنا، بل وقد يكون سبباً لنترك بصمة متفردة في حياتنا وحياة الآخرين. قصتنا اليوم هي قصة أم ملهمة، ترعرعت على فكرة أن التقنيات هي وسيلة للتعلم وليس التسلية، فعشقتها وأبحرت بعوالمها حتى استطاعت توظيفها في مجالات متنوعة، والأمومة كانت دافعها لريادة الأعمال.
عرفينا عن نفسك، كيف تحبين أن نعرف عنك للعالم؟
أنا إيمان. كندية بنكهة دمشقية. أم تعشق التكنولوجيا ومختصة في مجال تحليل وتكنولوجيا الأعمال. حاصلة على شهادة في تحليل الأعمال من جامعة غرب أونتاريو. لدي طفلان رائعان، أحدهما 5 سنوات والآخر 10 سنوات.
حدثينا عن الأمومة والعمل. أنت أم، موظفة سابقة، ورائدة أعمال لمشروعين. ما سر هذه الطاقة والطموح المتقدم؟
عملت في الكثير من المشاريع الرائدة خلال خبرتي التي تمتد لأكثر من عقد. المشاريع الكبيرة، مع فرق عمل تزيد عن 120 شخص، والمشاريع الناشئة. إن عملي يتلخص بتكريس التكنولوجيا لخدمة الأعمال، بناءً عليه؛ ساعدت الكثير من الطموحين والطموحات في خطواتهم الأولى نحو نجاح مشاريعهم. أما مشاريعي الريادية الخاصة بي؛ فقد أضفت عليها عاملاً إضافياً وهو توظيف التكنولوجيا للأمهات والتعليم، وهو ما يعطيني الطاقة ويدفعني للاستمرار في “شمسات” و”كتابيانا”.
شمسات:
عمرها من عمر ابني الكبير. هي عبارة عن أنشطة تعليمية جاهزة للطباعة باللغة العربية للأطفال. بدأت هذا المشروع عندما لاحظت أن ابني يتعلم بسرعة من خلال الأنشطة التي تحتوي على ديناصورات. ومن هنا كانت بدايتي كمدونة لمشاركة هذه الأنشطة. تطور موقع “شمسات” مع الوقت، وحالياً لدينا أكثر من 7 آلاف ملف جاهز للطباعة. ونفخر بوجود مليون مستخدم لموقع “شمسات”، باشتراك مجاني مخصص للأمهات، الشيء الذي يسعدني كثيرًا ويحفزني للعطاء.
كتابيانا:
قصص مخصصة للأطفال تعتمد على تخصيص القصة باسم وشخصية الطفل. عملت على هذا المشروع مع صديقتي أمل الصادق. حيث أن توافقنا الكبير في الأفكار وشغفنا بتعليم اللغة العربية وإتقان العمل جمعنا. اليوم نفتخر بأن لدينا محرك تخصيص للقصص يستوعب آلاف التخصيصات لشكل قصة، وعدد لا نهائي من تخصيص نصوص القصة. يمكن للأهل طلب قصة ليس ككل القصص، حيث أنها مخصصة لطفلهم فقط.
ما هو سر نجاحك وطموحك؟
أؤمن أن قيمتنا كأشخاص ليست مرتبطة بفرصنا، فهناك فرص وظروف تتيسر لكل منا. وهذا لا يعني أنني ناجحة بسبب حصولي على هذه الفرص، أو أن غيري فاشل لأنه لم يحصل عليها. إن الحياة عبارة عن فرص، وهذا شيء يجب أن نتقبله. ففي بداية حياتنا العملية نواجه الكثير من الرفض، وهذا لا يعني أننا أقل قيمة من الآخرين، بل إنها مجرد فرصة لم نحصل عليها. هذه الفكرة دفعتني للاستمتاع بكل ما أفعله وعدم التوقف عن المحاولة.
النجاح بالنسبة لي هو استمراري بالمحاولة والعمل بإخلاص لتقديم فائدة حقيقية للمجتمع. بفضل الله أظن هذا ما يدفعني للاستمرار وينقلني في عوالم الطموح اللانهائية.
علمنا أنك بدأت رحلة التقنية والبرمجة في عمر 14 سنة ووصلت إلى مناصب قيادية في شركات تقنية. كيف كانت الرحلة مع الأمومة والعمل والغربة؟
والدي، رحمه الله، كان حريصًا على أن نكون أنا وإخوتي على دراية بالتكنولوجيا الحديثة. اشترى لنا جهاز كمبيوتر وقال لنا إنه ليس للعب، بل للتعلم. وهكذا بدأت رحلتي مع البرمجة في عمر 14 سنة، حيث برمجت أول برنامج بلغة فيجوال بيسك. كما أن أمي كانت تشجعني وتثق بقدراتي، مما دفعني لاكتشاف عوالم جديدة. ومع صعوبة الوصول للمعلومات في ذلك الوقت، كانت أمي توفر لي الكتب وتلحقني بالدورات التعليمية.
البرمجة والتقنية كانت وما زالت متعتي. الجدية والعمل المستمر كانا أساس نجاحي في المناصب التقنية. بالإضافة إلى أن الشركات التي عملت بها كانت تنصف الأشخاص الذين يضيفون قيمة للعمل.
كأم، تعلمت أن لكل شيء وقته، ولكن الأهم هو الاستمرارية.
كان أول عمل لي كمبرمجة في شركة برمجيات بسن الـ 20. تجربتي تضمنت الكثير من التحديات والتجارب التي أفتخر بها لأنها صقلت شخصيتي وأضافت الكثير لخبرتني.
ما التحديات التي واجهتك خلال العمل والغربة من الناحيتين النفسية والصحية؟ وكيف تخطيتها؟
تحديات العمل والغربة كانت كثيرة على الصعيدين النفسي والصحي. حيث أن الغربة ثقيلة على النفس، ناهيك عن الضغط المستمر لتحقيق التوازن بين العمل والأمومة، وقد كان زوجي سندًا كبيرًا لي في كل الأوقات.
أذكر في البدايات كانت الغربة قاسية ومن قسوتها تعلمت كيف أعزل سعادتي عن وجودي بين أهلي وأصدقائي والمكان الذي أفضله، وأصبحت أبحث عن معاني وأبعاد جديدة للسعادة وسُبل عميقة للطمأنينة.
كيف ترين النساء الأخريات في إطار فرق عملك، هل شعرتِ بصعوبات معينة في دعم النساء؟ ما هي النصائح التي يمكنك تقديمها لهن؟
أشعر بواجب الدعم تجاه الأم العاملة، خاصة عندما تكون الأم جادة وملتزمة بإضافة قيمة للفريق. الالتزام ليس له علاقة بكون الشخص امرأة أو رجل، فقد مررت بتجارب عديدة مع رجال غير جادين، وآخرين مجتهدين. هذه التجارب تساهم في تشكيل أفكارنا. إذا عملت مع عدة أمهات وكان هناك منهن من لا تأخذ الأمور بجدية، فقد أجد نفسي، أميل للعمل مع الرجال. لذا، نحن النساء مسؤولات عن رسم صورة المرأة المساهمة في أي مشروع مهما كان دورها. بفضل الله الأغلبية ممن عملت معهن كن من المجدات، أنا فخورة بهن وبكل ما يقمن به.
قراءة كتاب “Radical Candor” لكيم سكوت؛ كان له أثر كبير في حياتي أيضاً. أنصحكم بالاطلاع عليه كذلك. الكتاب يتحدث عن أن النقد البناء هو الأساس للنجاح. الكثير منا يتحول إلى موقف دفاعي أو يأخذ النقد بشكل عاطفي وشخصي، ولكن إذا نظرنا إلى النقد على أنه عناية من الآخر لنكون نسخة أفضل من أنفسنا وأخذنا الموضوع بإيجابية، سنحقق تقدمًا كبيرًا.
أسأل دائمًا من أعمل معهم، سواءً كان مديرًا أو من الفريق، أن يكونوا صرحاء معي وينتقدوني نقدًا بناءً يساعدني على التحسن. هذا يساعد الطرف الآخر على أن يكون صريحًا أكثر ويوصل الفائدة. بالطبع، النقد البناء يعني أن الطرف الآخر ملتزم بتقديم بديل واقتراح للتحسين.
في وقت لم يكن مرحبًا بعمل المرأة في القطاع التقني، كيف كانت نظرة المجتمع وهل شعرت بالندم أو الانزعاج؟ أي تحديات معينة؟
كنت أتوقع الكثير من التحديات وأجهز نفسيتي قبل حدوثها، وكنت مدركة لنظرة المجتمع السلبية تجاه المرأة في القطاع التقني. رغم ذلك، لم أشعر بالندم أو الانزعاج، بل كنت مصممة على إثبات جدارتي.
في إحدى الشركات الأمريكية التي عملت بها، قاموا بإجراء استطلاع خاص بالموظفات، وكانت النتائج صادمة. الكثير من الموظفات شعرن أن أفكارهن غير مسموعة أو مستهان بها. هذا الأمر يوضح أن التحدي ما زال قائمًا – مع العلم أني كنت العربية الوحيدة في الفريق-، وأننا بحاجة لمزيد من الجهود لتغيير هذه النظرة. أنا أؤمن بأن النساء يجب أن يدعمن بعضهن البعض وأن يعملن على توعية المجتمع حول قدراتهن.
هذا المقال بقلم ربى أبو عبيد الله
يتقدم فريق كلنا أمهات بالشكر والعرفان للأستاذة ربا أبو عبيد الله لتقديمها هذا المقال المُلهم المليء بالفائدة.